لو كان في استطاعة جدران سجن ابو سليم أن تتكلم، لوصفت مشاهد الرعب في هذا السجن يومي 28 و29 يونيو ،1996 لدى إعدام 1200 سجين تمردوا احتجاجا على عمليات التعذيب الذي كان يمارسه نظام معمر القذافي. والذين نجوا ما زالوا يرتعدون لمجرد تخيل ما حصل. أما عائلات الضحايا التي لم تتسلم شهادات الوفاة إلا بعد اثني عشر عاما، فلم تبدأ بعد فترة الحداد لأنها لم تتمكن من استعادة جثثهم، حسب تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية، بقلم دومينيك سوغل. ويستحث معرض يستمر ثلاثة أيام في هذا المبنى القاتم جنوبطرابلس، الليبيين على الغوص في واحد من اقسي فصول تاريخ بلادهم، ويوجه تحية إلى الضحايا. وبمعزل عن واجب الذكرى، يطالب الناجون وعائلات الضحايا بشيء واحد هو إحالة العقيد عبدالله السنوسي الرئيس السابق لأجهزة الاستخبارات الذي يعتبر مسؤولا عن المجزرة، على القضاء. ويشدد عبد السلام العقبي، استاذ الرياضة (40 عاما) الذي فقد شقيقه على محاكمة السنوسي الموقوف الآن في موريتانيا، في ليبيا التي طالبت بتسليمه. وقال "نريد ان تنزل به عقوبة الإعدام وان ينفذ فيه حكم الإعدام بحد السيف، على الطريقة الإسلامية". ففي يونيو، بدأ كل شيء عندما سيطر السجناء في أحد الأجنحة على اثنين من الحراس بعد أسرهما والاستيلاء على المفاتيح التي كانت في حوزتهما. وكانت مطالبهم بسيطة تتمثل بإجراء محاكمات وتخصيص فترات للتنزه والسماح لعائلاتهم بزيارتهم وتزويدهم بالكتب وتمكينهم من الاطلاع على وسائل الإعلام، وخصوصا وقف عمليات التعذيب وإنزال العقوبة بالسجانين الجلاديين. وفي تلك الفترة كان ابو سليم سجنا يخضع لتدابير أمنية مشددة، ومشهورا بانتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكب خلف جدرانه. وكان علي الكرمي في الثانية والعشرين من عمره عندما زج به في ابو سليم الذي امضى فيه 28 عاما. فقد اعتقل في 1984 لانتمائه الى مجموعة "تحرير" السرية التي كانت تريد إقامة دولة إسلامية في ليبيا. وبلغة فرنسية متقنة، يعدد أساليب التعذيب التي لا تحصى في سجن ابو سليم، ومنها الصدمات الكهربائية ورش الملح على الجروح واقتلاع الأضراس والأظافر وإدخال قضيب من المعدن المحمى في الدبر. وفي 28 يونيو، حضر السنوسي للتفاوض مع السجناء للإفراج عن الحارسين ووعد المتمردين بأنهم لن يتعرضوا لأعمال انتقامية. وقال الناجي الاخر من المجزرة، الشيخ محمد ابو سدرة ان العقيد السنوسي أكد ان معظم مطالب السجناء معقولة لكن "قائد الثورة" معمر القذافي هو الذي يوافق على كل حكم يصدر في حق المسجونين. وأضاف ابو سدرة الذي امضى 21 عاما في ابو سليم "عندئذ طلبنا من الناس العودة الى (الزنزانات) لانهم قالوا لنا ألا نخشى شيئا". لكن عددا كبيرا من السجناء أحسوا بالمكيدة وأعربوا عن خشيتهم من الأسوأ، يقينا منهم أنهم يعيشون لحظات حياتهم الأخيرة. ويقول الكرمي الذي يرأس اليوم هيئة لسجناء الرأي انه كان موجودا في جناح آخر عندما تناهت إليه أصداء صخب رهيب ناجم عن إقدام الجنود على إطلاق النار من السطح. وتتنقل عائلات بأكملها اليوم، كما لو انها في حلم، عبر الممرات الرطبة للسجن وتدخل الزنزانات الضيقة والقاتمة التي كان يتكدس في كل واحدة منها اكثر من عشرين سجينا. ويقود خالد، الأربعيني، زوجته الى ما كان زنزانته. ويقول لها "هل ترين هذه الثقوب، كانت الوسيلة الوحيدة للتحدث مع أصدقائنا". ويقول انه سجن بسبب لحيته الطويلة ولانه كان ينادي بدولة اسلامية في ظل "نظام استبدادي كان يسخر الدين الاسلامي لقمع شعبه". ويبلغ المعرض الذي ينتهي السبت، ذروته في باحة تعرض فيها مشغولات يدوية أنجزها السجناء، وصور للضحايا ورسائل من السجناء لم تصل إلى العناوين المكتوبة على أغلفتها. *تعليق الصورة: عبد الله السنوسي *تعليق الصورة: سجن ابو سليم