"الشرق الأوسط" لندن: أحمد الغمراوي بينما تحث المفوضية العليا لحقوق الإنسان المجلس الوطني الانتقالي الليبي على إبراز مزيد من الضمانات من أجل حصول آخر أركان نظام الرئيس السابق معمر القذافي - نجله سيف الإسلام ورئيس استخباراته عبد الله السنوسي، حيث تم اعتقالهما مؤخرا - على معاملة إنسانية ومحاكمة عادلة، تزخر السجون الليبية بآلاف من العناصر التي ساندت النظام المنهار، ما بين جنود ومدنيين أو حتى سكان شاء حظهم العاثر أن يكونوا من قاطني المناطق التي أعلنت ولاءها للعقيد المخلوع. ودون أدنى بصيص ضوء أو معلومة حول موعد أو مكان لمحاكمة آلاف السجناء، إضافة إلى ما شاهده العالم أجمع عبر وسائل الإعلام من امتهان للعقيد القذافي قبيل قتله؛ دون خضوعه لمحاكمة قانونية، تزداد مخاوف المؤسسات والمنظمات الحقوقية حول العالم من مستقبل غامض يحوم فوق تخوم الدولة الليبية الجديدة. ويرى الدكتور هيثم حسن، أستاذ الطب النفسي في جامعة عين شمس، أن ردود فعل الثوار قد تكون خارج نطاق التوقع في الوقت الحالي. موضحا ل«الشرق الأوسط» أنه «يجب أن نضع في الحسبان عدة أمور.. أولها صغر سن هؤلاء الثوار، بما قد يصاحب ذلك من نزق أو تهور. أيضا ما تعرض له كثير من هؤلاء على يد زبانية القذافي من امتهان، مثل ما سمعناه عن حالات اغتصاب لنساء قرى بأكملها، أو قتل بدماء باردة لرجالها.. وبالتالي فقد تتحول الأمور في لحظة تهور إلى مشهد انتقامي فردي من أحدهم، دون مقدرة حقيقية من باقي الثوار للسيطرة على الأحداث؛ هذا في حال ما لم يكونوا موافقين ضمنيا على تلك الأفعال، وغير راغبين في منعها من الأساس». ورغم ذلك فإن هناك ترقبا دوليا لصدى وعود السلطات الليبية بتوفير محاكمة عادلة لسيف الإسلام، وهو ما تمثل في وعود للدكتور عبد الرحيم الكيب، رئيس الحكومة الانتقالية الذي لم ينته بعد من تشكيل حكومته بعد، وكذلك نائب رئيس المجلس الوطني الانتقالي عبد الحفيظ غوقة بتوفير كافة الضمانات اللازمة لحماية سيف الإسلام والسنوسي. منوهين بقرار السلطات الليبية بمحاكمة الثنائي المعتقل في ليبيا، رغم صدور مذكرة توقيف بحقهما من المحكمة الجنائية الدولية. وعلى مقربة من ليبيا، تنظر السلطات التونسية نحو أفعال طرابلس؛ متمنية أن تلهمها الصواب في تقرير مصير بئر أخرى من آبار أسرار القذافي؛ آخر رئيس لوزراء ليبيا قبل الثورة، البغدادي المحمودي.. الذي تتحير السلطات التونسية ما بين تسليمه إلى ليبيا بحسب طلب الأخيرة، أو الرضوخ لضغوط المؤسسات الحقوقية الدولية المطالبة بعدم تسليمه خشية تعرضه للقتل. وناشدت المفوضة العليا لحقوق الإنسان، نافي بيلاي، أمس، السلطات الليبية بالعمل على حصول سيف الإسلام القذافي وعبد الله السنوسي على معاملة إنسانية، وقالت إن «اعتقال نجل القذافي والمدير السابق للاستخبارات العسكرية يحمل أهمية كبيرة لمستقبل العدالة في ليبيا». وكذلك طلبت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، أمس، من السلطات الليبية، السماح لها بزيارة سيف الإسلام القذافي في السجن، وقال إيف داكور، المدير العام للجنة، إنه من المتوقع أن تتم الزيارة قريبا. وأضاف المسؤول الكبير بالمنظمة، في مؤتمر صحافي بجنيف: «إنه (سيف) فرد تجب حمايته.. قدمنا الطلب ونعتقد أنه سيسمح لنا بزيارة السيد القذافي قريبا جدا». وفي إضافة تنم عن عدم غياب مشاهد قتل القذافي، الشهر الماضي، عن الأذهان أوضحت بيلاي أنه يجب «على السلطات الليبية، وتماشيا مع الالتزامات العلنية التي قطعتها، ضمان اعتقال سيف الإسلام القذافي وعبد الله السنوسي في ظروف إنسانية»، كما حثت السلطات الليبية على «التعاون بشكل تام» مع المحكمة الجنائية الدولية التي أصدرت مذكرتي اعتقال بحق الرجلين. ولا تتوقف قضية حقوق المعتقلين الإنسانية عند حيز الرجال ذوي الشأن الهام (Big fish كما يطلق عليهم الغرب)، بل يتجاوز ذلك إلى آلاف آخرين قد لا يعلم العالم عن بياناتهم شيئا من المحتجزين في سجون بناها القذافي لخصومه، ولكنها أصبحت مركزا لتجميع كل من أيده بعد رحيله عن السلطة والحياة. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن أحد المعتقلين منذ شهور بسجن الخندق في ضاحية تاجوراء في طرابلس قوله: «نريد أن نعرف سبب وجودنا هنا». كما قال آخر يدعى عثمان مختار: «أفضل النظام السابق. وهذه ليست جريمة. ومثل الكثير من الناس، فقد تأثرنا بإعلام القذافي». ويقر عثمان، الخمسيني، أنه حمل السلاح، ولكنه يردف مدافعا عن نفسه وآلاف غيره: «ليس لقتل أشقائي الليبيين.. لقد رأيت أفارقة يحملون السلاح للدفاع عن القذافي. واعتقدت أنني أستطيع أن أفعل الشيء نفسه. فهذا واجبي كمواطن ليبي».. موضحا أنه سلم سلاحه للمجلس الوطني الانتقالي في 3 أكتوبر (تشرين الأول)، أي قبل مقتل القذافي، لكنه يؤكد أنه تم اعتقاله من قبل قوات تابعة للمجلس الانتقالي في اليوم التالي، دون توضيح أي أسباب للاعتقال. ورغم أن زنزانات السجن مفتوحة على الساحة الرئيسية، ويسمح للمعتقلين بالحركة داخل أسوار السجن بحرية تامة، حتى إن بعضهم يمارس التريض أو يلعب الورق، فإن الوضع لم يكن كذلك منذ بداية الأحداث، بحسب عامر سالم الذي يقول: «في البداية كان الحراس يضربوننا كل يوم، ولكن الأمور تحسنت كثيرا الآن». ورغم وجود جنود محترفين بين المعتقلين، فإن أحدهم يقول: «كنت جنديا، وكان واجبي أن أطيع الأوامر.. ولو لم أفعل لكانت عائلتي قتلت.. لم يكن لدي أي خيار. لكنني - والحمد لله - لم أقتل أحدا، وأنا في انتظار التحقيق». وتتشابه قصص المعتقلين من حيث أسلوب المفاجأة في توقيفهم، ويقول علي عياد إنه اعتقل لدى مغادرته بني وليد، مضيفا: «أنا في السجن منذ 65 يوما.. ولم تعلم عائلتي أنني على قيد الحياة سوى بالأمس». ولكن يتبقى عاملان مشتركان يجمعان بين كل المعتقلين، وهما الدهشة والترقب.. دهشة من عدم فهم أسباب الاعتقال، وترقب مما قد تخبئه لهم الأيام المقبلة في ظل عدم محاكمتهم أو حتى إعلان النية في ذلك قريبا.