عرضت حركة النهضة التونسية ذات المرجعية الإسلامية، خطة قالت إنها تهدف إلى الخروج من الأزمة السياسية، الناشبة، عقب اغتيال النائب المعارض محمد البراهمي بالرصاص يوم الخميس الماضي، أمام منزله وهو الاغتيال الثاني خلال ستة أشهر بعد مقتل المعارض شكري بلعيد بالطريقة نفسها. وفي حين واصلت المعارضة التونسية احتجاجاتها للمطالبة بحل المجلس التأسيسي وإسقاط الحكومة، دعت المعارضة مية الجريبي قوات الأمن إلى التعقل وضبط النفس في التعامل مع المحتجين، كما دعت إلى الوقوف في وجه الدعوات الخطيرة لتدخل الجيش في الشأن السياسي. وأكدت حركة النهضة الحاكمة، أنها مستعدة للجلوس حول مائدة للحوار لإيجاد حلول تخرج تونس من الوضع المتأزم الذي يطبع العلاقة بين الحكومة والمعارضة. وعارضت في المقابل دعوات أحزاب المعارضة إلى حل المجلس التأسيسي (البرلمان) وأبدت مرونة أكبر في ما يتعلق بإجراء تعديل على مستوى التركيبة الحكومية وتوسيع قاعدة السلطة بإشراك أكثر من طرف سياسي. وفي هذا الشأن قال عبد اللطيف المكي وزير الصحة في حكومة علي العريض، القيادي في حركة النهضة ل«الشرق الأوسط» إنه استنادا إلى روح النقاشات التي دارت بين قيادات الحركة التي تقود البلاد منذ أكثر من سنة ونصف السنة، فإن إجماعا قد حظيت به الدعوة إلى استئناف الحياة الدستورية وعدم المساس بالمجلس الوطني التأسيسي (الهيكل الوحيد المنتخب) في مقابل إمكانية إعادة النظر في تشكيلة الحكومة الحالية. وأضاف موضحا أن حركة النهضة اقترحت على بقية الشركاء السياسيين إنهاء انتخاب أعضاء الهيئة العليا المستقلة خلال يومين أو ثلاثة أيام على أقصى حد، وإقرار مبادرة بين الأحزاب السياسية تقضي بالمصادقة على مسودة الدستور في ظرف أسابيع قليلة لا تتجاوز في كل الحالات منتصف أغسطس (آب) القادم. كما أكد المكي الاتفاق حول تحديد موعد ثابت للانتخابات بتوافق حقيقي بين المجلس التأسيسي والحكومة والهيئة العليا المستقلة للانتخابات بالإضافة للاتفاق على إنهاء أعمال المجلس التأسيسي يوم 23 أكتوبر (تشرين الأول) 2013 إلى جانب بحث الضمانات القانونية والدستورية لكل الأطياف السياسية بتنظيم انتخابات شفافة ونزيهة. وأشار عبد اللطيف المكي وهو أحد أعضاء مجلس الشورى في حركة النهضة إلى أن التحريض على الاحتجاج والتظاهر ليس له غايات وطنية كما يتردد، بل إن الأطراف الداعمة له تسعى إلى إدخال البلاد في حالة من الفوضى هي في غنى عنها. وأضاف أن الإجهاز على المجلس التأسيسي السلطة المنتخبة الوحيدة والدعوة إلى حله ستفضي إلى إجهاض مسار الانتقال الديمقراطي وتهيئة المناخ المناسب لعودة الاستبداد والديكتاتورية. من ناحيتها، أشارت مية الجريبي الأمينة العامة للحزب الجمهوري المعارض إلى أن حزبها لا علم له بأي طرح سياسي جديد، للخروج من الأزمة، أو الدعوة لأي حوار بين حركة النهضة، وبقية الأحزاب السياسية. وقالت إن حركة النهضة لا تزال تقدم خطابا تبريريا غير مجد. وأوضحت ل«الشرق الأوسط» أن تونس في حاجة إلى علاقات سياسية جديدة في أعقاب التجربة الفاشلة التي تلت الثورة. وانتقدت الجريبي وتيرة عمل المجلس التأسيسي، وقالت إن الحزب الجمهوري بإمكانه النظر في حل للخروج من الأزمة الخانقة التي تعيشها تونس إذا عرضت عليه سلة كاملة من الحلول وهو متمسك بتشكيل حكومة إنقاذ وطني وبرنامج إنقاذ وطني وخارطة طريق واضحة تتضمن مواعيد سياسية محددة، فإنها حينها ستنظر في حل المجلس التأسيسي من عدمه. وأضافت الجريبي أن الحزب الجمهوري الذي تربى على القيم الديمقراطية لا يمكنه الموافقة على اقتحام مقرات السيادة ويتمسك بحقه في الاحتجاج والتظاهر السلمي والمدني. وردا على الدعوات المشككة في حياد قوات الأمن وإمكانية تدخل المؤسسة العسكرية في الشأن السياسي، دعت الجريبي قوات الأمن إلى التعقل وضبط النفس في التعامل مع المحتجين كما دعت إلى الوقوف في وجه الدعوات الخطيرة لتدخل الجيش في الشأن السياسي. وفي ظل هذه الظروف السياسية التي يطبعها التجاذب الحاد، أخلت قوات الأمن التونسي ساحة باردو المقابلة للمجلس التأسيسي فجر أمس من المحتجين باستعمال القوة وذلك بعد تراشق بالحجارة والمقذوفات الصلبة بين المدافعين عن الشرعية والمعتصمين المطالبين بحل المجلس التأسيسي. وفي هذا الشأن قال سمير الطيب النائب البرلماني عن المسار الديمقراطي الاجتماعي المعارض الذي كان من بين المعتصمين ل«الشرق الأوسط» إن قوات الأمن وبعد مناوشات جرت بين الطرفين، نزعت خيام الاعتصام وأزالت آثاره. وأضاف أن «ما وقع كان مفتعلا» واعتبره «مؤامرة لإزالة خيام المعتصمين». وأشار إلى أنه تم التقدم بطلب فوري إلى وزارة الداخلية لإبعاد أنصار الشرعية عن المعتصمين حتى لا توجد مبررات لتدخل أعوان الأمن. وقال إن المحتجين حصلوا على ترخيص قانوني من وزارة الداخلية للاعتصام السلمي أمام المجلس التأسيسي وأضاف أنهم عادوا ظهر أمس مجددا إلى الاعتصام بعد إخلاء المكان فجر نفس اليوم. ويتهم المحتجون حركة النهضة بالتورط في الاغتيالات السياسية، لكن الحركة تنفي ذلك بشدة. وتحولت ساحة باردو التي تبعد بضعة كيلومترات فقط عن قلب العاصمة إلى ما يشبه «ميدان تحرير» الشهير معقل الاحتجاجات في مصر، حيث غصت بالمتظاهرين المطالبين بحل المجلس وإسقاط النظام. وتشهد أيضا عدة مدن تونسية مسيرات احتجاج ليلية لإسقاط النظام، وشهدت مدينة سيدي بوزيد مسقط رأس محمد براهمي مواجهات عنيفة بين الشرطة والمحتجين. ودخل أيضا العشرات من نواب المعارضة المنسحبين من المجلس التأسيسي في اعتصام مفتوح أمام المجلس للمطالبة بحله وأقاموا خياما. وفي حين توالت انسحابات النواب المنسحبين من المجلس التأسيسي، دعا مصطفى بن جعفر رئيس المجلس، في كلمة بثها التلفزيون العمومي (الوطنية الأولى) ليلة السبت أعضاء البرلمان المنسحبين إلى العودة إلى المجلس لأن «الشعب كلفهم بمهمة لم يكملوها بعد». وقال: «كل المقترحات والحلول وكل القضايا يمكن طرحها في جو من التسامح والحوار المتبادل». وأضاف بن جعفر: «لا بد من إيقاف العنف والتصدي لكل المنظمات والروابط التي تنادي بالعنف في خطوة ضرورية لطمأنة التونسيين وتأمين ظروف جدية لإجراء الانتخابات القادمة». وقال إن موعد 23 أكتوبر يمكن أن يكون مناسبا للانتهاء من كل أعمال المجلس التأسيسي. من جهة ثانية، قال قيادي في جبهة الإنقاذ التي تضم عدة أحزاب علمانية معارضة للحكومة في تونس أمس، إن الجبهة ستناقش في وقت لاحق، تشكيل حكومة إنقاذ وطني واختيار شخصية مرشحة لمنصب رئيس وزراء في تصعيد جديد للازمة. وقال الجيلاني الهمامي وهو قيادي في حزب العمال وجبهة الإنقاذ ل«رويترز»: إن «جبهة الإنقاذ ستجتمع مساء اليوم (أمس) وستناقش تشكيل حكومة جديدة وستدرس تعيين مرشح لمنصب رئيس وزراء خلفا لهذه الحكومة الفاشلة التي لم يعد هناك شك على أن موعد رحليها قد حان». وخلافا للخطوات المتسارعة لإيجاد حلول للأزمة السياسية، دعا الجيلاني الهمامي القيادي في تحالف الجبهة الشعبية في تصريح لوكالة الأنباء التونسية الرسمية أنصار المعارضة إلى احتلال مقرات المعتديات (السلطة المحلية) والولايات (المحافظات التي تمثل السلطة في الجهات) والاعتصام بها في انتظار حسم أمر التعاطي مع السلطة المركزية. وفي مدينة الكاف (160 كلم شمال غربي تونس) تعرض مبنى منطقة الأمن لهجوم بالزجاجات الحارقة ليلة السبت وهوجم المقر ليلا من قبل شبن تتراوح أعمارهم بين 15 و18 سنة وعددهم بين 50 و70 شابا، حسب مصادر أمنية، إلا أن قوات الأمن تصدت لهم وقبضت على البعض منهم. وتواصلت في مدينة قفصةجنوب غربي تونس الاحتجاجات لليلة الثالثة على التوالي إثر مقتل محمد بالمفتي وهو أحد قيادات الجبهة الشيعية المعارضة، في مسيرة احتجاج على اغتيال البراهمي. وطالب المحتجون بتنحية الوالي (المحافظ) وإسقاط النظام القائم وتدخلت قوات الأمن لتفريقهم وألقت القبض كذلك على البعض منهم.