جاءت نتائج الإنتخابات التشريعية في الجارة الجزائر خالية من أية مفاجئات أو تغييرات في الخريطة السياسية، فقد أعاد النظام العسكري إنتاج نفس المشهد السابق بجرأة أكبر عندما وضع جبهة التحرير في المقدمة بمايقارب نصف المقاعد المتنافس عليها، وتحدثت جميع التقارير المحايدة عن تلاعبات كبيرة في الاقتراع وخاصة نسبة المشاركة التي قفزة بشكل غير منطقي لتتوقف في النهاية عند 42 % ..بحث الجميع عن نتيجة تسير بالجزائر في ركاب الربيع الديمقراطي وأن تحمل الإنتخابات الإسلاميين إلى كقوة أولى، ومن كان يعتقد ذلك فقد كان واهما لأن تكتل الجزائر الخضراء الذي كان يقوده سلطاني زعيم حركة مجتمع السلم، لم يكن سوى أداة في يد النظام العسكري منذ أن تم تدبير انقلاب داخل الحزب على جاب الله، حيث كانت حركة مجتمع السلم واحدة من تحالف حكومي ضم جبهة التحرير والتجمع الديمقراطي حزبي الرئيس العلنيين، فكان من الصعب على الجزائريين تصديق أن إسلاميي أبو جرة سلطاني قادرين على إحداث المفاجأة، وجملة يمكن القول بأن هذه الإنتخابات كان مونلوغ للنخبة العسكرية الحاكمة ودليل على أن هذه النخبة تفتقد إلى الإبداع والقدرة على قراءة المتغيرات في المنطقة , بل يظهر أن حكام المرادية منبهرين بنموذج بشار الأسد وحزب البعث العربي الإشتراكي في سوريا كخيار للأنظمة القمعية في مواجهة الإصلاح والثورة معا. مع ذلك كانت الإنتخابات التشريعية الأخيرة في الجزائر فرصة تمت إضاعتها، وتماهت في نتائجها مع آخر إنتخابات تشريعية أشرف عليها نظام حسني مبارك حيث تم إقصاء جماعة الإخوان كصوت معارض، في مقابل هيمنة مطلقة لحزبه الأغلبي الحزب الوطني، فكان بذلك لمبارك مصيره المعروف حيث فضل المواجهة مع الشارع بدل إعطاء المؤسسات الحيوية الكافية لخلق مجال سياسي يسمع فيه صوت المعارضة وتتحقق بفضله إصلاحات سياسية هيكلية تدريجية لتجنب الأسوء. صحيح أن الجزائر اليوم تفتقد إلى معارضة قوية قادرة على مواجهة الآلة الجهنيمة للجيش، وصحيح أن الجيش نجح في خلق الرعب في نفوس الجزائريين بتوضيفه المستمر لعشرية الدم التي كان متورطا فيها إلى النخاع، وصحيح أيضا أن الجيش إستطاع أن يفكك جبهة الإنقاد الإسلامي كقوة إسلامية رئيسية، وصحيح أيضا أن الجيش إستثمر ووظف جيدا ورقة القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي لتخويف الجزائريين والغرب من مخاطر أي فراغ في السلطة، رغم أن الجيش معروف أنه يخترق القاعدة ويوظفها لخدمة أجندته السياسية، فلم نسمع أي تهديد صادر عن القاعدة بالنسبة للإنتخابات، حيث مرت الإنتخابات بدون أية مشاكل أمنية..لكن تبقى هناك رسائل حملتها الإنتخابات الأخيرة لابد من التوقف عندها سريعا. الرسالة الأولى هي مقاطعة الشباب للإنتخابات حيث سجل الملاحظون أن أغلبية من توجهوا لصناديق الإقتراع كانوا من كبار السن ممن لازالت صور الوجه الدموي للنظام ماثلة أمام أعينهم، بينما الشباب ممن يعايش التحولات الجارية في المنطقة، يبدو أنهم خارج الآلة الإعلامية الرهيبة للنظام والتي تسعى بجهد استثنائي إلى توطين عنصر الخوف في نفوس الجزائريين ، وبهذا الواقع فإن الجزائر ورغم غياب معارضة قويةفإنها قادرة في المستقبل القريب على أن تشهد حراكا في الشارع عموده الفقري هم الشباب، الرسالة الثانية هي النتائج التي حققتها جبهة القوى الإشتراكية بزعامة الحسين آيت أحمد في منطقة القبايل، حيث إكتسحت لوائح أيت أحمد النتائج وفازنت ب 21 مقعدا أغلبها في القبايل وذلك بعد مقاطعة كل الإنتخابات منذ 2002 وهذا الأمر يتزامن مع مطالب الحكم الذاتي في المنطقة، وهذه النتائج تحمل تحديات كبيرة على مستوى الوحدة الوطنية إذا استمر النظام الجزائري في تعنته إتجاه الإنفتاح الديمقراطي. يبقى أخيرا أن النتائج كانت متوقعة في المغرب رغم أن رئيس الحكومة السيد إبن كيران وفي تصريح عابر عبر عن رغبته في صعود إسلاميي الجزائر إلى صدارة المشهد السياسي هناك، لكن رجوع بلخادم وجبهة تحرير القوي يوضح أنه لا أمل في وجود علاقات طبيعية بين البلدين، وأن نظاما مغاربيا جديدا غادر الممكن وإستقر في سياسة الأمر الواقع في انتظار الشارع الجزائري سواء اليوم أو غدا.