إذا قرر الرئيس المكلف تمام سلام ان يرتدي "الحزام" السياسي الناسف، وان يمضي حتى النهاية في مغامرة التأليف الحكومي ب"من حضر"، بموافقة الرئيس ميشال سليمان، فان الخلوة التي ستجمعهما مع الرئيس نبيه بري، قبيل صدور المراسيم، سترسم بشكل أو بآخر، أي مصير ينتظر حكومة انتظر اللبنانيون شهورا ولادتها، حتى إذا ما لاحت في الأفق فرصة إقليمية ودولية متاحة، تعثرت في الزواريب اللبنانية، علما بان أحدا لا يستطيع الجزم الآن ما إذا كانت تلك الفرصة لا تزال سارية المفعول ام.. طارت؟ وبرغم ضغوط هاجس الأمن الذي بات هاجسا وطنيا بامتياز لا يتقدم عليه عنوان آخر، وبرغم ما ينتظر لبنان واللبنانيين من استحقاقات تتطلب حصانة سياسية.. فان الرهان على حكومة جامعة يكاد يتبدد، اذا لم تحمل الساعات المقبلة تطورا يعيد خلط الأوراق من جديد. ويبدو ان الاتصالات المفتوحة والتي استمرت حتى ساعات الفجر الاولى باتت تتركز على محاولة التقليل من خسائر حكومة الامر الواقع، بحيث تنفذ "هبوطا اضطرايا" باقل الاضرار الممكنة. وفي المعطيات، ان نقاشا يدور بين الرئيس نبيه بري و"حزب الله" والنائب وليد جنبلاط حول إمكان ترتيب "خروج آمن" للحكومة المفترضة، بحيث لا يؤدي خروج وزراء عون و"حزب الله" منها الى نسفها كليا، خصوصا إذا تمت بلورة ضمانات سياسية للحزب، تطمئنه الى حماية مصالحه الاستراتيجية.. حتى لو استقال وزيراه. وينطلق المتحمسون لهذا الطرح من ضرورة عدم التفريط بفرصة الحكومة السياسية في هذه اللحظة المحتدمة إقليميا ومحليا، مفترضين انه إذا كانت ضرورات "حزب الله" تحتم عليه التضامن مع عون، فلا يجب إلزام حلفائه بموقفه والتضحية بالحكومة من أساسها. وفي هذا السياق، يشير العارفون بحسابات رئيس "التقدمي" الى انه قد لا يستقيل بالضرورة من حكومة أمر واقع تتوافر فيها شروط الحد الادنى لبقائها، على قاعدة انه إذا كان يجوز رفض الحكومة الحيادية لانها تُقصي "حزب الله"، فليس مبررا الخروج من حكومة سياسية يتمثل فيها الجميع، وفق توزيع متوازن للحقائب. أما اذا تدحرج "الدومينو" السياسي، فان استقالة وزراء "تكتل التغيير" الأربعة، متضامنين ومتكافلين، ستؤول حتما الى استقالة وزيري "حزب الله"، ثم وزيري "امل"، فيتضامن معهم على الارجح وزيرا وليد جنبلاط. ذلك وحده سيكون كفيلا بموت الحكومة لحظة ولادتها، وتحويلها الى حكومة تصريف أعمال، غير قادرة على اتخاذ الحد الأدنى من المقررات، بسبب عاملين حيويين: - الاول، تكويني، إذ بات من المؤكد ان وزراء "التيار الحر" و"المردة" و"الطاشناق"، سينسحبون معا من حكومة الامر الواقع، بتغطية متوقعة من بكركي، وهذا يعني ان الحكومة ستعاني من تشوه ميثاقي، لغياب المكون المسيحي التمثيلي عنها، لا سيما ان "القوات اللبنانية" أعلنت مبكرا عن نيتها عدم المشاركة، فكيف إذا اتسعت الفجوة مع انسحاب "حزب الله" و"أمل" و"التقدمي". - الثاني، دستوري، ذلك ان حكومة مبتورة من هذا النوع لن تحصل بطبيعة الحال على الثقة النيابية، وهي لن تصل أصلا الى مجلس النواب، لا سيما ان الرئيس نبيه بري قاطع في عدم التهاون مع أي خلل ميثاقي، سواء في الحكومة او في مجلس النواب. ومع التأليف الموعود والكرة المتدحرجة من بعده، سيكون لزاما على رئيس الجمهورية أن يبادر الى تحديد موعد لاستشارات نيابية ملزمة لتكليف رئيس جديد، وسيكون وليد جنبلاط مرة أخرى هو "بيضة القبان" في لعبة حسم الخيارات والأسماء.. ولو أن الخيارات تتراوح بين نجيب ميقاتي وتمام سلام.. ما دامت عودة سعد الحريري تحتاج الى توافق سعودي ايراني مفقود.. الا اذا برز اسم من خارج "نادي الحاضرين". وأكد الرئيس بري امام زواره انه بذل اقصى جهده لتسهيل ولادة الحكومة الجامعة "وليس لدي ما أفعله بعد"، مشيرا الى انه اقترح على الرئيس المكلف تفعيل التواصل مع كل الأطراف المعنية لحلحلة العقد الحكومية. وأشار الى انه متمسك بصيغة التفاهم التي تم التوصل اليها حول التأليف (8-8-8، والمداورة، وتأجيل البيان الوزاري الى ما بعد التأليف)، موضحا انه لا يزال يعتبرها الصيغة الافضل بعدما حصل عليها توافق واسع "ولا أعرف لماذا تعرقلت". وردا على سؤال عن الموقف الذي سيتخذه في حال انسحب "التيار الحر" و"المردة" و"الطاشناق" من الحكومة، قال: أنا أنتظر تركيبة الحكومة، ثم أحدد موقفي منها، تبعا لمدى التزامها او اخلالها بالميثاقية، مشددا على اهمية الميثاقية التي أتمسك بها انطلاقا من موقف مبدئي. وقالت أوساط الرئيس سلام ل"السفير" ان الشغل الشاغل للرئيس المكلف خلال اليومين المقبلين هو وضع اللمسات الاخيرة على التركيبة الحكومية النهائية، بعد إنهاء بعض التفاصيل المتعلقة بها. وتعليقا على ما أدلى به العماد ميشال عون بعد اجتماع "تكتل التغيير والاصلاح" لجهة التحذير من العبث بالميثاقية، أكدت هذه الاوساط ان الحكومة ستراعي شرط الميثاقية، بحيث تشمل كل الاطراف والطوائف. ولفتت الاوساط الانتباه الى ان توقيت الاعلان عن الحكومة بات قريبا جدا، مشددة على ان الرئيس المكلف سيتحمل مسؤوليته بوضع تشكيلة متوازنة وميثاقية، وعلى الافرقاء الآخرين ان يتحملوا مسؤولياتهم أيضا. وأبلغ القيادي في حزب "الطاشناق" النائب آغوب بقرادونيان " السفير" ان "الطاشناق" هو جزء من تحالف مسيحي واسع، ولن ينفرد بأي قرار، مشيرا الى انه "في حال تشكيل حكومة أمر واقع، سنتشاور مع حلفائنا لنتخذ جميعا موقفا موحدا، بدخول الحكومة او الخروج منها". ودعا من يراهن على الاستفراد بهذا الطرف المسيحي او ذاك الى عدم تضييع وقته. ونفى ان يكون "الطاشناق" قد سلّم اي اسم لتمثيله في الحكومة الى الرئيس المكلف، موضحا ان "هذه الخطوة لن نُقدم عليها منفردين، بل بالتنسيق مع حلفائنا، فإما ان نعطي الاسماء مجتمعين وإما لا نعطيها". وكان عون قد نبه بعد اجتماع "تكتل التغيير والاصلاح" أمس الى خطورة "العبث بالثوابت والمسلّمات الميثاقية في مثل هذه المفاصل الشديدة الخطورة والحساسية". واكد "أنّ من يضع العراقيل والعقبات هو من يخرج عن الميثاق والدستور والعرف ويُرسي ممارسات مصطنعة وغير مألوفة في تأليف الحكومات، ما ينزع عنها كل شرعية ميثاقية ودستورية، فتُضْحي حكومة أمر واقع بكل المفاهيم والمضامين، ما يحتّم التعامل معها على هذا الأساس". واشار الى ان "الخطر في مشروع تأليف الحكومة يأتي نتيجة استشارات ناقصة حذفت منها أول قوة برلمانية مسيحية، والثانية على مستوى المجلس النيابي"، قائلا: وداعاً أيّتها الشراكة الوطنية. الى ذلك، تصدر اليوم عن مجلس المطارنة الموارنة "وثيقة وطنية"، تستند الى ثلاثة محاور هي: الثوابت، الهواجس، والأولويات التي ستوجّه بشكل خاص إلى الرئيس الجديد. وعُلم ان الوثيقة تشدد على أهمية الحوار وإحلال العدالة بالتكامل والمساواة، وتؤكد أنّ المسيحيين لا يحملون أي مشروع ذاتي سوى التعايش مع اخوتهم اللبنانيين، متضمنة دعوة إلى الحوار والتفاهم وعدم التفرّد بقرارات تعتبر تحدياً لأطراف داخليين أو خارجيين. "السفير" اللبنانية