يشهد المغرب عودة الحياة الى السياسة بشكل غير مسبوق، والفضل في ذلك يعود الى تجاوب شباب 20 فبراير مع موجة الديمقراطية التي حملها الربيع العربي من تونس ومصر وليبيا وباقي بؤر التحول الديمقراطي التي عصفت ببعض الأنظمة السلطوية في العالم العربي، في حين أن آخرين مازالوا يراهنون على عودة الخوف الى النفوس بفعل الرصاص الحي ورفع درجات القمع الى حدودها القصوى. 80 في المائة من الشباب المغربي الذي قاطع الانتخابات التشريعية الأخيرة، بفعل عدم ثقته في قدرة صناديق الاقتراع على إحداث تغيير في حياته اليومية، رجع واقتنع بأن مغربا آخر ممكن، لكن هذه المرة لن يخرج التغيير المنشود من قبعة التوافقات السحرية، ولا من جيوب سماسرة السياسة... الطريق الآمن والسلمي والحقيقي للديمقراطية والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية هو طريق الضغط الشعبي واتساع رقعة المظاهرات والمسيرات، التي تقول للحاكم ما لا يسمعه عادة من محيطه وبطانته والقوى المستفيدة من الوضع القائم، التي تضخمت مصالحها وامتيازاتها حتى لم تعد ترى مصلحة الوطن واستقراره الحقيقي. حركة العشرين من فبراير ردت الاعتبار الى السلطة المضادة التي تحتاجها أية سلطة حتى لا تزيغ ولا تسكر بنشوة القوة واليد المطلوقة. للأسف، مازالت رسائل الشباب لم تصل كلها الى الدولة التي مازالت منقسمة تجاه الربيع المغربي، بين قائل الى الحمل الديمقراطي في رحم حركة الشباب المطالب بالتغيير مجرد حمل كاذب، واتجاه يقول إن الأمر جدي، وأن ساعة التغيير دقت. أمريكا وأوربا استفاقتا من هول الصدمة التي أحدثتها قطع الدومينو المتساقطة في بيت الحاكم العربي. الأسبوع الماضي، أعلن باراك اوباما، بلا مواربة، ان إدارته عازمة على مساندة قوى الربيع العربي، وان الأنظمة التي لا تريد ان تركب قطار التغيير في بلادها أمامها خياران، لا ثالث لهما، إما الرحيل عن السلطة، او الدخول الى لائحة اوكامبو، الوكيل العامل للمحكمة الجنائية الدولية. بلادنا اختارت الحل الأول، وملكها قبل التنازل عن جزء هام من سلطاته الواسعة، لكن المحيطين بسلطة القرار لم يقتنعوا بعد بأن مغرب ما قبل 20 فبراير لن يكون هو مغرب ما بعد هذا التاريخ، ومازالوا يعولون على المناورة وعلى ربح الوقت حتى تمر العاصفة، وهذا خيار محفوف بالكثير من المخاطر أكثر من مخاطر ركوب سفينة التغيير. المغرب الذي عرف تجربة فريدة تمثلت في استدعاء المعارض عبد الرحمن اليوسفي لقيادة تجربة حكومة التناوب سنة 98 مع الملك الراحل الحسن الثاني، في الوقت الذي لم يكن هناك ضغوط قوية على النظام. هذا المغرب من العار عليه اليوم ان يضع نفسه في خانة الأنظمة العربية التي تضع نظام حكمها في مواجهة آمال شعوبها. ومن العار ان نترك فرصة ذهبية للتحول الديمقراطي السلمي تفوتنا، وان تصبح تونس ومصر وليبيا ما بعد القذافي نماذج يتحدث عنها اوباما وقادة العالم الحر، في حين ان المغرب، الذي كان في طليعة البلدان العربية الأكثر انفتاحا، أصبح في ذيل القائمة. راجعوا حساباتكم، ولا تعتقدوا ان الانضمام الى نادي الملكيات العربية، التي تريد شراء التغيير بالمال، حل لعسر هضم مطالب الإصلاح.