عندما قدم المغرب ترشيحه لاستضافة كأس العالم للمرة الأولى، قبل حوالى عقدين، لم يكن يفصله عن حيازة أول لقب عربي وأفريقي سوى صوت واحد. وقتها لم تكن "الفيفا" أقرت شرعية القارة الأفريقية في استضافة المنافسات. بيد أنه حين تبلور هذا الوعي الذي أقحم أفريقيا في سباق المنافسات، جاء نصيب جنوب أفريقيا أكبر من حظوظ المغرب. فقد تغلبت نزعات أخرى غير رياضية على اختيار كان سينصف العالم العربي الموزع بين القارتين الأفريقية والآسيوية. الآن يبدو كل شيء وقد انتهى الى مآله الذي كيفته اعتبارات اقتصادية وسياسية وجغرافية، ليس أقلها إنصاف جنوب أفريقيا التي عانت من شتى أنواع التمييز والعنصرية والاضطهاد. ولم لا فبعض الأخطاء التاريخية يصار الى محوها بمبادرات رياضية يكون لها الأثر البالغ في الاقتصاد والسياسة وتسويق الصورة الجديدة لبلد يشق طريقه نحو الديموقراطية وتداول السلطة بين السكان الأصليين، وليس المستوطنين القادمين من أصقاع بعيدة. فالعالم المتحضر يلجأ الى سياسة التقرب من ضحاياه السابقين، طالما أن لا بديل من التعايش معهم تحت سماء واحدة. كان حظ جنوب أفريقيا تعيساً الى الحد الذي دفع ثمنه ملايين السود الذين عاشوا في كنف "الأبارتايد". وها هي اليوم تستبدل حفرة السجون الذابلة التي أرخت لمجازر وتصفيات عرقية وعنصرية بأعلام تنشد الفرح الكروي الذي ما برح يؤكد أن المنافسات الرياضية لا مكان فيها للتمييز، وأن قدرات الإنسان على تحدي طبيعته هي جوهر تلك المنافسات التي تبشر ببعض المساواة وكثير من الأمل. وما بين شمال أفريقيا وجنوبها كانت الميول نحو الجنوب أكثر أثراً. ليس نتيجة ترجيح الموازين ذات الارتباط بالتجهيزات الأساسية ومناخ الطبيعة وشعبية كرة القدم فقط، وإنما للتخلص من عقدة أزلية تطهر سجل الرجل الأبيض. على بعد بضعة كيلومترات شمال المغرب وقع الاختيار يوماً على إسبانيا لاستضافة المونديال، وكانت مدريد بصدد ترتيب اندفاعاتها نحو اللحاق بأوروبا، يوم تقدمت الى جانب جارتها البرتغال بطلب الانضمام الى المجموعة الأوروبية، وصادف أن استضافة كأس العالم فتحت أمامها سيلاً تدفقت عبره الاستثمارات التي غيّرت وجه البلاد التي عانت طويلاً من ديكتاتورية فرانكو، لكنها بقيت أقرب الى الانتقال نحو التقدم بسرعة لافتة، ساعدها في ذلك أنها قطعة من أوروبا وأن مركز القوة الاقتصادية بدأ يميل في اتجاه القارة التي انفتحت على امتدادها الجنوبي ثم الأفقي بعد انهيار الحرب الباردة. مع أن المونديال منافسة رياضية محضة، فإن استضافتها تخضع للكثير من الاعتبارات الاقتصادية التي تلعب ضمنها اللوبيات المتعددة الجنسيات أدواراً غير خفية في توجيه مسار اللعبة. فالمال يحرك النزعات ويستقطب الانشغالات، وقبل احتساب ضربات ترجيح الربح أو الخسارة داخل الملعب تكون هناك حسابات أخرى، لعلها من بين أسباب عدة حالت دون أن تحظى أي دولة عربية الى الآن باستضافة هذه التظاهرة الرياضية الكبرى. لم يتلطف لا المغرب ولا جنوب أفريقيا في المنافسات التي وقعت في النهاية على بلد نيلسون مانديلا. فقد كان بينهما صراع آخر ذو طابع سياسي، يتجلى في تباين المواقف بين البلدين إزاء التعاطي مع قضية الصحراء. كانت الرباط تعول على أن تلعب جنوب أفريقيا دوراً محايداً، خصوصاً أنها كانت في مقدمة مساندي الزعيم الأفريقي مانديلا الذي أمده الدكتور عبدالكريم الخطيب، مؤسس "العدالة والتنمية" الإسلامي بالسلاح والدعم. فيما كانت جنوب أفريقيا ترغب في دور أفريقي أكبر ولا تريد أن تخسر الجزائر. لكن المنافسة بين الرباط وجوهانسبورغ استقرت عند ضفاف الروح الرياضية. وحين تعذرت على الفريق المغربي حيازة جواز المرور نحو جنوب أفريقيا انبرى الجمهور المغربي يصفق للفريق الجزائري حاملاً أعلام بلد المليون شهيد التي جابت الشوارع المغربية. ما فرقته السياسة جمعته الرياضة، وإن على مضض، طالما أن الفرحة العربية لم تكتمل عبر استضافة بلد عربي مونديال اللعبة الشعبية الأكثر إثارة للعواطف والميول.