" يعتبر الاعتداء على طفل جريمة شنعاء ٬ بيد أن تجاهل الامر يمثل انتهاكا له" ٬ هذه الملاحظة٬ التي تشكل عقيدة راسخة لدى إحدى جمعيات حماية الطفول الأكثر نشاطا بالمغرب٬ لا يبدو أنها تؤخذ على محمل الجد حين يتعلق الأمر بتوفير الحماية٬ على المستوى القانوني٬ لفائدة ضحايا الاعتداء الجنسي على الأطفال. فمن قضية إلى أخرى٬ يتبدى بشكل جلي القصور الذي يعتري التشريعات المطبقة في المجال٬ وتشهد على ذلك آخر قضية تفجرت لدى الرأي العام والتي تم تداولها بشكل مكثف إعلاميا٬ تلك المتعلقة بالطفلة مريم٬ ذات الثماني سنوات٬ التي تعرضت للاختطاف والاغتصاب ثم القتل من طرف أحد المعتدين جنسيا بالمحمدية٬ وقبلها كانت قضية أمينة التي أقدمت على الانتحار بعد إجبارها على الزواج من مغتصبها٬ لتبرهن بذلك على الثغرات الحاصلة في مجال توفير الحماية القانونية٬ سواء القبلية أو البعدية٬ للقاصرين ضحايا الاعتداءات الجنسية، وفق تقرير لوكالة الأنباء المغربية، بقلم مريم الرقيوق. ويظل الفصل 475 من القانون الجنائي الذي يخول زواج المعتدين جنسيا من ضحاياهم٬ الأمر الذي يثير غضب جمعيات المجتمع المدني لكونه "يحرض على الإفلات من العقاب"، كما تعتبر ذلك نجاة أنور٬ رئيسة جمعية (ما تقيش ولدي)، التي تبرز اعتراض جمعيتها على زواج القاصرات٬ فبالأحرى حين يتم مع المعتدين عليهن. الحاجة إلى التمييز ويشير محمد ألمو٬ محام بهيئة المحامين بالرباط وناشط جمعوي٬ إلى الحاجة للتمييز٬ على مستوى هذا الفصل٬ بين أمرين مختلفين٬ وهما التغرير بالقاصر "أي علاقة جنسية دون عنف"، والاغتصاب. فإذا كان النص القانوني في الحالة الأولى يتضمن التخلي عن المتابعة القضائية في حق المشتبه به في حال زواجه من الضحية٬ فإن هذه الإمكانية غير واردة كليا في الحالة الثانية. غير أن هذا الفصل يطرح إشكالية كما يقر بذلك ألمو٬ لكونه يشجع بشكل غير مباشر الاعتداء الجنسي على القاصرين٬ من خلال منح بطاقة بيضاء لهؤلاء المعتدين جنسيا من أجل إشباع رغباتهم بكل اطمئنان٬ علما منهم أنهم سيواجهون في أسوإ الحالات٬ زواجا سريعا بالضحايا٬ يمكنهم أن يتخلصوا منه في أقرب وقت ليعودوا إلى حياتهم السابقة وكأن شيئا لم يكن. هذه الممارسة التي ترسخت في الذهنيات٬ كفيلة بتشجيع العود٬ فضلا عن كونها تناقض جوهر القانون وفلسفة العقاب٬ التي يفترض أن تثني المجرمين٬ وتحول دون وقوع الجريمة وبالتالي حماية المواطنين. ولتصحيح هذا الوضع٬ تدعو نجاة أنور إلى مراجعة عميقة وشاملة للقوانين المتعلقة بحماية الطفولة وتحقيق الانسجام مع المعاهدات الدولية في المجال٬ من أجل تجاوز الثغرات التي يتسم بها التشريع الوطني٬ بما في ذلك القانون الجنائي الذي يتضمن " العديد من الاستثناءات". تغيير العقليات أولا وقبل الإقدام على إصلاح القانون٬ يعتبر محمد ألمو أنه يتعين أولا العمل على تغيير العقليات٬ "ففي العديد من الملفات التي رفعت إلي٬ تكون الأسر هي التي تتخلى٬ بمحض إرادتها٬ عن المتابعات القضائية في حق المعتدي٬ حين تتأكد أنه لم يكن هناك افتضاض٬ خوفا من تلطيخ سمعة الأسرة وتدمير مستقبل الطفل"، مسجلا أن الأسر أيضا تسعى٬ في حال العكس٬ إلى إقامة عقد الزواج في أسرع وقت ممكن٬ وكذا فسخه أياما قليلة بعد ذلك٬ لتبرر للمجتمع سبب فقدان الفتاة لعذريتها٬ لكونها تعتبر أن وضعية الفتاة المطلقة أسهل بالنسبة للقاصر. هناك ثغرة أخرى يعاني منها الإطار القانوني لحماية القاصرين ضحايا الاعتداء الجنسي٬ وليست بالأمر الهين٬ إذ تتعلق بالتفاوت بين الجريمة المرتكبة والأحكام الصادرة٬ ويعتبر ألمو في هذا السياق أن مجمل الإشكال لا يطرح على مستوى القانون٬ بل أساسا على مستوى المحاكم. إذ حين تكون ضحية الاعتداء الجنسي قاصرا٬ فإن المشرع يضع أحكاما قاسية "تتراوح بين سنتين وثلاثين سنة سجنا٬ وفقا لطبيعة العمل الإجرامي" وكذا ظروف التشديد كما يوضح المحامي. وإذا كان تطبيق الأحكام القصوى يظل نادرا٬ كيفما كانت بشاعة الجرائم المرتكبة٬ فإن ذلك يعود إلى سوء تقدير القضاة الذين يحتكمون في غالب الحالات٬ إلى أخف الأحكام٬ كما يأسف لذلك ألمو٬ معتبرا في الوقت نفسه أن هذه المسطرة لا يمكن وصفها بغير القانونية٬ إذ يضع القضاة بعين الاعتبار في الغالب سن المعتدي ومشاكله الصحية وكذا مسؤولياته الأسرية والأطفال الذين يعيلهم٬ لتمكينه من الاستفادة من ظروف التخفيف. ضرورة مراجعة القانون الجنائي ومن أجل ضمان تفعيل أمثل للتشريع٬ منصف للضحايا ورادع للمعتدين٬ فإن المحامي يعتبر أنه من الضروري مراجعة فصول القانون الجنائي المتعلقة بالاعتداءات الجنسية على القاصرين بشكل يقلص الفارق "الذي يمكن أن يبلغ 10 سنوات"٬ بين الأحكام القصوى والدنيا٬ التي يمكن تطبيقها في حالات متماثلة. يبدو جليا في الوقت الراهن٬ أن هناك وعيا قد بدأ يترسخ بشأن محدودية نصوص القانون وأن إصلاحها لم يعد سوى مسألة وقت. إذ أن الضرورة غدت ملحة للقطع مع التسامح في حق أولئك الذين يستغلون براءة الأطفال٬ كما أنها تستدعي تدخل وزارة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن٬ التي أضحت عازمة على التصدي لهذه الظاهرة. ففي رد على سؤال شفوي بمجلس النواب٬ أكدت الوزيرة بسيمة الحقاوي٬ دون لبس٬ أن المكان الطبيعي للمغتصب يظل السجن٬ معربة عن تأييدها لتشديد الأحكام في حق مرتكبي الاعتداءات الجنسية٬ خاصة حين ترتكب في حق القاصرين. كما صرحت أن الحكومة قد شرعت في إجراء مشاورات بهذا الشأن٬ مستعرضة مشروع إحداث مراكز لليقظة والإبلاغ عن حالات الاغتصاب. فأكثر من كونها مجرد إجراءات للعقاب وتوفير الحماية لضحايا الاعتداء الجنسي٬ فإن مكافحة الاعتداء الجنسي على القاصرين تظل مسألة وقاية وتحسيس بامتياز. ويظل الباب مفتوحا أمام عمل جبار لتغيير العقليات وإعداد المجتمع للانخراط في الإصلاحات القانونية والقطع مع الأحكام المسبقة التي يتعرض لها القاصرون ضحايا الاعتداء الجنسي. فدون مجهود التحسيس الذي يبدو أنه توارى في مرتبة ثانية٬ تظل القوانين الأكثر تقدما في العالم دون تأثير يذكر.