استطلاعات الرأي وسبر آراء المواطنين كل ستة أشهر، ليس تقليدا معمولا به في المغرب لتقييم أداء الحكومات ولقياس مدى الثقة الذي تتمتع بها من طرف المواطنين، لكن مع الحكومة التي جاءت في أعقاب حراك شبابي انطلق قبل ثلاث سنوات انتعشت استطلاعات الرأي بشكل غير مسبوق، وازدادت درجة المتابعة من طرف عدد من المؤسسات والمواقع الإلكترونية التي تنظم استطلاعات للرأي مفتوحة لقياس درجة تفاعل الرأي العام مع عدد من القرارات الحكومية. خلال هذا الأسبوع، وللمرة الثانية تقوم مؤسسة Tizi/Averty بتنظيم استطلاع للرأي حول حجم الثقة الذي تتمتع بها الحكومة الجديدة في المغرب. الاستطلاع في نسخته الثانية تم إنجازه خلال شهر كانون الثاني/يناير من هذه السنة، وشمل 1067 مواطنا مغربيا تم استجوابهم عن طريق الأنترنيت. الاستطلاع أظهر بأن حجم الثقة في رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران عرف تراجعا خلال الفترة ما بين حزيران/يونيو 2013 وكانون الثاني/يناير 2014 حيث انتقلت من 68 في المائة إلى 53 في المائة أي بتراجع بلغ 15 نقطة خلال ستة أشهر، مقارنة بالاستطلاع الذي نظمته نفس المؤسسة قبل ستة أشهر. مستوى الرضا لدى المواطنين المغاربة حول القرارات التي اتخذها رئيس الحكومة عرف بدوره تراجعا ملحوظا حسب نفس الاستطلاع حيث عبر 43 في المائة من المستجوبين عن رضاهم عن الإجراءات المتخذة من طرف بنكيران في حين سجل نفس المؤشر قبل ستة أشهر نسبة 53 في المائة، أي بتراجع بنسبة 10 نقاط. أما حسب المناطق فإن الجهة الشمالية من المغرب (شمال القنيطرة) فقد حافظت على نفس مستوى الثقة في رئيس الحكومة بنسبة 54 في المائة، في حين تراجعت ثقة ساكنة المناطق الجنوبية (جنوب مدينة آسفي) في بن كيران لتصل إلى 63 في المائة وتتراجع بذلك ب11 نقطة مقارنة مع شهر حزيران/يونيو من السنة الماضية. محور الدارالبيضاءالقنيطرة هو الآخر عبر عن تراجع ثقته في رئيس الحكومة ب18 نقطة لتصل إلى 50 في المائة، وهو نفس الأمر بالنسبة لوسط المغرب (فاس، مكناس، تادلة أزيلال) التي عرفت تراجعا لثقة الساكنة في بن كيران بلغ 29 نقطة واستقرت نسبة الثقة في حدود 48 في المائة. أما فيما يخص الفئات العمرية فإن الثقة في رئيس الحكومة بلغت 46 في المائة (22- نقطة)، لدى الشباب بين سن 25-34 سنة، ونسبة 52 في المائة (12- نقطة) بالنسبة للفئة العمرية 35-44 سنة، ونسبة 46 في المائة (23- نقطة) بالنسبة للأشخاص فوق سن 44 سنة، وحدهم الشباب أقل من 24 سنة مازالوا يحافظون على ثقتهم في رئيس الحكومة ويواصلون دعمه بنسبة 81 في المائة (9+ نقطة). طبعا هذه الأرقام تبقى نسبية بشكل كبير وتحتاج إلى قراءة سياسية من زوايا متعددة. فبغض النظر عن مدى تمثيلية العينة المنتقاة للساكنة المغربية، فإن هذه الأرقام نفسها تتضمن دلالات مهمة من الناحية السياسية. فدعم الشباب الأقل من 24 سنة بنسبة 81 في المائة، يعكس نسبة كبيرة، وهو رقم له دلالة خاصة، كما أن معدل الثقة في رئيس الحكومة الذي استقر في 53 في المائة هو رقم محترم، خاصة وأن هذه الحكومة اتخذت عددا من القرارات التي كان من المتوقع أن تمس بشعبيتها، خصوصا ما يتعلق باعتماد نظام المقايسة في ثمن البترول وهو ما يعني أن حجم الدعم الذي تقدمه الحكومة للحفاظ على سعر البترول لن يتأثر بارتفاع أسعار البترول في السوق الدولية، بينما يتحمل المواطن الفرق في حالة الزيادة، كما يستفيد من انخفاض ثمن البترول في حال انخفاضه على الصعيد الدولي،كما أن السيناريوهات التي وضعتها الحكومة لإصلاح صندوق التقاعد ستكون لها كلفة شعبية لأنها ستتم على حساب جيب المواطن الذي سيساهم بجزء من دخله الشخصي وبزيادة جزء من عمره في العمل لحل أزمة صندوق التقاعد. هي قرارات مؤلمة تتخذها الحكومة في ظرفية اقتصادية واجتماعية صعبة مطبوعة بالأزمة الاقتصادية والمالية التي تعصف بالشريك الاقتصادي الأول للمملكة (دول الاتحاد الأوروبي وخاصة فرنسا وإسبانيا)، وفي نفس الوقت تراهن على مصداقيتها لكسب ثقة المواطن وكسب تفهمه لهذه القرارات وملحاحيتها للحفاظ على عافية الاقتصاد الوطني.. علما أن انتظارات الشارع المغربي ارتفعت بشكل كبير في أعقاب الحراك السياسي والاجتماعي الذي عرفه المغرب قبل تشكيل الحكومة الجديدة، وهو ما يضاعف من حجم المسؤولية الملقاة على عاتق الحكومة الحالية. الأرقام المعبر عنها خلال هذا الاستطلاع تعكس تفهما كبيرا للرأي العام للقرارات التي اتخذتها الحكومة.. لكن وجب الانتباه إلى نسبة التراجع وإعادة قراءتها قراءة سياسية صحيحة بعيدا عن التوظيفات السياسوية التي سقط فيها البعض. أعتقد جازما بوجود غاضبين من القرارات التي تتخذها الحكومة، ليس لأنهم غير مقتنعين بضرورتها، ولكن لأنهم يعتبرون بأن كلفة الإصلاح لا ينبغي أن تتحملها الفئات الشعبية فقط، ولكن لابد من مساهمة الجميع في تحمل كلفة الإصلاح، بما فيها فئة الأغنياء وطبقة رجال الأعمال التي استفادت من فرص اقتصادية مهمة في أزمنة سابقة ومن واجبها تحمل كلفة الإصلاح في زمن الأزمة. القلق الذي يشعر به عدد من المواطنين جراء القرارات الحكومية الأخيرة، لا يعني بأنهم يفضلون بديلا سياسيا آخر، وهو ما يعتبر عامل ضعف بالنسبة لهذه الحكومة على عكس ما يعتقد البعض. المعارضة القوية هي محفز للأغلبية الحكومية لاستنفاد ما بوسعها من أفكار وبرامج، وللاجتهاد أكثر في التنقيب على الحلول. ما يعقد مهمة الإصلاح في المغرب هو ضعف المعارضة الحالية وضعف مصداقيتها أمام الرأي العام، فرغم ‘التراجع′ الذي سجله الاستطلاع لا يعني بأن هذه الثقة قد ذهبت إلى اتجاه سياسي آخر، وهو ما يعتبر نقطة ضعف في الاستطلاع المنجز وجب الانتباه إليه في الاستطلاعات القادمة. "القدس العربي"