قال لحسن الداودي وزير التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر المغربي، إن بلاده يمكنها في غضون السنوات الثلاث المقبلة أن تقفز من المرتبة السادسة على مستوى البحث العلمي في أفريقيا إلى المرتبة الثانية، مشيرا إلى أن المغرب كان في المرتبة الثالثة، وتراجع إلى المرتبة السادسة، ويريد الآن أن يقفز إلى المرتبة الثانية. وأوضح الداودي، الذي كان يتحدث ل«الشرق الأوسط» أخيرا في العاصمة البريطانية لندن، أن المغرب بدأ في تجميع الجامعات، في شكل أقطاب متعددة التخصصات بما فيها البحث العلمي، وذلك على غرار مؤسسات «بوليتكنيك». وذكر الداودي: «أنا على يقين أن الخريطة الجامعية في المغرب ستتغير خلال السنوات الثلاث المقبلة، وكذلك تموقع المغرب على المستوى الأفريقي، وكذلك على مستوى الارتباط مع الجامعات الدولية». وكشف الداودي أن بلاده تسعى إلى أن تكون قطبا عالميا على الصعيد الجهوي، ليس فقط في مجال التكوين، بل أيضا في مجال البحث العلمي. وقال إن الكثير من الغربيين اقتنعوا بأن الثقافة السائدة سابقا المتمثلة في أن تنتج كل دولة غربية لسوقها الداخلية ثم تصدر الفائض، لم تعد مجدية، ذلك أن ما ينتج في الأسواق الغربية أصبح لا يساير بالضرورة حاجيات دول كثيرة خاصة على المستوى الأفريقي. وأعطى الداودي مثالا بالسيارة الألمانية، وقال إنها كلها إلكترونية، وبالتالي من الصعب جدا أن تجول في إثيوبيا أو تشاد وغيرهما. وأشار إلى أن أفريقيا اليوم تعرف نسبة نمو اقتصادي يتراوح بين 75 في المائة، معدا إياها سوقا واعدة، بيد أنه أوضح أن التكنولوجيا المستعملة في الغرب لا تساير حاجيات أفريقيا، ومن ثم فإن هدف المغرب هو إيجاد تكنولوجيا ملائمة لهذه الأسواق، ولكن من زاوية البحث العلمي، ولذلك «نسعى إلى مزيد من شراكات البحث العلمي مع المختبرات الأوروبية حتى نجد منتجا البحث العلمي متوفرا في الأسواق». وأبرز المسؤول المغربي أن بلاده الآن تستورد تكنولوجيات حديثة بسبب وجود شركات دولية ضخمة تعمل فيها؛ فمثلا على مستوى السيارات، يقول الداودي: «من المفروض أن يصل المغرب إلى إنتاج 400 ألف سيارة في أفق 2017، وأن بلاده سيكون بإمكانها آنذاك إنتاج محرك مغربي، وبالتالي لا بد من تكوين مهندسين وتقنيين وفنيين في هذا المجال». بيد أن الوزير المغربي قال إنه من الصعب جدا على المغرب وحده أن يجد منفذا إلى هذه التكنولوجيات، وإنما بالتشارك مع المختبرات الدولية يمكن إيجاد صياغة للتعاون في هذا المجال. أما في مجال الطيران، فيقول الداودي: «هناك الآن شركات كثيرة ضخمة تستثمر في المغرب، آخرها شركة بومباردي الكندية، والمغرب لديه الآن تقريبا 13 ألف منصب عمل في مجال صناعة الطيران، ولدينا أكثر من مائة شركة تعمل في هذا المجال، وبالتالي لا بد كذلك أن نوفر تكوينا جيدا ومهندسين والخبرات والبحث العلمي في هذا المجال»، مشير إلى «أننا دائما نسعى إلى أن يكون البحث العلمي مع الأطراف الأخرى، ولكن التتميم يكون مع الشركات الأجنبية الموجودة في المغرب»، ويقول الداوي: «فأي تكوين جيد سيساعد المغرب على استقطاب الاستثمارات، وكلما حضرنا تقنيين متخصصين في مجال معين وبثقافة معينة، استقطبنا أكثر الاستثمارات»، مضيفا أن الشركات الإنجليزية مثلا محتاجة إلى متخصصين في مجالات معينة، ولكن بثقافة المقاولة البريطانية، والشيء نفسه بالنسبة لليابان وفرنسا وإسبانيا. وأشار الداودي إلى أن هناك كثيرا من المؤسسات الجامعية الأجنبية أبدت استعدادها للانخراط في دعم المسار العلمي بالمغرب كبوابة تنفتح على أفريقيا، وذلك لما تنعم به المملكة المغربية من أمن واستقرار ونهج ديمقراطي. وقال الداودي: «نسعى إلى جلب الجامعات الدولية إلى بلادنا، والهدف من ذلك أيضا هو جلب استثمارات لكي يكون المغرب إلى جانب كونه قاعدة للبحث العلمي، قاعدة للإنتاج أيضا، ذلك أن جلب الجامعات الدولية سيساعد على تحسين التكوين والبحث العلمي، كما سيساعد على إنتاج التكنولوجيا انطلاقا من المغرب، وسيساعد على جلب الاستثمارات». وشدد الداودي على القول: «إذا أردنا جلب الاستثمارات، فلا بد من تكوين متميز، والمغرب الآن استطاع جلب معهد ماساتشوسيتس للتكنولوجيا (إم آي تي)، ومدرسة المعادن في باريس، وجامعة فالانسيان الدولية وجامعة غرونوبل، والجديد الآن هو جلب الجامعة الأورو - متوسطية، وهي جامعة يتوفر فيها جانب تقليدي، أي القانون الأوروبي والجانب البيئي، ولكن فيها جانب متخصص في التكنولوجيات الحديثة، وذلك بشراكة مع المعهد متعدد التقنيات في توران، والمعهد متعدد التقنيات في ميلان (إيطاليا)، ومجموعة (إنسا) الفرنسية، وجامعة برشلونة، وجامعة قرطاجنة، وجامعة بورتو، وجمعها كلها في جامعة واحدة». وردا على سؤال يتعلق بالتعاون مع الجامعات الأنجلوساكسونية، وهل جرى تحديد أهداف لاستقطابها، قال الداودي إنه التقى، خلال وجوده في لندن، بعدد من مسؤولي الجامعات البريطانية، مشيرا إلى أن التعاون بين جامعات بريطانية ومغربية بدأ منذ عهد قريب، والآن هناك استعداد من لدن بعض الجامعات للتوجه نحو المغرب، مشيرا إلى أن وفدين سيزوران المغرب قريبا؛ الأول خلال الشهر الحالي أو الشهر المقبل، والثاني خلال شهر سبتمبر (أيلول) المقبل، لاستطلاع ما يجري داخل الجامعات المغربية، وآنذاك سيجري تحديد نوع التعاون، وبحث إمكانية جلب جامعة بريطانية تدرس بالإنجليزية. ويقول الداودي إن ثقافة المغرب كقطب أصبحت معتمدة الآن من طرف الدول الأوروبية، وبالتالي فإن المغرب باعتباره شريكا لأوروبا بإمكانه أن يستفيد من التمويلات الأوروبية للبحث العلمي، خاصة أن الموازنة المرصودة للبحث العلمي في أوروبا بالنسبة للسنوات من 2013 إلى 2020، يقارب 79 مليار يورو، وهو تمويل ضخم بإمكان المغرب أن يستفيد منه. ولذلك، يضيف الداودي: «هناك ارتباط مع الجامعات الأوروبية لنستفيد من الموارد المرصودة للبحث العلمي في أوروبا»، وبالتالي فإن الأساس هو ارتباط الجامعة المغربية مع الجامعات المتطورة عالميا للتكوين واستقطاب استثمارات وإنتاج تكنولوجيا من داخل المغرب، لأن الإشكالية المطروحة، في نظر الداودي، الآن هي «أننا لا ننتج تكنولوجيا، بل نستهلكها، وإذا قمنا بتكوين طلبة في المستوى الجيد، فإنهم يذهبون إلى الخارج لأنهم لا يجدون عملا في المغرب في مجال التكنولوجيات المتقدمة، إذن هذه هي السبيل الوحيدة إذا أراد المغرب أن ينافس الدول الأخرى، وأن يدخل العولمة من باب العلم، لأننا دخلنا العولمة من باب التجارة والتبادل، ولكننا اليوم نريد أن نضع المغرب على سكة البحث العلمي، وعلى سكة التنافسية في التكنولوجيا والقيمة المضافة». ويقول الداودي في هذا الصدد: «نحن نصدر الطماطم والحوامض والسمك، ولكن ما القيمة المضافة في هذه المنتجات التي نصدر؟ نريد أن نصدر منتجا مهندسا، وإذا حققنا هذا الهدف، فبالإمكان القول إن المغرب انطلق اقتصاديا وعلميا. فالكل يسعى لإيجاد مجتمع المعرفة، والجامعة المغربية تقوم بهذا الدور»، بيد أن الداودي يرى أن موارد المغرب «لا تكفي بالنسبة لطموحاتنا، فطموحاتنا أكبر بكثير من مواردنا، وبالتالي لا بد كذلك أن نشتغل بموارد الآخر، واليوم هناك ثقة في الجامعة المغربية من طرف الدول الغربية. وأود هنا أن أشير إلى كندا. فهي أيضا لديها تعاون كبير مع المغرب والجامعات المغربية». وبشأن ما إذا كانت الجامعات التي يعمل المغرب على استقطابها تقتصر فقط على البحث العلمي، أم أنها مفتوحة على جميع العلوم الإنسانية، قال الداودي إنها جامعات مفتوحة على كثير من العلوم، وهي أولا دعم للمغرب لأنها ليست جامعات خاصة، نظرا لكونها جاءت إلى المغرب بمبادرات من حكومات تلك الدول، مثل الحكومة الإسبانية والحكومة الفرنسية والحكومة الإيطالية، وثانيا، هي نموذج جديد لعلاقة شمال - جنوب، نظرا لأن الاتفاقيات التي كانت تبرم بين تلك الدول، كان البحث العلمي آخر ما يفكر فيه. وأضاف الداودي: «الآن نسعى إلى أن تكون الجامعة والبحث العلمي على رأس قائمة التعاون بين الحكومات، لذا يبقى العلم الآن العنصر الأساسي في مجال التعاون بين الحكومات». وأشار إلى أن هذه الجامعات الآن كلها عمومية، وهناك شراكة بين الدول والحكومات، وعدّ ذلك نهجا جديدا لا علاقة له بالتجارة. وقال الداودي إن كل هذه الجامعات «هدفها غير ربحي، فيها رسوم، ولكن على الأقل 20 في المائة من الطلبة المنتمين للشريحة الاجتماعية التي لا تستطيع دفع هذه الرسوم تُخصص لهم منحة». وشدد الداودي على القول إن هذا دعم للمغرب لأن التكنولوجيا ستأتي من هذه الدول، بالإضافة إلى التجهيزات التي تزود بها هذه الجامعات، إذا كان هناك منطق جديد في التعامل، والجميع يقر أنها فكرة جديدة، ومصطلح جديد، ورؤية جديدة، على مستوى العلاقات بين الشمال والجنوب». وحول ما إذا كان المغرب يرغب في الترخيص للجامعات الدولية المهمة لفتح فروع لها مثلما فتحت فروعا في بعض الدول الغنية، قال الداودي إن «هذه الجامعات لا تفكر في المغرب، لأنها تفكر فقط في الدول الغنية نظرا لأن هدفها ربحي محض. أما ما يجري الآن في المغرب فيأتي في إطار دعم بعض الدول لبلدنا». وبشأن تعليقه على إرسال الكثير من الآباء والعائلات المغربية لأبنائهم للدراسة في الخارج على الرغم مما يتطلب ذلك من تكاليف مرتفعة، قال وزير التعليم العالي المغربي إن عددهم يبقى قليلا، ومن ثم إذا جاءت جامعة ذات هدف ربحي، فإن الرسوم التي يمكن أن يقدمها الطالب المغربي لن تكون مربحة بتاتا، لأن الجامعة تتضمن البحث العلمي، والرسوم التي يدفعها الطالب لا تمكن من البحث العلمي. وخلص الداودي إلى القول إن الجامعات ذات الهدف الربحي «لن تأتي إلى المغرب، إلا إذا أرادت أن تعمل في مجال الاقتصاد أو الكومبيوتر، أما إذا أرادت أن تستثمر في مجال الهندسة والتجهيزات ذات التكلفة المرتفعة، فلا يمكنها أن تأتي للمغرب، وإذا لم يكن هنالك دعم من الدول الأوروبية فلا يمكنها أن تأتي إليه».