"الشرق الاوسط" القاهرة: عبد الستار حتيتة «طرابلس غير مستقرة.. وسلطات تتنافس على حكم العاصمة ومخاوف من اقتتال داخلي.. قياديون في الحكم الجديد يؤخرون انتقالهم إلى مكاتبها، وقصص عن خيام عزاء في ضاحية أبو سليم والهضبة حزنا على مقتل الحاكم القديم، تلهب حماس الطابور الخامس في المدينة». هذا موجز لما أفاد به قيادي في الأمن الموالي للمجلس الانتقالي الليبي في العاصمة طرابلس التي فر منها العقيد معمر القذافي، قبل أن يقتل يوم الخميس الماضي. وفي المدينة مترامية الأطراف أصبح يوجد 3 كيانات عسكرية لا تبدي الاعتبار الواجب لبعضها بعضا، ويكره اثنان منها قيادات المجلس الانتقالي، مما نجم عنه عدم وجود تنسيق للسيطرة على طرابلس، وفتح المجال واسعا أمام نشاط محموم داخلها تقوم به بقايا النظام السابق. ويقول المثل الليبي إن من يتحكم في طرابلس يتحكم في كل ليبيا، خاصة أن نحو مليون وثمانمائة ألف نسمة (من إجمالي نحو 6 ملايين هم عدد سكان ليبيا) يعيشون في هذه المدينة، التي تربط المشرق الليبي الثوري بالغرب الليبي المعروف بشدته في القتال، مع الجنوب الغني بالثروات النفطية. وفي الوقت الحالي توجد 4 فرق تحاول كل منها أن تكون لها اليد العليا في حكم المدينة، باعتبار أنها مفتاح السيطرة على جميع ليبيا. هذه الفرق الأربعة هي: المجلس العسكري الذي يرأسه المتشدد الإسلامي عبد الحكيم بلحاج، ومجلس ثوار طرابلس، برئاسة عبد الله ناكر ذي النزعة الثورية النرجسية. والفريق الثالث هو «خليط من الثوار الأشداء المندفعين الذين جاءوا من مناطق الجبل الغربي»، وأخيرا فريق «المجلس الانتقالي ومكتبه التنفيذي»، الذي يتهيب على ما يبدو الانتقال السريع إلى العاصمة. وقال قيادي من ثوار الجبل الغربي عقب اجتماع عسكري عقد قبل يومين في طرابلس: «السيد مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الانتقالي فضل إعلان تحرير ليبيا من بنغازي، خوفا من وقوع أعمال انتقامية من الطابور الخامس، إضافة إلى كراهية ثوار طرابلس لأعضاء في المكتب التنفيذي (حكومة تسيير الأعمال)». وقالت المصادر الأمنية ل«الشرق الأوسط»: «عُقدت اجتماعات عسكرية لتوحيد القيادات في طرابلس، خلال اليومين الماضيين، لكن لم يشارك فيها لا بلحاج ولا ناكر». وقال ناكر نفسه ل«الشرق الأوسط» إنه لم يتلق دعوة بهذا الخصوص، مقللا من قدرة ثوار نالوت الداعين للاجتماع على اتخاذ قرارات ذات شأن في ما يتعلق بالوضع الأمني ومواجهة الطابور الخامس في طرابلس. ويبدو ناكر واثقا من نفسه ومن الثوار الذين يأتمرون بأمره. وكذلك يبدو بلحاج أيضا. والاثنان يظهر من حديثيهما أنهما غير متوافقين، وإن لم يصرحا بذلك علانية. ويقول المصدر الأمني: «حين تذكر بلحاج، كقائد، أمام قطاع من الثوار المسلحين في طرابلس فمن السهل أن تسأل: ومن هو وأين كان قبل الثورة، ومن أعطاه الحق بالحديث نيابة عن طرابلس.. وهكذا». ولم تلق دعوة بلحاج لإنهاء مظاهر التسلح الثقيل في العاصمة الليبية استجابة تذكر، مما يعكس اتساع الشقة بين قطاعات الثوار المتمثلة - وفقا لما ذكره المصدر الأمني - بين سلطات «بلحاج» و«ناكر» و«الثوار الغرباء عن طرابلس». وقال بلحاج عدة مرات إن الثوار الذين قدموا من المدن المجاورة للمشاركة في تحرير طرابلس عليهم أن يعودوا إلى مدنهم، لأن وجودهم المكثف جعل سكان العاصمة يشعرون بعدم الأمان، مشددا على «أن من لا يعترف بالمجلس العسكري الذي يرأسه في طرابلس فإنه لا يعترف بشرعية المجلس الانتقالي». لكن المجلس الانتقالي بدوره لم يعد يعتمد فقط على بلحاج في محاولة فرض الأمن والاستقرار في طرابلس، وفقا لما أفاد به المصدر الأمني نفسه، الذي قال إنه «بعد تجاهل غالبية ثوار الجبل الغربي لدعوة بلحاج للخروج من طرابلس، وعدم التعاون مع دعوات العقيد ناكر للعمل تحت أمره، بدأ المجلس الانتقالي في التعامل بشكل مباشر مع ثوار الجبل الغربي.. هذا يمكن أن يعقد المسائل إلى الاقتتال الداخلي بين هؤلاء المسلحين، إذا استمر الوضع على هذه الدرجة من التنافس». بالنسبة لاجتماع ثوار الجبل الغربي والمدن الأخرى الموجودين في طرابلس منذ دخولها في أواخر أغسطس (آب)، فقد قال المصدر الأمني إن ثوار نالوت هم من دعا إليه بعد أن جرت مشاورات أراد الاجتماع من خلالها أن يفتح باب النقاش حول مستقبل طرابلس مع الأطراف المسلحة الأخرى، التي هي أساسا من العاصمة، مثل المجلس العسكري الذي يرأسه بلحاج ومجلس الثوار الذي يرأسه ناكر. وأضاف المصدر الأمني أن الثوار الغرباء عن طرابلس، قالوا في اجتماعهم الذي عقد في مبنى عام سابق في منطقة جرجارش السياحية بالعاصمة أول من أمس: «نفضل أن يكون أي شخص قائدا، لأنه لا يمكن أن يستقيم أمر سفينة يقودها أكثر من ربان.. ومع ذلك لم يأت باقي قادة الثوار الطرابلسيين، ولا ممثل من المجلس الانتقالي». ووفقا للمعلومات التي حصلت عليها «الشرق الأوسط» أمس، فإن ممثلي الثوار الغرباء عن طرابلس المقيمين في العاصمة، ممن شاركوا في الاجتماع: سامي المعيو، من مصراتة (وهو من سكان طرابلس، ويشغل موقع رئيس المجلس العسكري لمنطقة جرجارش)، وسالم العايب وعبد الرزاق بوخبلان (كلاهما من ثوار الزاوية) ومحمد صالح خميس (من كتيبة ثوار نالوت) وعبد الهادي سالم شايخ (من المجلس العسكري نالوت)، ومسعود المدنوني ومراد القصير (من ثوار الرجبان) وعلي عيسى وميلود بودية (من ثوار يفرن)، وعبد الحكيم الشريف (من كتيبة ثوار الجفرة) ونوري البوطو (من ثوار كاباو) وعبد العزيز بو صنوقة (رئيس المجلس العسكري بزوارة) وعمر الترار (من ثوار جادو) وبلقاسم القاضي (من ثوار القلعة). وأضاف المصدر الأمني أن ثوار المدن الأخرى الموجودين في طرابلس بأسلحتهم الخفيفة والثقيلة، بدأوا في محاولة تنظيم أنفسهم في الأيام الأخيرة، وأن هذا الأمر جرى في البداية بالتنسيق مع المجلس الانتقالي.. «ممثلو هؤلاء الثوار كانوا يريدون دعما معلنا من المجلس الانتقالي لاجتماعهم، وحين دعوا رئيس المجلس (مصطفى عبد الجليل) أو من يمثله لم يحضر أحد، وقدموا أعذارا لكي يبقوا بعيدا على ما أعتقد عن التنافس المتنامي بين الثوار الموجودين بالعاصمة». وقال قيادي من الثوار الذين حضروا الاجتماع، مشترطا عدم تعريفه لحساسية موقفه: «كنا نريد في الاجتماع عمل غرفة أمنية واحدة تشمل جميع قيادات الثوار في طرابلس، بحيث تقود عمليات المداهمات في العاصمة بعد أن لاحظنا وجود طابور خامس تابع للنظام السابق ينشط حاليا.. طرابلس حاليا أي شخص يمكن يدخلها.. يقال إن طابورا خامسا يشتري السلاح ولديه نفوذ»، مشيرا إلى أن سبب رفض ثوار الجبل وغيرهم الخروج من العاصمة بقوله «لو خرجنا من طرابلس ستحدث مشكلة كبيرة بسبب الطابور الخامس.. طرابلس ليست بنغازي». وقال إن أنصارا للقذافي أقاموا خياما لتلقي العزاء في مقتله، خاصة في منطقتي أبو سليم والهضبة.. «لكن لم يسمح لهم برفع الرايات الخضراء (أعلام نظام القذافي).. أخذوا يوزعون الطعام ويقولون إنه شهيد.. الطابور الخامس الموجود من الصف الثاني للنظام البائد ومن اللجان الثورية.. فيهم أمن خارجي وأمن داخلي.. وتوجد تشكيلات كثيرة في طرابلس وفي الليل تصير رماية في العاصمة بين الجانبين». وألقى الرجل باللائمة على بلحاج وناكر، وقال: «كان عليهما الحضور للاجتماع.. كان على ممثل للمجلس الانتقالي أن يحضر.. نريد أن نلتئم، وهم لا يرغبون في ذلك حاليا ولا أعرف ما هو الدافع». وأضاف: «كيف يقوم شخص في موقع مهم سواء كان عسكريا أو مدنيا بتهميش الآخرين. الأدهى أن يحاول بعض الثوار تهميش دور الثوار الآخرين.. مثل هذه المواقف تسهم في خلق فتنة»، قائلا «كان الاجتماع (أول من أمس في جرجارش) للمجالس العسكرية التي لها ثوار من خارج العاصمة وموجودون بكتائبهم في طرابلس.. ولم يكن هناك تنسيق مع المجلس العسكري في طرابلس». وعن قول بعض القيادات العسكرية في طرابلس إن كل الثوار مسؤولون عن أمن العاصمة، أوضح الرجل الذي يرأس تشكيلا عسكريا من التشكيلات الوافدة على المدينة: «مقولة إن كل الثوار مسؤولون يعني خلق فوضى هدامة يمكن أن تؤدي بطرابلس لمشاكل ونزاعات داخلية. كل الخلافات تتركز حاليا في طرابلس»، مشيرا إلى عدة وقائع يحاول فيها الثوار فرض ما يعن لهم بالتهديد، الذي طال حتى وزير الدفاع، الذي كان قبل أيام في طرابلس. وأضاف المصدر موضحا: «من يتحمل مسؤولية اقتحام مجموعة من الثوار بأسلحتهم لاجتماع وزير الدفاع، ومطالبته باستبعاد عدد من مساعديه بالقوة بحجة أنهم كانوا يعملون في السابق في نظام القذافي.. لا يمكن أن تسير الأمور بهذا الشكل. وزير الدفاع له احترامه، ويمكن تقديم شكوى، بدلا من الاقتحام ورفع السلاح. طرابلس في انتظار عودة الوزارات الحكومية قريبا فهل سينتظم العمل بمثل هذه الطريقة». وقال أحد قيادات الثوار ممن شاركوا في الاجتماع إن أهم التوصيات التي خرج بها اجتماع الثوار غير الطرابلسيين: «العمل على تشكيل قيادة عسكرية موحدة تضم جميع الثوار الذين دخلوا لتحرير عروس البحر (طرابلس) من خارج العاصمة»، و«أن ينضموا تحت تشكيل واحد لمنع الفتن وعدم إظهار التسليح الحربي داخل المدينة وتشكيل لجنة قبض تقوم بعمليات قبض على المشتبه بهم، بدلا من أعمال القبض العشوائي على المواطنين والخصوم»، و«تأمين منافذ مدينة طرابلس وتمشيط طرابلس بالكامل من الطابور الخامس وجمع السلاح المبعثر بداخلها». وعن موقف المجلس الانتقالي من هذا الاجتماع، أوضح المصدر: «تكلمنا مع مصطفى عبد الجليل وأعطانا موافقة على عمل الاجتماع.. وهم (المجتمعون) كانوا يريدونه أن يحضر لطرابلس، لكنه قال إن لديه أعمالا في بنغازي. وهم سينظمون اجتماعا آخر خلال أسبوع أو اثنين لجمع أكبر عدد من التشكيلات العسكرية في طرابلس»، لافتا إلى أن غالبية المجتمعين «لم يكونوا من توجهات إسلامية ولا تيارات سياسية وركزوا على تأمين طرابلس وإلغاء الفتن ومواجهة الطابور الخامس وأخذ السلاح من طرابلس بالكامل». وقلل مسؤول في المجلس الانتقالي من خطر الوضع في طرابلس قائلا إن الليبيين قادرون على تجاوز هذه المرحلة، وإن وزير الداخلية الليبي «سيعمل دورات للأمن الوطني والأمن الوقائي في قطر وإيطاليا»، مشيرا إلى عودة جانب من المرافق في العاصمة لسابق عهده، ومن ذلك عودة المياه بعد إصلاح مضخات بئر الحساونة وإصلاح الكهرباء لمنطقة الجنوب بالكامل من أوباري للجفرة والشاطئ. بينما أوضح شكري بوزيدي، وهو منسق في مجلس ثوار طرابلس، تعليقا على ما يتردد بشأن خطر الطابور الخامس بقوله «لا أعتقد أن هناك شيئا يذكر.. مشاكل فردية مثل أي مجتمع ثان». وقال حمزة الشيباني، الذي حضر جانبا من الاجتماع باعتباره من اللجنة الإعلامية لمدينة ودان، معلقا: «إننا نأمل في أن يكون هناك مزيد من التنسيق بين الثوار في طرابلس من أجل عمليات التأمين وملاحقة الطابور الخامس وجمع الأسلحة ومنع مظاهر التسلح في الشوارع.. من أجل العبور بليبيا إلى بر الأمان في هذه المرحلة الحرجة خاصة وقد انتهينا من حكم الطاغية الذي جثم على صدور الليبيين 42 عاما».