لم يكن اختيار 12 دولة افريقية كضيف شرف للدورة الأخيرة من المعرض الدولي للكتاب بالدار البيضاء ضرباً من العبث. ثمة سياسة يريد المغرب أن يكون حاسماً بصددها، وهي التأكيد على هذا الانتماء الإفريقي الذي لا يمكن القفز عليه بسهولة. فما كانت تسميه الدولة على مدار العقود السابقة "الجذور الافريقية" للمغرب هو أمر لا يمكن تجاهله أو محوه. وربما تكون العودة إلى افريقيا هذه السنة هي بمثابة تحويل الوجهة بحثاً عن امتداد أكثر أماناً من صخب "الربيع العربي". كلمة وزير الثقافة تلمح إلى أن قوة القارة الإفريقية رهن أيضاً بتقوية وتكامل جبهاتها الثقافية، وتؤكد على أن استضافة دول الغرب الإفريقي تراهن على "تجديد عرى الأخوة والصداقة والمصير المشترك الذي يربط المملكة المغربية بامتدادها وعمقها الإفريقيين، ومدخلاً نحو خلق مزيد من سبل التعاون والتكامل والارتقاء بشعوب القارة السمراء". ولعل هذا الحضور الأسمر الذي طغى على فعاليات الدورة الجديدة لمعرض الكتاب أسفر بالمقابل عن خفض نسبة الضيوف العرب من نقاد وكتاب وفاعلين في الحقل الثقافي. انصبت الندوات المخصصة لضيف الشرف على العديد من التيمات من بينها: المرأة الكاتبة بدول الغرب الإفريقي، المكونات الإفريقية في الثقافة المغربية، اللغة والحدود، حضور الثقافة الإفريقية في العالم، مؤلفات عن افريقيا، من الأدب الشفاهي إلى الأدب الحديث بافريقيا، الزنوجة، الاندماج والتحولات الإفريقية، ثقافات جنوب الصحراء وحضورها في الجامعات المغربية، وغيرها من الندوات التي شكلت العمود الفقري لمعرض البيضاء هذا العام، فيما توزعت باقي الندوات حول ظواهر وموضوعات محلية وأخرى عربية أو ذات بعد دولي، كالثقافة الأمازيغية، التنوع اللغوي بالمغرب، القراءة العمومية، مهن الكتابة، التشكيل والشعر، الفلسفة الإسلامية في الأزمنة الحديثة، مراكز البحث الأميركية، الكتابة بلغتين، أصوات من العالم. فتح معرض البيضاء هذا العام حيزاً كبيراً للنقاش حول ظروف تشكل الكتابة عبر سلسلة من الجلسات جاءت تحت مسمى "تجارب" في النقد والشعر والقصة والرواية والرحلة ساهم فيها عدد من المثقفين من بينهم: سعيد يقطين، خليل النعيمي، عبده خال، بشير مفتي، ادريس الخوري، ربيعة ريحان، أحمد المديني، صلاح بوسريف، محمود عبد الغني، مباركة بنت البراء، لطيفة لبصير، لطيفة باقا وغيرهم. الملاحظ هذه السنة هو هذه الطفرة في الاحتفاء بالأسماء الجديدة، حيث خصصت لقاءات عديدة لتقديم كتاب الجيل الجديد. فلسفة الوزارة بدت مختلفة فهي تتحدث في كلمة الافتتاح عن "الحق في الحضور" واصفة حقل الإبداع المغربي بالتربة الخصبة التي تسع الجميع، كما خصص عدد آخر من الجلسات كتكريم وتذكار للكتاب الذين رحلوا عن عالمنا: المفكر سالم يفوت، الأديب محمد الصباغ، الروائي محمد شكري، الزجال محمد الراشق، التشكيلي محمد شبعة. إضافة إلى لحظة احتفاء بالراحل أحمد فؤاد نجم الذي كان صديقاً للمغاربة. كان الشعر هذا العام حاضراً بشكل موفق عبر أمسيات قرائية شارك فيها عدد من الشعراء كالمغربيين محمد بنطلحة ومبارك وساط، والفرنسي دانييل لويرس، والسورية مرام المصري، والجزائري بوزيد حرز الله، والإيطالي جيوفاني دولوتي، والفلسطيني مراد السوداني. أما اللقاءات الفردية فكانت مع رموز من الثقافة المغربية كمحمد عز الدين التازي، يوسف فاضل، الطاهر بنجلون، مبارك ربيع، إضافة إلى الكويتي سعود السنعوسي. والحدث كان هو تسلم الشاعر الفرنسي المعروف إيف بونفوي جائزة الأركانة التي يمنحها بيت الشعر بالمغرب. وفي تصريح خاص ب"السفير" يقول حسن الوزاني مدير المعرض الدولي للكتاب بالدار البيضاء: "تميز البرنامج هذا العام بالتنوع، وبالانفتاح على أفكار جديدة، ركزنا أيضاً على تكريم رموز الثقافة المغربية وإعطاء الأهمية للكتاب الشباب، كنا على مدار الأيام الماضية في حضرة 460 كاتباً ومتدخلاً من داخل المغرب وخارجه وشاركوا في 120 لقاء، ولعل إقبال الجمهور بكثافة على الكتاب إلى اللحظات الأخيرة للمعرض مؤشر إيجابي كبير بالنسبة لنا".