بينما تسعى ليبيا إلى إرساء الديمقراطية، يبدو أن مفتي ليبيا أصبح شخصية معنوية مؤثرة للزعماء والمواطنين العاديين على حد سواء. وبينما كان الليبيون يقاتلون العام الماضي لإطاحة معمر القذافي، اختار المجلس الوطني الانتقالي الجديد الشيخ صادق الغرياني في مايو ليصبح أعلى مرجع ديني يملي ما هو مباح أو محظور في الشريعة. وكان الشيخ الغرياني الذي ألف 32 كتابا، من أول الشخصيات التي أعلنت معارضتها لنظام القذافي بعد أن قمع بقوة الثورة التي انطلقت في فبراير 2011 في مدينة بنغازي (شرق)، حسب وكالة الأنباء الفرنسية. وعندما قبض على القذافي وقتل في اكتوبر، اعتبره المفتي "كافرا" لا يستحق الصلاة على جثمانه، على حد قوله. وصرح الشيخ الغرياني لنفس الوكالة الفرنسية، بين لقاء واخر مع مواطنين يبحثون عن حل لتسوية نزاع خارج المحاكم أن "دور المفتي أن يقدم النصح والمشورة". وقال المتحدث باسم الحكومة الانتقالية ناصر المانع، انه "تبين هذه الأيام أن العديد من الليبيين يتبعون آرائه" مؤكدا أن السلطات الليبية قد تأخذ بجدية أي اقتراحات يقدمها. ولم يكن هذا الأمر جائزا خلال السنوات الأخيرة من عهد القذافي الذي دام أربعة عقود. واستبدل القذافي التقويم الميلادي بالتقويم الهجري في الشؤون اليومية وأعلن انه يجب ترجمة القرآن إلى كل اللغات. لكنه ألغى أيضا دار الفتوى الذي يصدر الفتاوى وسحق الإسلاميين الذين كانوا يطرحون تهديدا سياسيا. وأعيد العمل بدار الفتوى في طرابلس بعد أن استولى الثوار على العاصمة في غشت. ويحل الشيخ السبيعني ضيفا على برنامج حوار يبث اسبوعيا على التلفزيون يجيب خلاله على أسئلة المتصلين حول مواضيع جمة. لكنه متواضع بشأن دوره. ويقول الشيخ الذي تخرج من جامعة الازهر في القاهرة واصدر الفتاوى من بنغازي خلال ثورة 2011 "إذا لم يأت احد يستشيره لا يقدم بنفسه النصح". ومنذ قيام الربيع العربي العام الماضي، دار جدل حول اعتماد الشريعة في صياغة الدستور الجديد لتكون المصدر الرئيسي للتشريع في دول المنطقة. وفي غشت اصدر المجلس الوطني الانتقالي إعلانا يفيد بان تكون الشريعة "المصدر الأول" للتشريع ما أثار قلقا لدى الغرب بشأن التساهل الديني وحقوق النساء. وقال المفتي "لا نقول بان الإسلام يجب ان يكون المصدر الوحيد للتشريع ... ما نقوله هو أن أي قانون يناقض الإسلام باطل". وأضاف أن "القوانين التي يضعها الإنسان مقبولة شرط الا تتناقض مع القرآن والسنة" موضحا أن 90 بالمائة من القوانين الواردة في الدستور لا تطرح مشكلة. إلا أن حظر بيع الكحول ولحوم الخنزير وبيوت الدعارة يبقى ساريا. ويصر الشيخ الغرياني "على أن الإسلام واحد". والمجتمع الليبي سني يصف مواطنوه أنفسهم بأنهم معتدلون يرفضون العنف. لكن الصوفية التي لعبت دورا تاريخيا في شؤون ليبيا، أصبحت نقيض السلفية المعتمدة في قطر والسعودية. ويحذر المفتي من أن الإخوان المسلمين والسفليين والصوفيين مهددون من قبل العناصر المتطرفة في صفوفهم الذين يسعون إلى نشر الفوضى. وقلل الشيخ من المخاوف المرتبطة بصعود المتطرفين السلفيين في ليبيا بعد إطاحة القذافي مؤكدا أنهم أقلية تستفيد من الفراغ الأمني في مرحلة ما بعد القذافي. وقال إن "هؤلاء يشكلون جزءا صغيرا من المجتمع الليبي وبرزوا الآن بسبب انعدام الأمن والاستقرار" في البلاد. وأوضح "اذا كان الأمن مضبوطا وأي شخص يرتكب جريمة يعاقب على فعلته لما ظهر هؤلاء ولم نكن حتى لنسمع عنهم". كما يعارض الشيخ تدمير المزارات الصوفية التي تعرضت لهجمات واصدر فتوى في هذا الخصوص في مارس بعد مواجهة بين أفراد مسلحين كانوا يريدون تدمير مزار في هذه المدينة. وموقف المفتي من شؤون المرأة تعكس وجهة نظر سائدة في المجتمع الليبي. والعام الماضي أثار رئيس المجلس الوطني الانتقالي مصطفى عبد الجليل استنكارا عندما قال "اضرب مثلا هو قانون الزواج والطلاق الذي حدد من تعدد الزوجات، هذا القانون مخالف للشريعة الإسلامية وموقوف" في إشارة إلى قانون كان ساريا في عهد القذافي يمنع تعدد الزوجات. وأضاف أن قانون الأحوال الشخصية في ليبيا ( الزواج والطلاق وحضانة الاولاد والارث ) يستند الى القرآن وعلى الأرجح سيبقى كذلك في المستقبل. وحول سؤال يتعلق بضرورة حصول الزوج على أذن من زوجته ليتزوج من أخرى أجاب بالنفي بسبب "طبيعة المرأة التي تغار". وأضاف "تعدد الزوجات مشروع ولا خلاف حول هذا الموضوع". لكنه أكد انه "يريد أن تلعب المرأة دورا قويا في الانتخابات المقبلة". ومع أن تصريحاته أثارت قلقا في معظم الدول الغربية إلا أنها تحظى بتأييد في ليبيا.