سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
ندوة موسم أصيلة "مياه المتوسط المتحركة: أزمة في الشمال وحراك في الجنوب" المتدخلون توزعوا بين الشك في المشروع المتوسطي والأمل المشروط في "الاتحاد المغاربي"
ربط متدخلون في ندوة "مياه المتوسط المتحركة: أزمة في الشمال وحراك في الجنوب" المنظمة ضمن فعاليات الدورة 34 للموسم الثقافي الدولي لأصيلة، بين الوضع الراهن لاتحاد دول المتوسط الذي أحدث بمبادرة من الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، والواقع الذي يمر به اتحاد دول المغرب العربي. وتوقف المتدخلون عند بصيص الأمل الذي دب في جسم الاتحاد، في غضون الأشهر الماضية، تمشيا مع التغييرات التي طرأت سلميا أو باستخدام العنف في بعض الدول ولاسيما تونس وليبيا وفي المغرب بصورة هادئة، بينما تنتظر الجزائر وموريتانيا موعدهما مع الأقدار السياسية. وفي هذا السياق انقسم المتدخلون في جلستي مساء السبت بمركز الحسن الثاني للندوات بأصيلة، بين متشكك في مستقبل الاتحاد من أجل المتوسط، الذي خرج إلى الوجود وهو يشكو من كثير من العلل السياسية، لعل أبرزها غياب الرؤية السياسية المستقبلية وانعدام أجندة العمل على المديين المتوسط والبعيد، إضافة إلى المصير السياسي الذي آل إليه رئيسا الاتحاد ساركوزي وحسني مبارك. وذهب معلقون إلى القول إن أن "الاتحاد" كان نزوة سياسية ضمن أخرى التي اشتهر به الرئيس الفرنسي السابق الذي لم ينجح في إقناع الأطراف من الضفتين الشمالية والجنوبية وحتى الشرقية للبحر المتوسط، بجدوى المشروع، بل رأى فيه البعض مجرد مناورة سياسية فردية وانتخابية أراد بها "ساركوزي" ترسيخ وضعه السياسي داخل بلاده كحامل مشاريع كبرى، وفي الاتحاد الأوروبي في المقام الثاني. ومهما تكن طبيعة النيات التي أحاطت بالمشروع، فإن العقبات السياسية التي برزت بشكل مباغت لم يضعه في الحسبان مخططو المشروع، سواء في الفضاء الأوروبي حيث تعصف حاليا الأزمة المالية بعدد من الدول، بلغت ذروتها المنذرة في اليونان التي كانت على وشك الانسحاب من الاتحاد وبالتالي مغادرة منطقة "اليورو" تليها إسبانيا وإيطاليا والبرتغال، بل وفرنسا نفسها، دون استبعاد انتشار الحريق ليطال اقتصاديات أخرى. وركز منتقدو المشروع المتوسطي والمطالبون بتصحيحه، مداخلاتهم على ما أسموه الرغبة غير المعلنة في استمرار الهيمنة الأوروبية في ثوب جديد على دول الضفة الجنوبية، بمعنى أن العلاقة بين الضفتين لم تؤسس حتى الآن على أساس الندية التامة والشراكة العادلة المتقاسمة. ومن قبيل المفارقات المسجلة في هذا الصدد التساؤل لما ذا قاومت دول أوربية انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، وفرنسا وساركوزي شخصيا في طليعة الرافضين، بينما مدت نفس الدول يدها إلى الجنوب وفيه دول مسلمة، أقل تقدما في كثير من المناحي السياسية والاقتصادية من تركيا . إنه موقف غير مفهوم وغير مبرر، ما جعل متدخلين يعربون عن الاعتقاد أن تعثر المشروع المتوسطي الواضح في الوقت الراهن، يعود كذلك إلى انكفائه على الذات، واقتصاره على المجال الجغرافي الطبيعي، مع استثناء خاص لموريتانيا التي قبلت عضويتها على اعتبار أنها جزء من اتحاد المغرب العربي الشريك الأبرز للاتحاد المتوسطي. وبهذا الخصوص، رأى متدخلون أفارقة أنه كان مطلوبا من أصحاب المبادرة المتوسطية التاريخية النظر ابعد من أنوفهم فلا يستثنون دولا أفريقية وقد أثبتت التطورات الأخيرة الدراماتيكية في دولة مالي، على سبيل المثال، أن دول ضفتي المتوسط القريبة والبعيدة ليست بمنأى عن الحريق المهول الذي شب في "مالي" كإحدى تداعيات الأزمة الليبية، علما أن هذه الأخيرة لم تقبل على عهد العقيد القذافي الانضمام إلى الأسرة المتوسطية لاعتبارات فيها السياسي والمزاجي الذي طبع سلوك العقيد الراحل. غير أن منح صفة الرئيس بالمشاركة إلى الأردن، إجراء غير كاف رغم ما يثيره من علامات استفهام اعتبارا لكون الأردن غير واقع على الضفة المتوسطية. وفي نفس الإطار أصر محمد المدني الأزهري، الأمين العام السابق لمنظمة "سين صاد" إن الإعلان عن الاتحاد من أجل المتوسط، أنما تم لتحقيق أهداف لم يتردد في وصفها بالاستعمارية، أجملها في استمرار الهيمنة الأوروبية بأثواب جديدة، لكن الأخطر في تلك الأهداف الغامضة محاولة إدماج إسرائيل في الفضاء العربي والمتوسطي واعتبارها وضعا قائما وطبيعيا ومسلما به . وارتباطا بهذه النقطة ألح أكثر من متدخل على أن المشروع المتوسطي، قبل الأزمة الأوروبية والربيع العربي، لم يكن ممكنا أن يخطو بالسرعة المطلوبة ما لم يتخلص من ثقل الذنب التاريخي المتجلي في الظلم الذي يعاني منه الشعب الفلسطيني ولذلك كان جديرا بالاتحاد المتوسطي أن يضع على رأس أولوياته المساهمة الفعلية في وضع حد للصراع العربي الإسرائيلي، عبر تمكين أللفلسطينيين من حقهم الطبيعي في أقامة دولتهم المستقلة، إحقاقا للشرعية الدولية. ولعل السؤال الذي تكرر على لسان أكثر من متدخل هو مصير ركيزتي الاتحاد من أجل المتوسط، أي الاتحادين الأوروبي والمغاربي، على اعتبار أنهما مكونان متلازمان، يتبادلان التأثر والتأثير. وفي هذا الخصوص رأى، فارنكو فراتيني، وزير خارجية إيطاليا السابق الذي أدار الجلسة الأولى من الندوة، ضرورة أقامة ما أسماه "الحيز المشترك" السياسي والاقتصادي بين الاتحاد ين الأوروبي والمتوسطي، بدل الاكتفاء بالتعاون الثنائي التقليدي، وحيث يجب أن تنفتح الأسواق في الضفتين على بعضها وأن يتنقل الأشخاص في الفضاءين بدون قيود وخاصة الشباب الراغب في المعرفة والعلم، في انتظار اكتمال الظروف لانطلاق الحيز الأمني المشترك. وفي نفس السياق شدد يوسف العمراني الوزير المغربي المنتدب في الخارجية الذي بدا متفائلا بحذر على دور المجتمع المدني والمؤسسات التشريعية (البرلمانات) في تمتين الجسور بين دول الضفتين، مسجلا أن الاتحاد من أجل المتوسط، كيان قائم يجب الإقرار به ولو أنه يخطو ببطء منذ قيامه ولكن الرؤية والإرادة متوفرة حسب الوزير المغربي. واقترح الباحث محمد العربي المساري، وزير الاتصال المغربي الأسبق، نظرة موسعة للمذاكرة في الموضوع، مركزا على معطى جديد يمكن أن يكزن عاملا في التقريب بين ضفتي المتوسط في إشارة إلى التغيير الذي وقع في عدد من الدول العربية، حيث برز فيها نزوع واضح وقوي نحو الديمقراطية يشمل الأحزاب الإسلامية كما وقع التعبير عن ذلك في ثلاث تجارب هي تونس والمغرب ومصر، ما سؤدي، بنظر المساري، إلى تلاقي عقيدتي الإيمان بصندوق الاقتراع الشفاف في الفضاء الأورومتوسطي. واعتبر المساري، فوز الأحزاب الإسلامية في الدول الثلاث، حدثا خاصا بكل بلد، مقرا بوجود تقاطعات وتناقضات بين التجارب الثلاث. وخلص إلى القول إن الاحتكام إلى صندوق الاقتراع الذي انتقلت عدواه إلى الضفة الجنوبية للمتوسط، سيساعد حتما على إجراء حوار سياسي جديد بين الضفتين، موضحا أن الحوار المعمق والشامل يتطلب وقتا تستقر معه الوقائع الجديدة على الساحتين وخاصة الجنوبية. وعارض عز الدين ميهوبي، وزير الاتصال الجزائري ألأسبق، ثقافة نسيان الماضي بين ضفتي المتوسط في إشارة إلى الصراعات والحروب، داعيا إلى المكاشفة والصراحة ما يؤدي من وجهة نظره إلى عودة الثقة وتقاسم المصالح بدل سيادة الاحتقار في جانب والحقد في الجانب الأخر، رافضا بذات الوقت الديمقراطيات المصدرة أو المحمولة جوا، منهيا تدخله بالتأكيد على كثير من الثقة وقليل من الشك فالتاريخ حسب المتدخل يغفو قليلا لكنه لا ينام ابدا. وخلاصة ما انتهى إليه هذا المحور من محاور الندوة، يتجلى في بلورة اتفاق بين المتدخلين على ضرورة إيجاد حيز مشترك بين الضفتين، على أن لا يفرض الجانب الأوروبي وصاياه على الجنوب وإنما يكثر من المساعدات ودعم الاستثمار كما يتوجب على أوروبا إعادة النظر في سياساتها حيال الجنوب المتوسطي حتى لا تخيب آمال الشباب الثائر فيه ، بل إن في إمكان أوروبا الخروج من أزمتها المالية الحالية بتكثيف التعاون مع شركائها المتوسطيين، لكن يلزمها إعادة النظر في ماضيها وما يمز إليه من الاستعلاء والهيمنة. للتقرير صلة