كانت دائما تلوح لي في ظل هذا العبور اليومي، إشارات مستفزة تدعوني للوقوف للحظة وبإباء وأنفة للحديث عن الصورة النمطية السلبية للمرأة المغربية في وطننا العربي؛ بدءا من شكاوي التذمر والهلع لخليجيات بسيطات ألتقيهن بالصدفة أثناء زياراتي الثقافية لدول الخليج، مرورا بمسلسل فكاهي كرتوني "أبوقتادة أبو نبيل" في تلفزيون الوطن الكويتي ومسلسل "العار" المصري، ثم تصريحات مستفزة في قلب الدار للممثل المغربي "سعيد تغماوي" وأخيرا تصريحات حاقدة ومتهورة لكويتية تدعى "سلوى المطيري" تجرأت على نعت المغربيات ب"المستنقع". تساءلت: ما سر هاته الهجمة الشرسة على المرأة المغربية؟ هل المرأة المغربية بريئة مما ينسب إليها؟ وهل الدعارة ماركة مغربية مسجلة؟ وهل الاعتذار الرسمي من طرف الدول العربية والخوض في التنديد والسباب والغضب الأعمى من طرف بعض المغاربة كفيل برد الاعتبار للمرأة المغربية؟. وهل إبراز الوجه المشرق والمشرف للمرأة المغربية في سماء وطننا العربي كفيل بتغيير تلك الصورة النمطية عن المرأة المغربية؟. قد يبدو من الصعب تسليط ماكنات الضوء على تلك البتور المتناثرة في الجسد المغربي، لكن يبدو من الواجب أحيانا تركها عرضة للشمس كي تندمل وتنمحي؛ وصورة المرأة المغربية المهينة والمشينة، للأسف، نسجتها فئة قليلة من فتيات جميلات قد يكن فقيرات وقد يكن متوسطات الوضع الاقتصادي ومتعلمات لكنهن حلمن بالحياة المرفهة في أقرب الآجال وأغرتهن حياة البتر ودولار، نتاج طبيعي لمنظومة عالمية استهلاكية رأسمالية، قد يتزوجن من خليجي ثري في ظروف مهينة ويتحملن تبعات هذا الزواج أو في ظروف سوية و مستقرة بشكل يثير حنق وغيظ الزوجات الخليجيات، وقد يتنازلن عن كرامتهن واحترامهن لأجسادهن بحثا عن "عيش أفضل" بفضل شبكات دعارة ولحم بشري يقودها رجالا في أغلب الأحيان تم تسهيل مأموريتها بالمال. فالصورة النمطية المشوهة للمرأة المغربية لا يمكن الحديث عنها بمعزل عن وضع المرأة العربية بشكل عام، وعن منظومة استهلاكية رأسمالية عالمية مدمرة وليبيرالية متوحشة، خلقت تلك الهوة السحيقة بين غني يرفل في البذخ والثراء وفقير يتمنى لو كان الفقر رجلا وعوض أن يقتله يقيم الحد على القناعة ويركض بلهفة وتعطش إلى الثراء السريع، مجتمع استهلاكي مادي سهل انتشار الدعارة عن طريق وسائل الاتصال الحديثة، من هواتف محمولة وخطوط هاتفية جاهزة، وأجهزة تخاطب سريعة وأفلام خليعة. لتظل هاته الصورة الهشة هي أيضا نتاج ازدواجية مقيتة يعيشها الرجل بين تحصين لبناته وزوجته وأخواته، بل وقتل لبناته إذا تعلق الأمر بتورط من هذا القبيل وبين السعي وراء بائعات الهوى، ونتاج أسرة تغاضت عن تصرفات بناتها وتركت أغصانها هشة خاوية من السماد الروحي، وعرضة للتهشم عند هبوب أول ريح، وهي أيضا نتاج طفرة نفطية دفعت شباب وشيوخ الخليج إلى الاستهتاروالاستخفاف بقيمهم الدينية والقيم الأخلاقية والاجتماعية للبلدان التي يزورونها، بلدان لا ذنب لها سوى أنها تعيش حرية تعرف حدودها وكيفية استغلالها، وإن تم للأسف تلويثها واستغلالها من طرفهم أبشع استغلال. صورة ساهم في نسجها أيضا، إعلام عربي يسعى إلى طمس طاقات المرأة الذهنية ويغرس في ذهنها دونية تجعلها تتجه صوب ما هو استهلاكي وما يثير الإبهار والإغراء ويجردها من عمقها الروحي وما يجعل قشرتها الخارجية أكثر بريقا ولمعانا وما يصنع منها فتاة الفيديو كليب، تقول نوال السعدوي في كتابها "المرأة والجنس": " فالصحف والمجلات حين تخاطب المرأة، تخاطبها كطبقة من الجلد تحتاج إلى تدليك بأنواع خاصة من الكريم، كرموش تحتاج إلى تقوية وتغذية، وكشفاه تحتاج إلى طلاء بلون الورد، وكشعر يحتاج إلى صبغات تتناسب مع لون الفستان، مما رسخ في أذهان الفتاة الناشئة تلك النظرة التبخيسية لكيانها وصرفها عن مجالات تحقق فيها ذاتها لميادين ألصقت بطبيعة الأنثى وكرس في نفسها قناعة بأن العلم والعقل أمران ثانويان وتغلغل هذا الإحساس في عمقها لدرجة تكونت لها قناعة بأنها غير مخلوقة إلا للمكانة التي أعطيت لها". صورة المرأة المغربية المهترئة والمشينة ظلت تحت المجهر وتحت أنظار العيون العربية، لكون المغرب لم يخفها تحت العباءة السوداء، ولم يدرجها في خانة الطابوهات، بل جعلها حديث إعلام حر، لم يخش الاعتراف بأخطائه، وفتح الحوار والنقاش دون الخوف من شمس الحقيقة، وذلك في شكل تحقيقات مثيرة، وتصريحات مرعبة لفتيات عانين الأمرين في قصور الشيوخ...، ودراسات سوسيولوجية مهمة، وأذكر في هذا الإطار كتاب هام للباحثة المغربية فاطمة الزهراء أزرويل "البغاء أو الجسد المستباح"، الذي تضمن تصريحات لنساء يمارسن البغاء بشكل عام تحت ظروف اقتصادية واجتماعية مزرية وقاهرة ومن اجل لقمة العيش وليس من أجل سيارة فاخرة وحقيبة يد من ماركة عالمية كما صرح مأسوفا عليه، الممثل المغربي الهوليودي"سعيد تغماوي"، وإن أتثبت الباحثة سلام خياط في كتابها " البغاء عبر العصور" أن تفاقم ظاهرة البغاء بالمغرب ومصر راجع بالأساس إلى الفوارق الاقتصادية والطبقية في المجتمع والحاجة المادية للفتاة وأسرتها، فهاته الحرية في تناول هاته الظاهرة بالمغرب والتي نفتقدها في أغلب الدول العربية، جعلت صورة المرأة المغربية مادة خصبة للإعلام العربي، تلوكها كل الألسن بكل حرية ولا تهيب. فهاته الصورة المشينة للمرأة المغربية قد تشوش لكنها لن تلغي تلك الصورة الأصيلة للمرأة المغربية التي تجوع ولا تأكل بثدييها، والتي تقدس الأسرة وتغنيها عن أطقم الذهب والأفرشة الفاخرة والماس والتسوق في "المولات"، المرأة الساحرة بوعيها ونضجها وعمقها وثقافتها وشموخها وجمالها الجسدي والروحي وتحضرها وتاريخها المعتق، والتي تشربت من آبائها ثقافة احترام والإخلاص والتفاني وتقديس الأسرة . فتحسين صورة المرأة المغربية لن يتم بالتنديد والانخراط في الزعيق والسباب، ولن يتم فقط بمبادرات جمعوية تجاهد لإبراز الوجه المشرق والمتميز للمرأة المغربية في سماء الوطن العربي مهما حاولوا تغطية تلك الشمس بالغربال، وأذكر هنا جمعية "مغربية وأفتخر" والتي قامت بمجهودات قيمة لتحسين صورة المرأة المغربية في وطننا العربي، والتي استعرت منها إن سمحت لي عنوان مقالتي، ولن تتحسن باعتذارات رسمية من طرف الدول المتجرئة على سمعة المرأة المغربية، ولا فقط بقرارات سياسية عليا تقف بصرامة في وجه كل مس بكرامة المرأة المغربية وكل محاولة لجعلها بضاعة تشترى وتباع في سوق النخاسة الخليجية، ولا فقط باعتماد خطابات إعلامية بديلة تخاطب فكر المرأة أكثر من جسدها وتندد بمأساة المرأة في ظل واقع الاستفراغ الروحي وتقدم للعالم العربي وجها مشرقا ومناضلا ومثقفا... للمرأة المغربية، بل يتم أيضا و بالأساس بتحسين وضعها التعليمي والاقتصادي والاجتماعي والفكري وإشاعة ثقافة احترام حقوقها وكرامتها وإنسانيتها واستئصال فكرة تبخيس جنسها وجسدها والاستهانة بهما حتى لا تظل فريسة سائغة لتيار استهلاكي مادي شرس ومتوحش وسيرة تلوكها ألسن حاقدة مغتاظة ببذاءة وتمرغها في وحل التحقير والاستخفاف بوقاحة.