الرباط "مغارب كم": محمد بوخزار اتفق مراقبون على أن الزيارة التي يقوم بها إلى المغرب العاهل الإسباني الملك خوان كارلوس، منذ الأربعاء الماضي، خرجت عن الطابع الخصوصي التقليدي، لتكتسي أهمية سياسية بالغة في الظروف الراهنة. واستدل المراقبون على ذلك بطول فترة إقامة ملك إسبانيا في المغرب التي تمتد إلى غاية نهاية الأسبوع الجاري، كما أشاروا إلى الحفاوة التي خص بها ضيف المغرب حيث كان الملك محمد السادس في استقباله يوم الأربعاء الماضي بمطار مراكش، ورافقه إلى بنفس القصر الذي حل به في وقت سابق رئيس فرنسا، نيكولا ساركوزي، وتلك إشارة بروتوكولية ربما تدل على المكانة التي تحظى بها باريس ومدريد، بالنسبة لعلاقات المغرب مع الدولتين الحاميتين. وأتت زيارة العاهل الإسباني في توقيت خاص بالنسبة للمغرب الذي أعلن عاهله أخيرا الشروع في مسلسل للإصلاحات السياسية الكبرى، تبدأ بورش مراجعة الدستور والاستفتاء عليه وتنتهي بانتخابات تشريعية ينتج عنها برلمان، سيتمتع لأول مرة، بصلاحيات تشريعية لم تعرفها المؤسسة من قبل، ما يعني أن الملك محمد السادس قرر طواعية التخلي عن جزء هام من سلطاته التنفيذية والتشريعية لصالح حكومة ستصبح مسؤولة بالدرجة الأولى أمام البرلمان المنتخب من الشعب. وهذا توجه يسانده الجار الإسباني، ومستعد لتقديم المساعدة لإنجاحه على اعتبار أن استقرار المغرب ينعكس بشكل إيجابي على الوضع في إسبانيا في الحال والاستقبال. وبرأي المراقبين، فإن الأيام الهادئة التي أمضاها الملك خوان كارلوس في المغرب، أتاحت له ولمضيفه ملك المغرب، الفرصة لتبادل الرأي في كثير من القضايا العالقة بين البلدين الجارين. وقد يكون ملك المغرب وجه عتاب الصديق إلى إسبانيا التي تأزمت العلاقات معها الصيف الماضي وكادت أن تتطور نحو أبعاد سلبية، استطاع العاهلان أن يوقفاها، ومن ثم اتفقا على الالتقاء في المغرب، دون تحديد لموعد الزيارة إلى أن تحققت وبصورة دالة على حدوث انفراج واسع في العلاقات بين الرباطومدريد، خاصة بعد أن استأنف السفير المغربي الجديد في مدريد مهامه، وبدد كل التخوفات من أنه سيلاقي صعوبات بالنظر إلى أصله الصحراوي وكونه مسؤولا رفيعا سابقا في قيادة جبهة البوليساريو. وتأكد الإسبان أن السفير، أحمد ولد وسيلم، يدرك جيدا حدود مسؤولياته ولذلك تصرف بحكمة وبما يمليه عليه وضعه الاعتباري، كممثل لدولة صديقة وجارة، مهمته الأولى تكمن في تحسين العلاقات والارتقاء بها إلى مستوى متقدم. ويبدو أنه نجح في هذا المسعى أو هو في الطريق نحوه. ويحمل قدوم الملك خوان كارلوس إلى المغرب، بعد فتور في التواصل بين العائلتين الملكيتين، إشارة ومراهنة على المستقبل، ما يعني أنه تم طي صفحة الخلاف والأثر السلبي الذي أحدثته في نفوس المغاربة زيارة ملك إسبانيا إلى سبتة ومليلية المحتلتين نهاية عام 2007. ولا ينسى المغاربة ملكا وشعبا أن خوان كارلوس، آزرهم وواساهم وخفف عنهم الآلام التي أحسوها من جراء الهجوم الإرهابي الذي تعرضت له مدينة مراكش يوم الثامن والعشرين من إبريل. وفي هذا السياق أوفدت إسبانيا على عجل خبراتها الأمنية لمساعدة المحققين المغاربة والفرنسيينذ، ما أسهم في التوصل إلى معطيات أولية كاشفة بخصوص مرتكبي الهجوم الإجرامي. وعلى الرغم من أن ملك إسبانيا، ليست له سلطات تنفيذية، إلا أنه يحظى بتقدير واحترام من الطبقة السياسية، ما يجعل رأيه مسموعا ونصيحته معمولا بها، من طرف الحكومة الاشتراكية الحالية التي يتفق معها في كثير من توجهات سياستها الخارجية حيال المغرب، على عكس ما هو حاصل مع الحزب الشعبي المعارض الذي تابع من جهته الزيارة باهتمام، بل إنه طلب من الملك خوان كارلوس، التوسط لدى المغرب، ليضع حدا للمشاكل التي تندلع في مدينتي سبتة ومليلية، مطالبا بأن لا يمارس المغرب حصارا تجاريا على المدينتين، يحرمهما من الموارد المالية الكبيرة التي يقوم عليها اقتصادهما الهش. وسيكون من حق ملك المغرب، أن يثير مع ضيفه، مشاكل العمق في علاقات البلدين، وفي طليعتها الوضع في سبتة ومليلية. وقد يناقش الملكان، سيناريوهات المستقبل، وهما موقنان أن عجلة الإصلاحات السياسية والاقتصادية لن تسير بالسرعة المطلوبة بالمغرب، في ظل استمرار احتلال إسبانيا لأراضيه في شمال البلاد. هذا ملف يجب أن تواجهه إسبانيا بشجاعة وجرأة، ما دام في إمكانها إجراء حوار هادئ مع جار يتفهم ظروفها والصعوبات التي تواجهها لكي تتخلى عن إرث استعماري بغيض لا يليق بها كدولة ديموقراطية. وبطبيعة الحال، لا يتوقع صدور بلاغ مشترك عن الزيارة، كما جرت التقاليد بذلك، ولكن نتائجها الضمنية وغير المعلن عنها، قد تكون أقوى من أي بلاغة أي بلاغ. فلننتظر.