وسط تعتيم إعلامي رسمي في معظم الأحيان وتصريحات متضاربة لمسؤولين في أحيان أخرى، ومعلومات لا تصمد أمام الواقع من جهات وأشخاص محسوبين على المناطق، تتصدر بين الفينة والأخرى، إضافة إلى الحملة الإعلامية التي تبثها ما تسمى بقناة الخضراء التابعة لأعوان النظام السابق، تظل أحداث بعض المدن الليبية رهن التكهنات والتخمينات، بل ونهباً لأصحاب الأجندات الذين يسخرونها ويصورنها بحسب توجهاتهم. الأيام الأخيرة شهدت صعوداً لمؤشر الحديث عن أعوان النظام السابق وزيادة تحركاتهم خاصةً في منطقة الجنوب الليبي التي تضم خمس مدن كبيرة تمتد على مساحة هائلة وتسكنها عدة مكونات، أحياناً تتقارب وأحياناً تتنازع بحسب معطيات الواقع والمصالح. السيد السنوسي بسيكري من أبرز المحللين والناشطين السياسيين في ليبيا يقول: شكّل الجنوب الليبي أحد أهم إخفاقات سلطة فبراير، حيث بدأ وضع الجنوب وكأنه لا يمت للجغرافيا الليبية والأمن القومي الليبي خاصة خلال العام 2013، وبعد انسحاب مسلحين قدموا من الشرق ممثلين في القوات الخاصة ودرع ليبيا والذين تمركزوا في نطاق سبها والكفرة ونجحوا في ضبط الوضع الأمني نسبيا. من أبرز تعقيدات الوضع في الجنوب أنه أصبح مسرحا لصراعات جهوية وأيديولوجية وتدخلات أجنبية ارتبطت بالتطورات في مالي، وعبر عنها لوران فابيوس، مسؤول الدبلوماسية الفرنسية في حزيران/ يونيو الماضي، بقوله ان الجنوب الليبي بات يشكل خطرا على استقرار العديد من الدول الأفريقية والمصالح الفرنسية، في إشارة لنشاط بعض المجموعات الإسلامية المتشددة، وان إجراءات ينبغي أن تتخذ حيال هذا الوضع. من جهة أخرى، كشفت الأحداث خلال الأسبوع الماضي أن أنصار نظام القذافي لا يزال لهم وجود ونفوذ، وذلك من خلال قدرتهم على المناورة والسيطرة على بعض المواقع العسكرية، حيث يتزامن ذلك مع غياب حقيقي للدولة على المستوى العسكري، وارتباك كبير على المستوى السياسي يتعلق بالجدل حول بقاء المؤتمر الوطني ومناورات إسقاط الحكومة، حيث كان لها انعكاس مباشرعلى أداء أجهزة الدولة الأمنية والعسكرية. تقول عائشة وهي من سكان منطقة المنشية من قلب الحدث بسبها: إن هناك حضوراً واضحاً لأنصار القذافي في مدن الجنوب وليس سبها فقط، وهذا ليس بخاف على أحد. وانهم تمكنوا من السيطرة على أكبر قاعدة جوية في جنوب ليبيا ‘قاعدة متنهنت ‘ وسيطروا على منطقة الشاطىء حتى بوابة سبها وانهم يرفعون أعلام النظام السابق في الضواحي ولديهم أسلحة ثقيلة. وحملت عائشة الحكومة الليبية مسؤوولية ما يجري هناك بسبب فشلها وغيابها أو حضورها المحرض لطرف ضد طرف آخر، أو غير القادر على التواصل الحقيقي مع مكونات المنطقة وفهم تشابكاتها وتعقيداتها. وأكدت عائشة أن المتعاطفين مع أعوان النظام السابق هم من أهالي المنطقة الذين ذاقوا الأمرين بسبب وجود عصابات نهب وقتل وسرقة وسيطرة مجموعات التبو وبعض أفراد قبيلة أولاد سليمان وتغولها بعد ثورة 17 فبراير ‘خاصةً التبو' وسيطرتهم على أماكن كثيرة نتيجة دعم الدولة الليبية لهم وتحريضهم على الانشقاق على القذافي مقابل مكاسب وغنائم وسلطة ومناصب. وتقول فاطمة ان هذه التوافقات تمت بواسطة أولاد سليمان وهي من أكبر القبائل في سبها، إلا أن التبو شعروا أن الدولة خذلتهم ولم تف بوعودها معهم ما دفعهم للتمرد عليها في كثير من الأحيان والانضمام لأعوان النظام السابق، ربما أيضا نكايةً في قبيلة أولاد سليمان الذين خاضوا ضدها معارك طاحنة في الفترة السابقة لأسباب تضارب المصالح والمنافع. وبينما كانت عائشة تهاتفني استمعت إلى طلقات رصاص وبعد دقائق عادت فاطمة لتخبرني أنه تم قتل أربعة أشخاص بعد خروجهم من المسجد. تقول عائشة أن هناك قبائل استقوت على قبائل وقامت بإذلالها بعد ثورة 17 فبراير هؤلاء يحملون الضغائن والأحقاد وردود الأفعال خاصة في غياب مصالحة وطنية حقيقية. تقول فاطمة من الأساس هناك أعداد من أهل الجنوب لم ينضوا تحت لواء الثورة وإنما قبلوا مرغمين بالأمر الواقع وتعايشوا معه. خاصةً إذا علمنا أن من القبائل الكبيرة في سبها قبيلة القذاذفة أبناء عمومة القذافي والمقارحة أبناء عمومة رئيس المخابرات الليبي السابق عبد الله السنوسي المسجون في طرابلس حاليا مواجهاً تهماً عديدة منها قتل 1400 سجين في مذبحة سجن أبي سليم. يقول عبد الله إعلامي من سبها، بالأمس تم قتل نقيب الصحافيين في سبها عبد الله بن نزهة، واليوم الذي سبقه تم اختطاف ثلاثة إعلاميين من تلفزيون فزان أطلق سراحهم لاحقاً. يقول عبد الله ‘دماء أهالي الجنوب في رقبة الدولة الليبية التي لم تفعل شيئا تجاه هذا الإقليم الحيوي الخطير المتشابك المعقد المكونات. هذه الظروف تعطي الفرصة لأعداء ثورة فبراير كي ينتعشوا ويجدوا قبولا بين الناس المتذمرة من الأوضاع السيئة التي طالت كل جانب في حياتهم. أيضاً منطقة العجيلات شهدت ظهوراً لموالين للنظام السابق حملوا الرايات والصور. تقع منطقة العجيلات على مسافة 84 كم غرب مدينة طرابلس العاصمة. يسكنها عدد من القبائل المختلطة بين العربية الشريفة والأمازيغية المتعربة ويبلغ عدد سكانها 110 الاف نسمة تقريباً وتبلغ مساحتها حوالى 15 ألف كيلو متر مربع، يقول الدكتور مختار الجدال أستاذ جامعي وعضو المجلس الانتقالي السابق عن منطقة العجيلات: ‘انضم بعض شباب المنطقة لثورة 17 فبراير مبكراً والتحقوا بصفوف الجبهات المقاتلة التي انتظمت ضد نظام القذافي وبعد تحرير العاصمة تم تحرير منطقة العجيلات على يد أبنائها الذين التحقوا بالثورة'. واضاف ‘بالرغم من المواجهة القوية التي قوبل بها تحرير المنطقة لم يرض ثوارها تفتيش البيوت وتطهير المنطقة من فلول النظام الذين اختبأوا في المزارع المحيطة بالمنطقة، خاصة الجنوبية الغربية منها.. بقي الحال على ما هو عليه طيلة السنتين الماضيتين، غير أن الأمر تغير مع ظهور تحريض من قبل المدعو حمزة التهامي يحث على التحرك لإعادة حكم عائلة القذافي. مما أثر في أولئك المختبئين طيلة هذه الفترة وانضم إليهم عدد من أشباههم من مناطق الجميل ورقدالين واستغلوا طيبة الثوار وحاولوا السيطرة على وسط المدينة .. غير أن ثوار المنطقة تنادوا وساعدهم في ذلك ثوار منطقة صبراتة بقيادة الشيخ عمر المختار المدهوني ودحروا هؤلاء الشرذمة التي تكونت من عدد عشرين مركبة تحمل الرشاشات .. حيث جرح ثمانية نقلوا إلى مستشفى الجميل وتم أسر عشرة واستشهد اثنان من ثوار المنطقة'. ‘أما منطقة قبائل ورشفانة وهي تضم مناطق العزيزية، السواني، العامرية، الزهراء والمعمورة فقد شهدت ظهوراً محدوداً لموالين للنظام السابق لم تتعد أعدادهم عشرين شخصا' كما يقول السيد عاشور التليسي من أعيان قبائل ورشفانة ومسؤول الحوار الوطني في المنطقة الغربية. واضاف ‘أنهم قاموا برفع الرايات وصورة الرئيس السابق، إلا أن شباب ورشفانة الثائر قاموا بمهاجمتهم وحرق الصور والرايات في وقت قصير. وانتهت الأمور عند هذا الحد'. وقال ‘إلا أننا فوجئنا نهار الاثنين وقبله بهجوم ميليشيات مسلحة من منطقة سوق الجمعة وجنزور. قد جاؤوا مدججين بالأسلحة الثقيلة وهاجموا المناطق الآهلة بالسكان ما أدى إلى مقتل ثمانية أشخاص وجرح عشرين آخرين. إلا أن أهالي المنطقة تمكنوا من دحرهم و ردهم على أعقابهم'. وكشف التليسي أن رئيس الحكومة الليبية علي زيدان اعترف لأعيان مناطق ورشفانة الذين التقوه أن هؤلاء المهاجمين وهذه التشكيلات المسلحة لا علاقة للدولة الليبية بها، ولم تصدر لها أية أوامر من الدولة للهجوم على مناطق ورشفانة. وأكد التليسي ل'القدس العربي' أن الأوضاع قد عادت إلى هدوئها في كل مناطق ورشفانة التي تبعد عن طرابلس حوالى 40 كيلو مترا ويسكنها حوالى 700 ألف نسمة، وهي تعد من أكبر ثلاث قبائل في ليبيا: ورفلة وترهونة وورشفانة. ونفى التليسي في ختام تصريحه أن يكون هناك أي نزوح للأهالي باتجاه الحدود التونسية كما رددت بعض وسائل الإعلام.