تواجه منطقة الشرق الأوسط خطراً كبيراً من اندلاع حرب قد تكون عواقبها مدمّرة على دول المنطقة وشعوبها. تشنّ إسرائيل والولايات المتحدّة «حرباً في الظلّ» ضد إيران، كما تشنّ مجموعة من الدول «حرباً في الظلّ» ضد سورية فيما تشنّ القوى العظمى حرب ظلّ ضد بعضها بعضاً. ومن شأن شرارة واحدة إشعال فتيل الحريق. ويأتي خطر اندلاع حرب ساخنة من ثلاثة اتجاهات أساسية، من دعوات إسرائيل المستمرة إلى شنّ حرب ضد إيران ومن طموحات أميركا الجيوسياسية في منطقة الخليج الغنية بالنفط وتواطئها مع الحملة الإسرائيلية المعادية للإيرانيين ومن العدائية الواضحة التي تشعر بها بعض الدول العربية ذات الأكثرية السنّية تجاه إيران وتجاه الشيعة والعلويين بشكل عام. يبدو أنّ هذه الدول العربية غير مدركة أنّها تتصرّف لمصلحة الصقور الإسرائيليين والأميركيين الذين يحلمون بإعادة تشكيل المنطقة بهدف إخضاعها لمشيئتهم. فقد دفع الطموح نفسه المحافظين الجدد في الولاياتالمتحدة إلى غزو العراق وتدميره على أمل إضعافه على الدوام. وتقوم حمّى الحرب الإسرائيلية الحالية على كذبة كبيرة مفادها أنّ إيران تشكل «خطراً وجودياً» على الشعب اليهودي. فيا لها من تفاهة! يكمن الخطر الوحيد الذي تشكله إيران في حيازة قدرة محدودة على الردع في حال طوّرت الوسائل والقدرات المطلوبة لإنتاج أسلحة ذرية. فقد تتردّد حينها إسرائيل في شنّ هجوم عليها. وقد يتمّ الحدّ من حرية إسرائيل في شنّ هجوم على الدول المجاورة لها بعد أن حظيت بهذه الحرية على مدى عقود. والدليل على ذلك الحروب والهجمات العديدة التي شنتها ضد الفلسطينيين وضد العراق ولبنان وسورية. ترغب إسرائيل في أن تحظى بهيمنة عسكرية مطلقة. فهذا هو المراد من ذلك كلّه. ترغب في أن تحظى بحرية ضرب إيران أو أي بلد آخر يجرؤ على تحدّيها من دون أن تتعرّض للردّ. ولا ترغب في أن تكون أي دولة في الشرق الأوسط أو أي حركة قادرة على حماية نفسها، الأمر الذي يفسّر عدائيتها تجاه حركتي المقاومة «حزب الله» وحركة «حماس» اللتين صمدتا في وجه المحاولات الإسرائيلية لتدميرهما واللتين ترفضان أن يتمّ تخويفهما. يبذل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو ووزير الدفاع إيهود باراك جهوداً حثيثة لإسقاط النظام في طهران وما يسمى «محور الممانعة» الذي يضمّ إيران وسورية و«حزب الله» والذي شكّل خلال السنوات الأخيرة العقبة الفعلية الوحيدة أمام الطموحات الإسرائيلية والأميركية. لكن، يجب أن يدرك العرب أنّ تدمير هذه العقبة يعني ترك الفلسطينيين يواجهون مصيرهم المأسوي وتعريض دول الخليج لضغوط وهجمات إسرائيلية وأميركية محتملة في المستقبل. تفضّل إسرائيل بالطبع أن تُسقط الولاياتالمتحدة بنفسها النظام الإيراني تماماً كما أسقطت نظام صدّام حسين في العراق. وقد يميل نتانياهو إلى توجيه الضربة الأولى لكنه لن يفعل ذلك إلا إذا كان أكيداً أنّ الرئيس باراك أوباما سينضم إلى هذا الهجوم أو سيكون مرغماً على ذلك بسبب حاجته المزعومة إلى الفوز بأصوات اليهود في الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. يرغب أوباما في تفادي أن يتمّ جرّه إلى حرب أخرى. وبهدف الابتعاد عن أيّ هجوم إسرائيلي، أعلن المتحدث باسمه أنه فرض على إيران «العقوبات الأكثر قسوة التي تمّ فرضها على أي بلد». يكمن حلّ الأزمة بين يدي قوّتين إقليميتين كبيرتين هما المملكة العربية السعودية وإيران. وعلى رغم أنّ البعض يعتبرهما خصمين، غير أنه يمكن أن تصبحا شريكتين بما أن لديهما مصلحة مشتركة في فرض السلام والأمن في الخليج. وثمة إشارات ضئيلة لكن واعدة في إمكان حصول تواصل بينهما. واللافت أنّ الاجتماع التحضيري لقمة دول عدم الانحياز المقرر عقدها في طهران في وقت لاحق من هذا الشهر وقمة التضامن الإسلامي التي أنهت اجتماعاتها في مكةالمكرمة توصّلا إلى الخلاصة نفسها في ما يتعلّق بالحرب الأهلية في سورية. فقد شدّد الأعضاء المجتمعون على الحاجة إلى وقف لإطلاق النار بهدف وضع حدّ لإراقة الدماء تليه مفاوضات سياسية وتشكيل حكومة وحدة وطنية. أما الإشارة التي تبعث على الأمل فهي حضور الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد قمة التضامن الإسلامي. وتعدّ الحرب الأهلية السورية مهما كانت كارثية، مؤامرة فرعية تصب في إطار نزاع أوسع. فلا يتعلّق الموضوع الأساسي ببقاء الرئيس بشّار الأسد بشكل موقت على رأس النظام في دمشق أو إقناعه بالتنحي. إذ لا يأبه الأشخاص الذين يمارسون الضغوط لشنّ حرب بهوية الشخص الذي يحكم في دمشق، بل يريدون إضعاف سورية وتقطيع أوصالها وشلّ حلفائها. وتقع مسائل تحتل أهمية كبرى بالنسبة إلى العرب على المحك في اختبار النيات هذا. فهل سيصمد النموذج القائم للدول العربية في وجه الأزمة أم يتصدّع؟ وهل يمكن أن يتعلّم السنّة والشيعة أن يعيشوا مع بعضهم بتوافق تحت راية الإسلام أم أنه محكوم عليهم محاربة بعضهم بعضاً على مدى ألف سنة أخرى؟ هل يمكن ضمان أمن الأقليات الإثنية والدينية التي ساهمت على مدى عقود في التعددية الغنية التي تميّز المنطقة؟ وماذا سيكون انعكاس كل ذلك على استقلال الدول العربية؟ نحن نشهد اليوم آخر مرحلة من النضال من أجل الاستقلال العربي. لقد بدأ هذا النضال منذ قرن حين سعى العرب إلى الإطاحة بالحكم العثماني. لكن حين انهارت الإمبراطورية العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى، وقع العرب تحت سيطرة بريطانيا وفرنسا اللتين تقاسمتا العالم العربي. وحين تمّ التخلّص من هاتين القوّتين الاستعماريتين، واجه العرب خطراً مميتاً هو خطر إسرائيل العدائية والتوسعية. وطالما كان النفوذ الأميركي طاغياً على المنطقة لا سيّما عقب انهيار الاتحاد السوفياتي. واليوم فيما تعاني الولايات المتحدّة بسبب المشاكل الاقتصادية وتبعات حروب كارثية، فهي تواجه تحدي قوى ناشئة جديدة. أما العقبة الأخرى التي تقف في وجه الولاياتالمتحدة فهي سماحها لإسرائيل أن تملي عليها سياستها في الشرق الأوسط. يجب أن يدرك العرب أن الحرب الإقليمية بقيادة إسرائيل توشك على حرمانهم من الاستقلال الهش والحقيقي الذي نجحوا لغاية اليوم في الحفاظ عليه. هل يمكن تفادي اندلاع هذه الحرب؟ يعدّ الملك السعودي عبد الله بن عبدالعزيز أحد القادة الحكماء الموجودين على الساحة الدولية. فوحده يملك النفوذ السياسي والموارد اللازمة للتأثير في الولايات المتحدّة والمقاتلين في سورية ولمنع المنطقة من الانزلاق نحو الكارثة. وهو يبدو ممزقاً بين امتعاضه من بعض السياسات الإيرانية وبين إدراكه ضرورة إرساء علاقات سعودية - إيرانية أفضل. ويبدو المسؤولون الخليجيون ممزقين بين خشيتهم من إيران القوية وبين إدراكهم أنّ أعضاء مجلس التعاون الخليجي يتشاركون في مصالح تجارية واستراتيجية عدة مع الجمهورية الإسلامية. وبدلاً من الوقوف إلى جانب الولايات المتحدّة وإسرائيل في تدمير إيران وسورية، يجب أن تشترك المملكة العربية السعودية وحلفاؤها في دول الخليج مع إيران في بناء منظومة أمنية جديدة للمنطقة من دون أيّ تدخّل خارجي. وفي حال عملوا مع بعضهم، يمكن أن يوفروا على المنطقة خطر اندلاع الحرب. لكن يجدر بهم أن يتحرّكوا قريباً لأنّ الوقت يمر بسرعة.