يشرع المجلس الوطني التأسيسي في تونس، اليوم (الأحد)، في التصويت «في قراءة أولى» على الدستور الجديد للبلاد، بعدما انتهى، مساء الخميس، من المصادقة عليه «فصلا.. فصلا». ويتعين أن يصادق ثلثا أعضاء المجلس التأسيسي (145 نائبا من أصل 217) على الدستور «في قراءة أولى»، من أجل تمريره. وإن لم يحصل الدستور على ثلثي أصوات النواب، يجري عرضه على التصويت مرة ثانية. وإن لم يصوت على الدستور ثلثا أعضاء المجلس في «قراءة ثانية»، يطرح على استفتاء شعبي. «الشرق الأوسط» التقت مية الجريبي الأمينة العامة للحزب الجمهوري، التي قالت إن الدستور الجديد يرقى إلى مستوى انتظارات تونس ما بعد الثورة؛ سواء من حيث ضمان الحريات الفردية والعامة أو غيرها من المسائل السياسية والاجتماعية. وأكدت الجريبي أن الانتقال الديمقراطي في تونس لن ينجح إلا بالتوافق بين مكونات الساحة السياسية. الأمينة العامة للحزب الجمهوري أكدت أن أهم ما تحقق بعد ثلاث سنوات من رحيل نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي هو أن التونسيين رفعوا رؤوسهم، وتحققت لهم حرية الإعلام وحرية التعبير، وتزايد الآمال، حيث إن المسيرة تتواصل من أجل الحق والكرامة. وأضافت الجريبي أنه بعد ثلاث سنوات، فإن الشباب الذي قام بالثورة ينتفض في الجهات نفسها من أجل المطالب نفسها، ويواجه بالقوة نفسها، فلا التنمية ولا التشغيل تحققا، أضف إلى ذلك أننا عشنا أزمة سياسية خانقة نتلمس الآن طريقنا للخروج منها، وعلى الرغم من أننا انتهينا من كتابة الدستور، فإن الآفاق لا تزال ضبابية. وفي ما يلي نص الحوار: * ما المطلوب لاستكمال تحقيق أهداف الثورة؟ - المطلوب هو الاستجابة لما ينتظره التونسيون؛ العيش الكريم بكل أسبابه، التنمية والتشغيل، وهذا لا يتحقق بين عشية وضحاها، المطلوب عاجلا اتخاذ إجراءات عملية وعاجلة للتخفيض من الأسعار ومراجعة قانون المالية، والمطلوب من حكومة المهدي جمعة هو أن تكون محايدة بحق ومستقلة، وأن توحد التونسيين ضد الإرهاب، وأن تقطع مع منظومة المحاباة بمراجعة التعيينات في الإدارة، والمطلوب أيضا أخذ البلاد إلى انتخابات حرة ونزيهة في مناخ آمن يفسح المجال أمام التنافس المتكافئ. * ما هي في رأيك الأخطاء التي ارتكبتها حكومة علي العريض التي استقالت أخيرا؟ - هذه الحكومة لم تنصت إلى الشعب، ولم تفكر في تحقيق الأهداف التي ضحى الشباب بحياته من أجلها، فقد تعاطى أعضاء الحكومة مع الوضع السياسي من زاوية حزبية ضيقة، وليس من زاوية وطنية، وفتحوا على أنفسهم كل الواجهات، ولم يعبروا عن نفس ديمقراطي؛ فواجهوا المعارضة والمجتمع المدني والإعلام والنقابات، ورفضوا الانفتاح على الرأي الآخر، كما تعاملوا مع الإدارة على أساس أنها غنيمة يجب الاستحواذ عليها، وتعاملوا مع السلطة على أنها هدف لا بد من المحافظة عليه على مدى طويل، وأغفلوا تماما قضايا التنمية والتشغيل. * كيف يبدو لك الدستور في صيغته النهائية، وهل أنت راضية عن محتواه؟ - لقد أخذ المجلس التأسيسي مدة أطول بكثير مما كان مطلوبا، والسبب هو سوء إدارة الحوار داخل المجلس، ولكن مراحل بلورة الدستور مرت بمراحل مختلفة من أهمها حوار قرطاج الذي شارك فيه الحزب الجمهوري مع أحزاب أخرى، إلى جانب حزب النهضة، وكنا توافقنا فيه على عدد من المسائل الجوهرية التي تهم الحريات والتوازن والفصل بين السلطات، وتواصل الحوار في عدد من الأطر الأخرى بعد ذلك، لنصل إلى دستور كان في أهم خطوطه في مستوى انتظارات تونس ما بعد الثورة؛ سواء من حيث ضمان الحريات الفردية والعامة، أو السعي إلى ضمان التوازن بين رأسي السلطة التنفيذية، أو في عدد من المسائل الأخرى ومنها المتعلقة بالمكاسب التي حققتها المرأة التونسية، التي ينص الدستور على ضرورة تطويرها، وهذه مفخرة للتونسيين. * ما مدى أهمية التوافق في إدارة المرحلة؟ وهل هو اختيار أم ضرورة؟ - التوافق مسألة أساسية وضرورة لا يمكن للانتقال الديمقراطي أن ينجح من دونها؛ فنحن الآن في مرحلة انتهت فيها الشرعية الانتخابية والأخلاقية للفريق الحاكم الذي انبثق عن انتخابات 23 أكتوبر (تشرين الأول) 2011، وهذه المرحلة لا يمكن فيها لأي طرف أن يزعم أنه صاحب شرعية باعتبار أننا لم نخض بعد انتخابات جديدة، فكيف تُدار هذه المرحلة إذا أردنا أن نحصّن تونس ضد العنف والانقلابات والإرهاب؟ ليس أمامنا إلا التوافق بين مختلف الفرقاء، وأساسا حركة النهضة ومعارضيها، حتى نتمكن معا من استكمال شروط تجاوز هذه المرحلة، والسير بالبلاد إلى انتخابات حرة ونزيهة، والتوافق هو الوصفة الوحيدة التي تمكّننا من إنجاح الانتقال الديمقراطي، وبالتالي إنجاح الثورة، وهذا ديننا تجاه شهدائنا. * كيف قرأت استقالة حكومة علي العريض؟ وهل استفادت حركة النهضة أم تضررت من هذه الاستقالة؟ - هذه الاستقالة كانت ضرورة تحتمها الأزمة السياسية التي تردت فيها البلاد منذ اغتيال الشهيد محمد البراهمي، فقد وحدت المعارضة شرائح واسعة من المجتمع للضغط على هذه الحكومة حتى تستقيل، ولطرح حوكمة جديدة تقوم على التوافق وتسير بالبلاد إلى انتخابات حرة ونزيهة. الأكيد أن حركة النهضة فقدت الكثير من شعبيتها، وهذا يعاينه كل مراقب، فقد خيبت آمال جزء كبير من ناخبيها، ولم تحقق لتونس الاستقرار المطلوب، وأشير هنا إلى أنه بقدر ما كانت المعارضة موحدة أيام اعتصام الرحيل، تشتت قواها أثناء الحوار الوطني، وهو ما فتح المجال أمام حركة النهضة لفرض مرشحها على الحوار الوطني في تغييب كامل للمعارضة. * ما تعليقك على مقولة راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة «تركنا الحكومة ولم نترك الحكم»؟ - بالمعطيات الموضوعية هم تركوا الحكومة، ولكن ما زالوا في المجلس التأسيسي، وهذا المعطى أتمنى أن يكون هو مقصد الشيخ راشد الغنوشي. * ومقولة الرئيس منصف المرزوقي الذي قال: «لن أسلّم الرئاسة إلا لرئيس منتخب»؟ - نحن في الحزب الجمهوري عبرنا مبكرا عن موقفنا من التنظيم المؤقت للسلط العمومية الذي جرد رئيس الجمهورية من سلطاته، وهذا مخالف للديمقراطية وضرب لهدف من أهداف الثورة. من ناحية أخرى، نعتقد أن الأزمة السياسية في تونس تتصل بالأساس بالحكومة بدرجة أولى، وبالمجلس التأسيسي بدرجة ثانية، وبالتالي فإن الحل يكمن في حكومة جديدة ببرامج حازمة، وبنسق جديد وحوكمة أخرى في المجلس التأسيسي لنستكمل القوانين المتعلقة بالانتقال الديمقراطي في أسرع وقت، وبالتالي فإن تصور الحزب الجمهوري لمنظومة رئاسة الجمهورية هو أن يكون لنا رئيس جديد بعد انتخابات حرة وعبر صندوق الاقتراع يجسد اختيار التونسيين، وليس عبر اتفاقات أو صفقات. * ما المطلوب من حكومة المهدي جمعة؟ وما الصعوبات التي يمكن أن تواجهها؟ - تعيين السيد المهدي جمعة لم يكن توافقيا، وكان ذلك سبب انسحاب الحزب الجمهوري من الحوار الوطني لكن في هذا الوضع المتأزم نرنو إلى الإيجابية والدفع إلى الأمام، فنقول إننا نتمنى لرئيس الحكومة المكلف النجاح في مهمته الصعبة، وذلك عبر الاستجابة الدنيا للانتظارات، وهي أن تكون مكونات هذه الحكومة من غير مكونات حكومة الترويكا الفاشلة، وأن يلتزم أعضاؤها بعدم الترشح للانتخابات المقبلة، وأن تحقق برنامجا توافقيا يمر عبر إجراءات عاجلة على المستوى الاجتماعي، وحلّ رابطات حماية الثورة، ومراجعة التعيينات في الإدارة وعبر تسليط الضوء على الاغتيالات التي هزت وجدان التونسيين. * ألا ترين أن الطبقة السياسية قد أضاعت وقتا طويلا على البلاد بسبب الصراع والتناحر؟ - بالتأكيد أضعنا كثيرا من الوقت، وتونس تعيش انتقالا ديمقراطيا صعبا للغاية، وهنا أذكّر بأن الحزب الجمهوري كان عارض منذ البداية فكرة المجلس التأسيسي لوعيه بالمخاطر المحيطة بخارطة الطريق هذه، ولكن أيضا وعلى الرغم من كل الصعوبات، وعلى الرغم من الوقت الضائع، فإن كل مقومات النجاح ما زالت ممكنة، وسنسعى من موقعنا كحزب جمهوري للمساهمة بكل جهودنا في ضمان هذا النجاح، ولتسير البلاد إلى وضع المؤسسات الديمقراطية الدائمة. * هل أنتِ متفائلة بمستقبل تونس؟ - طبعا متفائلة؛ أولا لأنه ليس سياسيا من لا يكون متفائلا، فالتفاؤل هو الدفع الدائم إلى الأمام والاستفادة من العثرات، أنا متفائلة لأن تونس تزخر بالطاقات الشبابية والنسائية التي تؤمنها ضد كل المنزلقات، وأنا أيضا متفائلة لأن التونسيين يبقون على الرغم من كل المحاولات اليائسة موحدين في وجه كل المخاطر، ووحدة التونسيين هي صمام الأمان لنجاح الانتقال الديمقراطي.