هناك تصور عام وشائع بأن تنظيم «الإخوان» تنظيم داخلي موجود في مصر، وإن كان يتلقى منذ بداياته الاولى قبل أكثر من ثمانين عاما، دعماً مالياً من الخارج، من اوروبا ومن أميركا بشكل خاص. هذا تصور صحيح في أساسه، إلا أنه لا يتابع التطورات المهمة التي طرأت على تنظيم «الاخوان» منذ سنوات طويلة، خاصة السنوات التي اعتمد فيها التنظيم على اتساع رقعته وانتمائه في الخارج. وهو تطور بدأ في الفترة التي تلقى فيها تنظيم «الاخوان» ضربات داخلية جعلته يعتمد على الخارج. هذا التوضيح يفتح المجال لنتناول الوجود التنظيمي ل«الاخوان» في الخارج بسبب الضربات القوية التي تلقاها في مصر، والتي أدت الى إضعاف التنظيم. ولهذا فإننا نتطلع الى محاولة فهم التنظيمات الخارجية ل«الاخوان». من ناحية لأن هذه التنظيمات الخارجية أصبحت تلعب دوراً أكبر وأوسع مما كان لها طوال السنوات الماضية. فلقد تزايدت نشاطات التنظيمات الاخوانية الخارجية بشكل واضح، وتزايدت نشاطاتها وعملياتها الرامية الى مساعدة التنظيم الأم في مصر على إبقاء رأسه فوق السطح على أي نحو. وعلى الرغم من ضعف أداء التنظيمات الخارجية ل«الإخوان» في مساعدة التنظيم الداخلي في مصر، الا انه يبقى من الضروري متابعة وفهم انشطة وعمليات التنظيمات الخارجية. التنظيمات الخارجية الإخوانية تتركز في الوقت الحاضر على وجودها في الولاياتالمتحدة بعد ان كانت تنظيمات «الاخوان» الخارجية تتركز لسنوات طويلة في اوروبا. ويمكن إرجاع هذا التحول من اوروبا الى اميركا الى حقيقة ان الولاياتالمتحدة نفسها غيرت مسارها السياسي تجاه «الاخوان» في السنوات الثلاثين الاخيرة. وهذا وضعٌ فرضته حقيقة ان «الاخوان» كتنظيم لم يكن لهم وجود بدرجة عالية من الكثافة في الولاياتالمتحدة الا في السنوات الثلاثين الاخيرة. وقبل ذلك كان الوجود الاخواني في أميركا هشاً وضعيفاً بالدرجة نفسها من الهشاشة والضعف الذي كان سائداً في البلدان الاسلامية العربية بوجه خاص وحينما تنبهت الزعامات الاخوانية الى ان الدور المطلوب منها في بلدان الخارج ركزت نشاطها على البلدان الاوروبية، بسبب وجود جاليات اسلامية كثيفة العدد. وفي هذه الظروف اصبح بإمكان الزعامات الاخوانية ان تكثف نشاطها بما يتفق مع الكثافة السكانية للمسلمين في بلدان اوروبا. وتجد السلطات الاوروبية نفسها الآن في حالة من الارتباك في مواجهة الجاليات الاسلامية بعد ان استهدفتها التنظيمات الاخوانية. ذلك ان الدساتير والقوانين الاوروبية تفرض على حكومات هذه الدول ان لا تميز بين الاوروبيين من اصول اوروبية والاوروبيين من أصول شرق اوسطية (عربية) او آفروآسيوية بشكل عام. مع ذلك فقد توترت في السنوات الاخيرة العلاقة بين قوى الامن الاوروبية وقوى التنظيمات التي تدين بالاسلام. وعندما بدا ان المهاجرين من البلدان الاسلامية الى اميركا قد ازدادوا كثافة في كثير من المدن الاميركية. تنبهت اميركا الدولة الى انها يمكن ان تواجه المعضلة نفسها التي واجهتها اوروبا. وعلى الرغم من اختلاف الوضع الاميركي عن الوضع الاوروبي من هذه الناحية فإن تنبّه الرأي العام الاميركي والادارات الاميركية المتعاقبة، بدأ يدرك ان الجاليات الاسلامية تشكل داخل المدن الاميركية المشكلة نفسها التي شكلتها في المدن الاوروبية قبل ذلك. وذلك على الرغم من ان التركيبة السكانية الاميركية باعتبارها مؤلفة اصلا من جاليات آتية من الخارج تبدو أكثر استيعاباً للمجموعات الاسلامية. وربما لهذا السبب يتأخر إدراك الخطر الذي تشكله التنظيمات الإخوانية في المدن الاميركية. ولقد حرصت الهيئات الرسمية الاميركية، عندما وقعت مأساة تفجير طائرات الركاب المدنية في 11 ايلول 2001 في مباني نيويورك ناطحات السحاب على ان يكون من الواضح ان مرتكبي هذه الضربات الأليمة كانوا من خارج الولاياتالمتحدة وليسوا من «العرب الاميركيين» او من «المسلمين المقيمين في الولاياتالمتحدة». مع ذلك فإن السلطات الاميركية لم تفلت منذ وقوع تلك الهجمات من الاهتمام بمراقبة نشاط الجماعات «الاسلامية» في الولاياتالمتحدة. الا أن السلطات الاميركية بقيت حتى الآن على حرصها على ان لا تعتبر هذه الاحداث الخطيرة مؤشرا الى ما يمكن ان تنتظره الولاياتالمتحدة من «الجاليات الاسلامية» التي تعيش في مدنها. ويدل هذا على ان الولاياتالمتحدة لا تنظر بعين الاعتبار الى الخطر الذي يشكله «الاخوان» على أميركا. ربما لأن أميركا تعتبر ان تأييدها ل«الاخوان» ونشاطاتهم العنيفة في بلدان مثل مصر وسوريا والعراق يحميها ويقيها من ضربات «الاخوان» في المدن الاميركية. ان السلطات الاميركية تعرف جيدا ان ل«الاخوان» تنظيمات سياسية ونشاطات تسير بهذا الاتجاه السياسي، ولكنها تعتقد ان تأييدها ل«الاخوان» في مناطق الداخل مثل مصر، يقيها من التعرض لهجمات توازي تلك التي تحدث في مصر. في الوقت نفسه فإن الولاياتالمتحدة الرسمية تعتبر ان مصر هي مصدر المعلومات الاساسية عن «الاخوان» وتنظيماتهم ونشاطاتهم. إن أميركا هي الطرف الحريص على ان تبدو متدخلة في الشأن المصري، ذلك انها تريد ان تثبت ان لها دوراً فيما يجري. وتعتقد أميركا انها تتمتع بتأييد واسع في أرجاء مصر والمنطقة العربية. ولهذا فإنها تفضل ان تغفل الظواهر الدالة على غير ذلك، بما فيها التظاهرات المليونية التي خرجت في ميادين مصر يوم 30 حزيران 2013. ان الاميركيين يفضلون اعتبار هذه التظاهرات الجارفة في مصر غير موجهة ضدهم او ضد سياسات حكومتهم. إن جانباً كبيراً من الرأي العام الاميركي يعتبر ان من الضروري ان تخشى اميركا من توسع عددي للاخوان في المدن الاميركية، وخاصة المدن التي يكثر فيها وجود أعداد من المسلمين من أصول عربية وآسيوية وأفريقية. إن هذا الجانب من الرأي العام الاميركي يعتقد ان الاخوان موجودون في المدن الاميركية بالذات في نيويورك ونيو جيرسي وديترويت ولوس انجلوس بأعداد كبيرة تقدر بنحو 15 مليونا، لا تشكل اغلبية ولكنها تستطيع ان تثير متاعب كبرى في هذه المدن اذا صدرت لهم الاوامر بذلك من تنظيمات «الاخوان». ان الاستنتاج الوحيد الممكن من هذا الموقف الاميركي يعني ان الولاياتالمتحدة تريد ان تستمر حالة من عدم الاستقرار في مصر وفي غيرها من بلدان المنطقة. فهي تعتقد ان مثل هذا الوضع هو أكثر الاوضاع نفعاً للسياسة الاميركية. لهذا سيكون على مصر ان تبذل أقصى جهدها من أجل ان تثبت ان السياسة الاميركية الداعمة ل«الاخوان» لن تؤدي الى نتائج إيجابية لأميركا بالذات. "السفير" اللبنانية