ترأس العاهل المغربي الملك محمد السادس ٬مرفوقا بالأمير مولاي رشيد٬ والأمير مولاي اسماعيل٬ اليوم الخميس بالقصر الملكي بالدارالبيضاء درسا دينيا جديدا من سلسلة الدروس الحسنية الرمضانية التي تلقى بين يديه. وألقى درس اليوم الأستاذ عثمان بطيخ٬ مفتي الجمهورية التونسية٬ متناولا بالتفسير قول الله تعالى "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون٬ واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون". وقال الاستاذ المحاضر إنه اختار الآيتين المباركتين من سورة آل عمران لما بينهما من الترابط٬ مضيفا أن هذه السورة سميت في كلام النبي صلى الله عليه وسلم وفي كلام الصحابة بسورة آل عمران وتسمى الزهراء٬ ففي صحيح مسلم عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "اقرؤوا الزهراوين: البقرة وآل عمران". وأكد أن سبب تسميتها بآل عمران هو ذكر فضائل آل عمران بن ماتان أبو مريم العذراء٬ موضحا أن آل عمران هم قوم من المؤمنين اصطفاهم الله وفضلهم٬ مصداقا لقوله تعالى "إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين"٬ كما تسمى أيضا بالأمان والكنز والمجادلة والاستغفار وهي أوصاف وردت في السورة وهي أسماء ذكرها الألوسي ونقلها عنه المفسرون. ولدى تفسيره للآيتين أوضح المحاضر بخصوص قوله تعالى "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون" أن النحاس روى عن مرة عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "وحق تقاته أن يطاع فلا يعصى وأن يذكر فلا ينسى وأن يشكر فلا يكفر".كما استشهد المحاضر بقول ابن عباس رضي الله عنه "ألا يعصى طرفة عين". وأضاف أن المفسرين ذكروا أنه لما نزلت هذه الآية قالوا "يا رسول لله من يقوى على هذا وشق عليهم فأنزل الله عز وجل (فاتقوا الله ما استطعتم)"٬مشيرا الى أن قوله تعالى "فاتقوا الله ما استطعتم" بيان لآية آل عمران أي فاتقوا الله حق تقاته ما استطعتم وهو أصوب. وأكد الأستاذ المحاضر أن قوله تعالى "فاتقوا الله ما ستطعتم" يعني أن يبذل الوسع والجهد بالتمسك بتقوى الله التي هي اتباع أوامره واجتناب نواهيه بصدق وعزيمة وإخلاص وتوكل على الله فيكون العون منه ويبلغ المرء بنيته ما لا يبلغه بعمله محيلا على الحديث الشريف "إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فانتهوا". وبخصوص قوله تعالى "فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون" قال المحاضر إن نظير ذلك في قوله تعالى "إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون" (البقرة 132) وهو نهي من الله تعالى بأن يموت الإنسان على حالة من الكفر أو الشك أو الردة بل على المرء أن يثبت في حياته على دينه وعلى عقيدته التي هي الإسلام وأن لا يفارق الجماعة إلى آخر خلجة من خلجات نفسه لأن الحذر واجب والمؤمن بين الخوف والرجاء وأن الساعة غير معلومة وأن لا يغتر لا بالصحة ولا بالشباب . وأضاف أن الثبات على الإيمان يكون بالتقوى وهي المحافظة على القيام بما افترضه الله علينا واجتناب ما نهانا عنه مع شرط الإخلاص والتوكل على الله، فذلك الذي يقوي إيمان المؤمن ويقيه من ارتكاب الخطايا وولوج أبواب المحرمات٬ مذكرا بأن الايمان يزيد وينقص حسب عقيدة أهل السنة وانتقل المحاضر٬ بعد ذلك٬ إلى تبيان معنى الآية الثانية وهي قوله تعالى "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون"٬ فأوضح أن الله تعالى بعد أن بين لمن آمن ما فيه صلاح أمرهم في أخراهم من خلال أمرهم بالتقى ونهيهم عن ترك الإسلام والموت على غيره ثنى المولى ببيان ما فيه صلاح أمرهم في دنياهم بالاجتماع على هذا الدين وعدم التفرق وفي ذلك اكتساب قوة ونماء. وبعد أن أبرز أن الاعتصام من العصمة وهي المنعة٬ وأن الحبل لفظ مشترك وأصله السبب الموصل إلى الحاجة وهو تمثيل والقرينة إضافة الحبل إلى الله٬ أوضح أن قوله تعالى "ولا تفرقوا" تأكيد لما تضمنه قوله "واعتصموا بحبل الله جميعا" وهو دليل على طلب الاتحاد في الدين٬ مشيرا إلى أن الاختلاف المنهي عنه هو الاختلاف في العقيدة وفي أمهات المسائل التي تعترض المسلمين٬ أما الاختلاف في فروع الشريعة فهو خارج عن هذا السياق وليس فيه دليل على تحريمه وإنما هو يرجع إلى الاختلاف في الاجتهاد في فهم النصوص. واضاف الأستاذ المحاضر أن قول تعالى "فأصبحوا بنعمته إخوانا" يدل على أن المعاملات الحسنة الجارية بين المسلمين بعد الإسلام حصلت بفضل الله وهو الذي خلق ذلك في قلوبهم وفي ذلك رد على المعتزلة القائلين بأن الإنسان خالق لأفعاله مذكرا بان الشيخ ابن عاشور عقد فصلا في معنى الأخوة الإسلامية في كتابه أصول النظام الاجتماعي مستشهدا بقوله تعالى "إنما المؤمنون إخوة" وبقوله صلى الله عليه وسلم "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم". وبين أن الحكمة في أن جعل الله تعالى الرابطة الجامعة بين المسلمين هي رابطة الأخوة لأنها أقوى من غيرها من الروابط وهي رابطة وثيقة بين المسلمين أينما كانوا من الأقطار وأبطلت عصبيات النسب والحلف وهو ما تسنى للمسلمين التعارف والتناصح والتعاون والتواصل عبر التاريخ وهو ما امتاز به الإسلام عن سائر الديانات٬ وبهذه الأخوة استطاع الإسلام أن يجمع بين أمم وأجناس ولغات مختلفة في أمة واحدة. بعد ذلك توقف الأستاذ المحاضر عند قوله تعالى "وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها" موضحا أي كنتم ايها المؤمنون قبل إسلامكم على شفا حفرة من النار. وذكر بأن جمهور المفسرين يرى أن المقصود بشفا حفرة من النار هي نار جهنم. وأضاف أن المفسرين تعرضوا إلى قوله تعالى "فأنقذكم منها" حيث قالوا الهاء للمؤنث ٬ والإنقاذ كان من الوضع الذي كانوا فيه وهو مذكر وهو شفا الحفرة . من جهة اخرى ٬ أشاد الاستاذ المحاضر بالعلاقات النموذجية والروابط الأخوية الموغلة في التاريخ والحضارة الإسلامية بين تونس والمغرب "مما جعلنا شعبا واحدا رغم بعد المسافة٬ لأن العزائم الصادقة جعلت العلاقات بين شعبينا تزداد متانة وانسجاما ونضارة يوما بعد يوم إلى يومنا هذا". وقال إن هذا التلاقي سهل بعد أن جمع بين البلدين المذهب المالكي والعقيدة السنية الأشعرية والطريقة الجنيدية. *تعليق الصورة:العاهل المغربي خلال ترؤسه اليوم للدرس الديني الجديد.