إنقاذ مواطن فرنسي علق بحافة مقلع مهجور نواحي أكادير    ترامب يهدد بمحاولة استعادة قناة بنما    هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شلقم ل«الحياة»: القذافي اشترى المحيشي من المغرب وذبحه ... قالوا إن الصدر اصطدم بمعمر فقتله أحد الضباط (1)
نشر في مغارب كم يوم 16 - 07 - 2011

في طريق العودة إلى الفندق بعد منتصف الليل كانت روما تغالب النعاس. لم يلامسني سحر المدينة النائمة على نهر من التاريخ. شعرت بأنني أصطحب معي حشداً من جثث «الكلاب الضالة» والمتفجرات والارتكابات. تذكرت الأحاسيس المشابهة التي غمرتني قبل ثمانية أعوام يوم كنت أحاور من عملوا مع صدام حسين في الحزب ومن عملوا في ظله في عهده الراعب. هذا فظيع. يقتل المستبد بلاده مرتين. الأولى حين يستبيح البلاد والعباد ويسبح في الدم. والثانية حين يحاول اغتيال البلاد والعباد رداً على محاولة اقتلاع نظامه.
في 25 شباط (فبراير) الماضي التفت العالم إلى عبدالرحمن شلقم مندوب ليبيا الدائم لدى الأمم المتحدة. أمام أعضاء مجلس الأمن وعلى الشاشات غسل الرجل يديه من نظام معمر القذافي الذي هاله انتقال الربيع العربي إلى الجماهيرية فسارع إلى قتل المحتجين. قبل أن يوجه هذه الضربة إلى النظام كان شلقم، الذي تولى حقيبة الخارجية في بداية القرن الحالي وعلى مدى تسعة أعوام، قد شارك في عملية تأهيل النظام وإعادته إلى الأسرة الدولية حين بلور صيغة لتعويض ضحايا لوكربي وطي ملف أسلحة الدمار الشامل.
يعرف شلقم القصة من بداياتها. في 1974 كانت مهمته أن يحمل إلى القائد كل صباح ملخصات الصحف واقتراحات الرد عليها ورافقه مرات عدة في أسفاره في الداخل والخارج. عمل في صحف ليبية وفي وكالة الجماهيرية وتولى في 1982 - 1983 حقيبة الإعلام.
في روما كان الموعد مع شلقم. قال إنه لا يريد أي دور في ليبيا الجديدة وإن مطلبه الوحيد الباقي أن ينام في قبر في ليبيا حرة. فتح ل «الحياة» خزائن عهد القذافي الطويل وكشف محطات سياسية وأمنية.
وهنا نص الحلقة الأولى:
متى عملت مع معمر القذافي للمرة الاولى مباشرة؟
- عام 1974 وكنت تخرجت قبل سنة في قسم الصحافة في جامعة القاهرة. عملت في البداية في قسم التحقيقات في صحيفة «الفجر الجديد» وهي الصحيفة الاولى في ليبيا آنذاك. ثم اممت الصحافة فعملت سكرتيراً للتحرير في صحيفة «البلاغ» اليومية. بعدها عملت لأشهر في مطبوعة شهرية اسمها «الوحدة العربية»، وكانت اسماً على مسمى كما يقال، ثم انتدبت للعمل مسؤولاً عن القسم الاعلامي في مجلس قيادة الثورة. بهذه الصفة كنت اول من يدخل الى مكتب معمر ومعي ملخصات لأبرز الأنباء المحلية والدولية واقتراحات بالردود او التعليقات. وكان أحياناً يدخل الى مكتبي المتواضع في ثكنة باب العزيزية قرب منزله الذي قصفته الطائرات الاميركية في 1986. وفي 1975 عينت رئيساً لتحرير «الفجر الجديد».
كيف تصف شخصية القذافي في تلك المرحلة؟
- كان شخصاً بسيطاً جداً. وكنت ارافقه احياناً في رحلاته الى البر والمناطق. كان موكبه عبارة عن ثلاث سيارات لاندروفر وعدد الحراس محدود. كان بسيطاً في مأكله ولباسه وتعامله. ذات يوم دخل مكتبي وكنت استمع الى اوبرا «عايدة» لفيردي. فوجئت به يصل وكان يرتدي لباساً رياضياً. أغلقت آلة التسجيل فطالب بإعادة تشغيلها. وضع يديه خلف رأسه ونظر الى السقف وأغمض عينيه وراح يستمع. فرحت انا المولع بالموسيقى. وفكرت في نفسي ان هذا الرجل البسيط المتواضع يمكن ان يجعل من ليبيا معزوفة وسمفونية. كان نحيفاً ومباشراً ومتواضعاً ولا يحب البهرجة والمواكب. ثم خرج ولم يقل لي شيئاً.
ذات مرة ذهب الى وادي زمزم في الصحراء في وسط ليبيا. التحقت به مع سائق لأطلعه على بعض المسائل الإعلامية. وجدناه في احد الوديان وكان الوقت بعد العشاء. احضروا لي عشاء بسيطاً، فأصر على ان يقوم شخصياً بسكب الماء على يدي. حاولت ان اعتذر، فردّ بصوت مرتفع: انت ضيفي وأنا اسكب الماء لتغسل يديك. لم تكن السلطة قد افسدته بعد. ولك ان تتخيل ما يمكن ان تفعله السلطة في غياب المؤسسات. كنا احياناً نعقد جلسات ادبية.
كيف مثلاً؟
- كنا في الصحراء وكان الرئيس الحبيب بورقيبة يخطب. كان الرئيس التونسي يذكر بأحداث وقعت في الثلاثينات او الاربعينات وراح القذافي يضحك. قلت له: انظر الى الفرق بينكما، هو ينتمي الى الماضي وأنت تنتمي الى المستقبل. هو يتحدث عن ذكرياته وأنت تقول سنبني مدارس وسنشق طرقات وسننشئ مصانع.
كنا نتحدث ايضاً عن الشعر الشعبي والحكم الشعبية او الشعر العربي وأنا كنت احفظ قصائد للمتنبي وغيره. القذافي يحب الشعر العامودي وبالتحديد شعر الحماسة والبطولة مثل معلقة عمرو بن كلثوم وقوله: «ملأنا البر حتى ضاق عنا / وظهر البحر نملأه سفينا». وقوله: «اذا بلغ الفطام لنا صبي/ تخرّ له الجبابر ساجدينا».
هل كان يحب المتنبي؟
- كان يحب الشعر العباسي عموماً. كان يحب ايضاً أبا تمام والبحتري. القذافي لا يحفظ الشعر لكنه يستمع. انه بالمناسبة مستمع جيد يمكن ان تتحدث امامه لما يزيد عن الساعة من دون ان يقاطعك. وهو يحاول ان يكتب ولعله يحب ان يكون كاتباّ.
قبل نحو ثمانية اعوام طرحت فكرة برشلونة في شأن التعاون في المتوسط. عارض القذافي بشدة وكنت انا شديد الحماسة للفكرة. استدعاني ذات يوم باكراً وليس من عادته ان يصحو باكراً. كان معي سفيرنا في بروكسيل حامد الحضيري. سألني: لماذا تتمسك بأن نكون مراقبين في عملية برشلونة؟ أجبت: اذا لم ندخل قد تقفل الأبواب في وجهنا لاحقاً، اما اذا دخلنا كمراقبين فنستطيع ان نخرج لاحقاً اذا رأينا مصلحتنا في الخروج. واستشهدت بما قاله محمد مهدي الجواهري في رثاء الرئيس جمال عبدالناصر:
«أسفي عليك فلا الفقير كفيته فقراً ولا زدت الغني غناء
قد كان حولك ألف جار يبتغي هدماً ووحدك من يريد بناء».
ويقول الجواهري أيضاً:
«ينقض عجلانا فيفلت صيده ويصيده لو احسن الإبطاء».
اعجبه البيت الأخير فطلب مني ان أعيده ثم قام بكتابته.
حتى عندما عملت في «الفجر الجديد» كان يصر على ان ارافقه في بعض رحلاته. كان ل «الفجر الجديد» ملحق اسمه «الاسبوع الثقافي» وكان يرأسه الكاتب الروائي الكبير احمد ابراهيم الفقيه. ثم انشأت «الاسبوع السياسي». كان القذافي يحب ايضاً طرائف الخلفاء وأخبار الظرفاء.
يغار من سيف الدولة
بمن كان معجباً في تلك الفترة؟
- اقول بأمانة ان معمر القذافي لا يمكن ان يعجب بأحد. اذا قلت أمامه قصيدة للمتنبي، عليك ان تتفادى المقطع المتعلق بسيف الدولة. يغار من سيف الدولة كأنه يعتقد انه لم يكن يحترم مبارك عندما كان نائباً للرئيس.jpg وحده يستحق المديح. يتقبل الأبيات العامة التي لا تتناول شخصاً بعينه. مثلاً يعجبه: «لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى/ حتى يراق على جوانبه الدم». لكن ان يشبّه المتنبي سيف الدولة بالبدر وأنه يلتهم الجيوش، فهذا لا يريحه.
تقصد انه لم يكن معجباً كثيراً بعبدالناصر؟
- لو استمر عبدالناصر حياً الى 1972 لكان اكبر عدو لمعمر القذافي.
لماذا؟ ألا يتسع العالم إلا للاعب وحيد؟
- أنا تحليلي في ضوء خبرتي الطويلة معه ان السبب هو الوسط الذي جاء منه. جاء معمر من صحراء سرت فقيراً ضعيفاً جائعاً محتاجاً. طفولته صعبة. كان والده راعياً فقيراً في واد. وكان معمر يأتي للدراسة في سرت. يسير يومياً نحو عشرة كيلومترات. لم يكن لديه إخوة ذكور. له شقيقتان. أحياناً كان يجد سيارة تعيده الى بيته وحين لا يجد كان ينام في المسجد. ثم انتقل الى سبها حيث تسيطر أسرة سيف النصر وهي في موقع الزعامة في قبيلة اولاد سليمان. والقذاذفة من أتباع عائلة سيف النصر. جاءت مجموعة كبيرة من سرت وأُسكنت في القسم الداخلي. وذات يوم تسبب القذافي ببعض المشاكل فأقدم احد افراد عائلة سيف النصر وهو «الباي» محمد سيف النصر على ضربه ضرباً مبرحاً. هكذا ولدت لديه عقدة الاستضعاف والاضطهاد. سمع بشخصية عبد الناصر فأعاد انتاجها وتمثيلها أمام الطلاب وكأنه يحتمي بتلك الشخصية. احتمى الشاب الجائع المضطهد الخائف بشخصية عبدالناصر وكأنه وجد فيها طوق نجاة. لهذا كانت له مع عبدالناصر علاقة حب وتحسس في آن. بعد وصوله الى السلطة بدأ الوضع يختلف. كان عبدالناصر مهزوماً ولا يملك مالاً. في المقابل، القذافي لا علاقة له بالهزيمة ونجح في تغيير الوضع في ليبيا وهو يملك مالاً. ثم ان عبدالناصر كان مضطراً ان يطلب مالاً من القذافي. اعتبر معمر انه هزم الملكية وطرد القواعد البريطانية والاميركية وطرد الإيطاليين. هنا جاء بعض الكتّاب والصحافيين المشارقة وبدأوا إقناعه بطرق مختلفة انه اهم من عبدالناصر. انهم اقلام تشبه الشقق المفروشة ويستأجرها الحاكم الذي يملك مالاً. استمرأ معمر اللعبة وفيض المدائح. ثم جاء كثيرون من مشارق الارض ومغاربها ليقولوا له: «انت غيفارا مضروباً بمئة مرة». طبعاً كان مجرد التشبيه بغيفارا يعتبر مديحاً، فكيف اذا كان الممدوح يوصف بأنه اهم منه بمئة مرة.
لو عدت بالذاكرة لعرفت الفارق. عشية الثورة في اول ايلول (سبتمبر) 1969 كان القذافي مجرد ملازم أول مجهول. فجأة وبين عشية وضحاها صار مالئ الدنيا وشاغل الناس.
هل تقصد انه كان القائد الفعلي للثورة؟
- طبعاً. هو من فكر فيها وخطط لها وقاد تنفيذها بعد سنوات من التآمر والبحث عن فرصة. شخصيته غريبة. حين كان طالباً كان شبه قديس. يواظب باستمرار على الصلاة والصيام. استقامته وورعه كانا مصدر إحراج لرفاقه الذين لا يتمتعون بالقدر نفسه من التمسك بهذا السلوك. كانوا لا يلعبون الورق في حضوره. ويطفئون السجائر اذا وصل. والأمر نفسه كان في الكلية الحربية. كان متديناً وثمة من سمّاه الفقيه.
هل هو قارئ؟
- نعم. يحب قراءة كتب التاريخ. اخبرني زملاؤه انه قرأ وهو في الثانوية كتاب «الأمير» لميكيافيللي، كما قرأ كتابات ميشال عفلق مؤسس حزب البعث وكتب جمال عبدالناصر وقسطنطين زريق.
كان يتكبر على السادات
هل كان يكره الرئيس المصري الراحل أنور السادات؟
- كان يعتبر انه أحق منه بحكم مصر. تعرف ان عبد ناصر قال للقذافي: انت أمين على القومية العربية. ثم كانت هناك روايات عن ان السادات تلكأ ليلة حدوث الثورة وذهب الى السينما وأشياء من هذا القبيل. وأن السادات لا يملك مؤهلات القيادة. يضاف الى كل ذلك موضوع المال. لهذا السبب كان القذافي يتكبر على السادات. وكان يغدق عليه الوعود ثم يربط ذلك بشروط من نوع قطع العلاقات مع السعودية او مهاجمة الملك حسين او الدخول في وحدة مع ليبيا. كان السادات يتضايق من اسلوب معمر. بدأت بينهما علاقة حب وكره، وراح منسوب الكراهية يرتفع الى ان حصل الصدام العسكري على الحدود في 1977.
وعلاقته بالرئيس حسني مبارك؟
- كان معمر يعرف حسني مبارك يوم كان الأخير نائباً لرئيس الجمهورية ولم يكن يحترمه. كان يعامله بفوقية. في السنوات العشر الاخيرة قام بينهما نوع من التحالف وكان يقدم لمبارك دعماً غير محدود.
لماذا؟
- مجموعة اعتبارات. خذ مثلاً. معمر اقر راتباً شهرياً للرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي. وكان يقدم مساعدات لمبارك واشترى له طائرة وكان يدعمه بكل الطرق.
راتب شهري لبن علي
لكن لماذا الراتب الشهري لبن علي؟
- لأنه أمّن له الحدود الغربية التي استخدمتها المعارضة الليبية ايام الرئيس الحبيب بورقيبة وحاولت مهاجمة باب العزيزية لإطاحة معمر. حصل تنسيق امني مطلق بين البلدين. ذات يوم اخفى مدير الامن في تونس القنزوعي بعض المعلومات عن الامن الليبي فشكا الاخير. ذهبنا انا وموسى كوسى، فكان رد بن علي: «مدير الامن عندي ولا يتعاون جيداً مع ليبيا» واتخذ بحقه إجراء فورياً. الامر نفسه كان بين ليبيا ومصر وحصل تكامل أمني. معمر كان شديد الاهتمام بالجانب الامني، خصوصاً ما يتعلق بالتنظيمات الاسلامية التي كانت فزاعة للأنظمة الثلاثة.
تقصد وجود تعاون وثيق بين اجهزة الامن في ليبيا ومصر؟
- طبعاً. عمر سليمان مدير الاستخبارات المصرية كان يعتبر مندوب ليبيا في مصر. وكان يتولى شخصياً العلاقة بين البلدين وليست وزارة الخارجية المصرية.
هل دفع وزير الخارجية الليبي السابق منصور الكيخيا ثمن هذا التعاون؟
- كان ابراهيم البشاري، رحمه الله، سفير ليبيا في مصر ومندوبها لدى الجامعة العربية. وكان منصور الكيخيا رجلاً مسالماً وطيباً الى حدود السذاجة وكان صديقي. الكيخيا رجل مثقف وليبرالي وصريح وقومي. راح يتردد على مصر من دون حراسة ومن دون ان ينتبه الى عمق العلاقة بين اجهزة البلدين. وكان العميد محمد المصراتي مديراً للمباحث الليبية، اي الأمن الداخلي. كان لدى ابراهيم البشاري منزل على النيل قرب منزل انور السادات وعلى مقربة من الشيراتون. اتصلوا بمنصور وقالوا له نريد ان نحكي معك. وافق المسكين وذهب. قُبض عليه هناك وسُلّم الى الأمن المصري الذي نقله سراً الى طبرق حيث كان في انتظاره عبدالله السنوسي عديل القذافي. أصعدوه الى طائرة ونقلوه الى سجن عبدالناصر وجعفر نميري والقذافي في عرض عسكري.jpg ابوسليم الذي شهد مجزرة في 1996 قتل فيها 1286 شخصاً. هناك من قال ان الكيخيا قتل في المذبحة التي شهدها السجن، في حين قال آخرون انه مات بفعل المرض ونتيجة معاناته من السكري والقلب والضغط.
هذا يعني انه لم يقتل في بيت البشاري في القاهرة؟
- لا. أُحضر الى ليبيا وشوهد في سجن ابوسليم حيث أُخضع لتحقيقات طويلة. الامن المصري سلم ايضاً سياسياً ليبياً اسمه جاب الله مطر. القذافي كان يدفع مبلغاً من المال مقابل كل معارض يسلّم اليه. وهذا يصدق ايضاً على عمر المحيشي العضو السابق في مجلس قيادة الثورة.
ما هي قصة المحيشي تحديداً؟
- سلّمته اجهزة الملك الحسن الثاني الى الليبيين مقابل 200 مليون دولار وأُحضر بطائرة الى ليبيا وذُبح كالخروف. ذبحه سعيد راشد الذي قتل في بداية الأحداث الحالية. وتردد ان المعتصم نجل القذافي كان غاضباً منه فقتلوه مع ابنه وابن أخيه. طبعاً المحيشي اتهم بمحاولة انقلاب 1975 وفرّ الى مصر. عندما ذهب السادات الى القدس، شتم المحيشي السادات وطرد من مصر فذهب الى المغرب. كان القذافي يدعم جبهة البوليساريو وكان الحسن الثاني يخطط مع حسين حبري رئيس التشاد لتشكيل قوات في تشاد بدعم من المغرب والعراق لمهاجمة نظام القذافي من الجنوب. ثم حدثت صفقة ودفع معمر 200 مليون دولار، اضافة الى حمولة ناقلتي نفط، وتطور الامر الى اعلان اطار تعاون بين البلدين. نقل المحيشي وذبحه سعيد راشد الذي كان مهندس الكترونيات، لكنه كان يعمل مع الامن وكان من المكلفين بعمليات القتل.
استهدفت الاغتيالات اشخاصاً آخرين؟
- نعم تمت تصفية معارضين في الخارج مثل المحامي محمود نافع في لندن، ومحمد ابوزيد ومحمد مصطفى رمضان في لندن ايضاً وعزالدين الحضيري في ايطاليا ورجل من آل العارف وقتل اشخاص في المانيا. كانوا يطلقون على هؤلاء تسمية «الكلاب الضالة». وقتل كثيرون في الداخل، بينهم عامر الدغيص قائد حزب البعث في ليبيا.
عمليات القتل
من كان مسؤولاً عن عمليات القتل؟
- «اللجان الثورية» وجهاز الامن الداخلي وجهاز الامن الخارجي.
هل كان يستخدم مجموعات غير ليبية في التنفيذ؟
- لا شك في ان الاجهزة الليبية استخدمت صبري البنا (ابو نضال) زعيم «فتح-المجلس الثوري» وكارلوس ومجموعات اخرى. سمعت في تلك المرحلة رواية تقول ان مجموعة فلسطينية استُخدمت في اغتيال صاحب مجلة «الحوادث» سليم اللوزي بعدما وضع غلافاً في المجلة بعنوان «العقدة والعقيد» وأنه طلب من المنفذين غمس يد اللوزي بالأسيد قبل قتله ليكون عبرة لمن يهاجم القذافي.
موسى الصدر
ماذا عرفت عن قصة اختفاء الإمام موسى الصدر رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الاعلى ورفيقيه في 1978؟
- هنا سأقول روايتين: واحدة قبل الانتفاضة الليبية الحالية والثانية بعد اندلاعها. في 1987 كنت سفيراً في روما. كان هناك صحافي في صحيفة «لاريبوبليكا» اسمه مجدي علام، انتقل الآن الى صحيفة اخرى واعتنق المسيحية وسمّى نفسه كريستيانو علام. طلب علام ان يعرف شيئاً عن قصة الإمام الصدر. وكان هناك الحاج يونس بلقاسم، رحمه الله، وهو كان مديراً للاستخبارات الليبية حين زار الصدر ليبيا. ثم عيّن بلقاسم في المانيا وهو كان عقيداً في الشرطة في العهد الملكي، ويقال انه جنّد من جانب الالمان في الحرب العالمية الثانية وتعاون معهم. وحتى اثناء عمله في الاستخبارات الليبية كانت له علاقة بالالمان وطُلب منه ان يكون منسق العلاقات الامنية معهم. جاء بلقاسم الى ايطاليا وكان معي ابراهيم البشاري وزير الخارجية ومدير الاستخبارات. قلت لبلقاسم: اخبرني عن قصة الصدر، فقال: أشك في ان يكون ابو نضال قد قتله، مشيراً الى ان عشرات الجثث عثر عليها تحت ارض الفيلا التي كان ابو نضال يقيم فيها. سألته: لماذا يقتل ابو نضال شخصية متعاونة مع المقاومة؟ فأجابني: ابو نضال شخص مجنون.
خلال الجلسة ألمح بلقاسم الى رواية اخرى مفادها ان الصدر حصل على مساعدة من ليبيا تزيد على مليوني دولار سلّمت اليه خلال الزيارة وأن طرفاً في ليبيا باعه وأبلغ المافيا في ايطاليا بأنه يحمل مبلغاً كبيراً فخطفته وقتلته واستولت على المال. طبعاً ايطاليا كانت مضطربة في تلك الفترة. وقال بلقاسم تلك الرواية لعلام.
بعد الانتفاضة الليبية استمعت الى رواية اخرى تقول ان الإمام الصدر قتل في ليبيا لأنه اصطدم بالقذافي خلال استقبال الاخير له وقال له: انت لا تفهم في الاسلام. لا اريد ان اقول من اورد لي هذه الرواية، لكنني سمعت انه قتل على يد احد الضباط المقربين من القذافي ودفن سراً في طرابلس. وثمة من قال ان الضابط لاحظ انزعاج القذافي من ضيفه فلجأ الى تصفية الضيف لأنه تجرأ على القائد. طبعاً كانت محكمة ايطالية تحدثت عن ان الصدر دخل ايطاليا وبجواز سفره، لكن الشخص الذي مثّل دور الصدر لم يكن شبيهاً فعلياً له. وتم لاحقاً تداول اسم الليبي الذي لعب هذا الدور وملامحه ليست قريبة جداً من ملامح الصدر. يونس بلقاسم مات في الإقامة الجبرية واتهم بالخيانة، لكن هذه الاشياء قد تظهر بعد سقوط النظام.
ما هي الأسباب التي تدعو القذافي الى اتخاذ قرار بقتل شخص ما؟
- متابعة سلوكه تقود الى استنتاج طريقة تصرفه. انه يأمر بقتل من يتآمر عليه ويحاول ان يسقطه ولو كان من اقرب الناس اليه كما حصل مع العقيد حسن اشكال.
ما هي قصة اشكال؟
- هذا ابن عمه وكان من فريق القتلة، لكن قيل انه كانت له اتصالات مع الامن الفرنسي وأن هذه الاتصالات قد ضبطت. طلب القذافي من احد اقاربه ان يقتل اشكال، وهذا ما حصل. القذافي لا يتهاون ابداً مع من يقترب من الكرسي. الثاني في لائحة القتل هو من يتطاول على شخصه. لا يقبل أن تشوّه صورته او سمعته. اذا ارتكب ليبي شيئاً من هذا النوع، فإن القذافي مستعد لدفع ثروة من اجل تصفيته. الثالث في لائحة القتل هو من يتطاول على عائلته. الاتهامات الثلاثة لا يمحوها إلا الدم. حين يسقط النظام سنعرف بالتأكيد مصير مئات من الليبيين يحيط الغموض بظروف اختفائهم او مقتلهم. وهناك اغتيالات حصلت في الخارج ولم يسلط عليها الضوء.
هناك مرحلة تمتد من 1975 الى بداية التسعينات كان معمر القذافي فيها عنيفاً جداً في تعامله مع الداخل والخارج. عبدالرحمن شلقم.jpg ألقى في مطلع الثمانينات خطبة اطلق فيها عملية تصفية من سمّوا ب «الكلاب الضالة». قال في الخطاب: «سنقتلهم. وسنسبي نساءهم. ونيتّم اطفالهم. ونرمّل زوجاتهم». ألقى الخطاب أمام مئات الآلاف وكان مرعباً.
هل تعتقد انه كان وراء التصفيات التي نفذها ابو نضال في حق مندوبين لمنظمة التحرير الفلسطينية في بعض العواصم؟
- انا لا اريد ان ألقي كل شيء على القذافي، لأننا نقف اليوم في الصف المعارض له. كان يموّل ابو نضال وهذا ليس سراً. وكان يستخدمه وهذا معروف. اما استهداف هذا الاسم الفلسطيني او ذاك، فقد تكون فيه حسابات فلسطينية داخلية او حسابات اخرى. اهتمام القذافي يتركز على سلامة نظامه ومخططاته. القتل ليس عملية مجانية. احياناً تتداخل حسابات الجهات والأجهزة.
* غداً حلقة ثانية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.