تمكن المؤرخ الإسباني "ميغيل كباييرو" من العثور على وثائق يتم الاطلاع عليها لأول مرة، تدل على زيارة قام بها إلى شمال المغرب الشاعر الإسباني الكبير، فيديريكو غارثيا لوركا، رفقة وزير التعليم العمومي، فرناندو دي لوس ريوس، بصفته كاتبا موظفا في ديوان الوزير. وزار الوفد، وهو الأول الذي أرسله النظام الجمهوري، إلى شمال المغرب المحتل، كلا من مدن تطوان وشفشاون والقصر الكبير والعرائش. وعثر المؤرخ المعروف بأبحاثه عن الشاعر المغتال، على تفاصيل واقعة الزيارة التي ظلت مجهولة حتى الآن، أثناء تصفحه الجرائد التي تغطي تلك الفترة حيث ورد اسم الشاعر فيها وبالخصوص جريدة "لافانغوارديا" التي تصدر حتى الآن من مدينة برشلونة. ويعود أحد أعداد الجريدة لعام 1931 حيث أشارت في معرض تغطيتها لزيارة الوزير"دي لوس ريوس" إلى وجود الشاعر، لوركا، ضمن الوفد المرافق له وإلى صفته المهنية "كاتب الوزير". وعاد المؤرخ إلى الصحف الأخرى التي كتبت عن، لوركا، حيث أحصى 3000 مادة خلال الفترة ما بين 1924 و1927، ليكتشف فيما بعد أنها كتبت بتفصيل ضاف عن حدث زيارة شمال المغرب، دون التوقف عند اسم الشاعر، لكن التحري والتقصي، أغريا المؤرخ وقاداه إلى تأليف كتاب صدر أخيرا ويحمل عنوان "لوركا في أفريقيا" (وقائع سفر في ظل الحماية الإسبانية للمغرب)، يوصف الكتاب بكونه مزيجا من تقارير السفر ضمن السياق التاريخي لتلك الفترة . وتغطي تفاصيل الزيارة المضمنة وقائعها في الكتاب الذي تولى نشره المجلس الإقليمي لمدينة غرناطة الأندلسية، خمسة أيام قضاها الشاعر الغنائي الكبير ،في شمال المغرب، تمتد من 26 إلى 31 ديسمبر، من العام 1931 حيث كانت أجندة زيارة الوزير الذي رافقه حافلة باللقاءات وخاصة مع الجالية اليهودية السفاردية وممثلي مجمع الحركة الماسونية في منطقة شمال المغرب وحيث خص له استقبال حافل من طرف السلطات المدنية والعسكرية. ويبدو الشاعر، لوركا، في جوانب الصور التي التقطت للزيارة ونشرتها الصحف، على اعتبار أن التركيز انصب على الوزير، أما كاتبه فكان مشهورا في ذلك الوقت في الأوساط الثقافية وليس لدى قطاعات الرأي العام الواسعة، مثل ما أصبح فيما بعد. ومن بين الوثائق البالغة الأهمية، التي عثر عليها المؤرخ ،شريط عن الزيارة، التقطه مصور إسباني في مدينة سبتة، يظهر فيه بوضوح الشاعر "لوركا" وراء الوزير، لحظة نزولهما من السفينة الحربية التي أقلتهما إلى ميناء المدينة. ومن الواضح أن زيارة وزير التعليم الإسباني، إلى منطقة شمال المغرب، اعتبرت حدثت بالغ الأهمية بكل المقاييس في تلك الفترة المفصلية من تاريخ إسبانيا المعاصرة، وأثناءها ألقى المسؤول الزائر، خطابا مثيرا في مقر الإقامة العامة بتطوان، وردت فيه بشكل لافت عبارة "تحالف الحضارات" كما ينبه مؤلف الكتاب المخصص لرحلة لوركا، مستنتجا أن الخطاب الذي ألقاه الوزير "دي لوس ريوس" لا بد وأن كاتبه الشاعر لوركا نفسه أو على الأقل أشرك في صياغته بشكل كبير، على اعتبار أن الوزير ذاته من الوجوه المثقفة البارزة في تلك الفترة ومن قيادي الصف الأول المؤثر في الحزب الاشتراكي العمالي. وفي الخطاب الذي ألقي بتطوان، توجه الوزير الجمهوري بالخطاب إلى الجالية اليهودية المقيمة بشمال المغرب قائلا " كفوا عن التفكير في الماضي، فكروا في المستقبل، في إسبانيا التي تسع الجميع حيث تمتزج الثقافات العربية واليهودية والإسبانية لتشكل ثقافة واحدة...". ويقول المؤلف الإسباني إن خطاب تطوان هو الذي جر المشاكل على الوزير وكاتبه الشاعر، حيث وجهت لهما من الأوساط المحافظة تهم التعاطف مع الحركة اليهودية من جهة والانتماء إلى "الماسونية والشيوعية " حكم على الوزير بموجبها من طرف نظام الجنرال فرانكو ب 30 سنة سجنا، ما جعل بعض المحللين يعتبرون خطاب تطوان الممهد لاغتيال لوركا فيما بعد، الذي أثقل ملف التهم الموجهة إليه بكونه شاعرا ومثليا جنسيا. وفي هذا الصدد، يبرز المؤلف أن زيارة "دي لوس ريوس" إلى شمال المغرب، تمت لغايات، بينها الاستجابة للدعوات في شكل رسائل كانت تصله من أعضاء الحركة الماسونية في شمال المغرب، حيث كان هو نفسه عضوا فيها في إسبانيا. ومن المفارقات أن المقيم العام الإسباني الجنرال"كابانيياس" استضاف بمنزله الوزير والشاعر، وهو نفسه الذي سيشارك فيما بعد في التمرد العسكري على النظام الجمهوري الشرعي الذي قاده الجنرال فرانكو. ويضيف المؤلف أن "لوركا" استغل أقامته في شمال المغرب لزيارة أحد أقاربه وكان صيدليا، توفي عام 1938 نتيجة تناوله جرعة كبيرة من "المورفين". تجدر الإشارة إلى أن الوزير "دي لوس ريوس " يحظى لغاية الآن بتقدير في إسبانيا كأحد القيادات المؤثرة في الحركة الثقافية والسياسية والنقابية. وهو من مواليد عام 1879 وتوفي بنيويورك عام 1949 وانتسب للحزب الاشتراكي العمالي منذ عام 1919 وشغل منصب الوزارة أكثر من مرة كما كان عضوا بالبرلمان.