في التاسع من ديسمبر (كانون الأول) 2013، استهل وزير الدفاع الأميركي تشاك هيغل زيارته لباكستان بزيارة قصيرة لرئيس أركان الجيش الباكستاني الجديد، الجنرال راحيل شريف، في مكتبه الكائن بالمقر الرئيس للقوات المسلحة الباكستانية في روالبندي. وكانت الرسالة التي يحملها هيغل واضحة وبسيطة ألا وهي: عليكم أن تستعيدوا الطريق الذي تصل من خلاله الإمدادات إلى قوات حلف شمال الأطلنطي والذي يمر في إقليم خبر بختونخوا (الواقع على الحدود مع أفغانستان)، والذي جرى غلقه منذ أسبوع بسبب الاحتجاجات السياسية، وإلا فسوف تخسرون المساعدات العسكرية والاقتصادية التي تُقدر بمليارات الدولارات. كانت هذه هي المرة الأولى للجنرال راحيل شريف التي يقابل فيها مسؤولا من واشنطن، أو بالأحرى المرة الأولى التي يستقبل فيها شريف مسؤولا رفيع المستوى من بلد أجنبي. وعلى الرغم من أنه يتمتع بمسيرة طويلة ومرموقة كضابط عسكري، فإنه لم يتبوأ في يوم من الأيام منصبا يوفر له فرصة الالتقاء بدبلوماسيين أو مسؤولين في الخارجية أو حتى مسؤولين عسكريين من دول أجنبية. وقد شهد العقد الماضي صعودا غير مسبوق في مكانة الجيش الباكستاني كواحد من أهم اللاعبين الدوليين، ويرجع ذلك بالأساس إلى الدور المحوري الذي لعبه في الحرب ضد الإرهاب. وقد وفر ذلك الدور الذي لعبه الجيش الباكستاني الفرصة لقادته للسفر حول العالم خلال مساعيهم لمناقشة الوضع الأمني على المستويين الاستراتيجي والإقليمي مع المسؤولين في كل عواصم العالم. يقول مسؤول عسكري رفيع المستوى إنه على الرغم من ذلك، ظل الضباط المحترفون، من أمثال الجنرال راحيل شريف، منشغلين خلال تلك الفترة بوضع الاستراتيجية العسكرية للدفاع عن بلادهم، بدلا من التفاعل مع مؤسسات السياسة الخارجية في عواصم العالم. ولهذا لم يكن من المستغرب أنه عندما انتهى لقاء شريف الأول مع وزير الدفاع الأميركي، الذي دام لأكثر من ساعة، لم تجد إدارة العلاقات العامة بالجيش الباكستاني شيئا تنقله إلى وسائل الإعلام. وبعكس ما هو معتاد بعد مثل هذه اللقاءات، لم تصدر أي تقارير إعلامية عن اجتماع الجنرال شريف مع وزير الدفاع الأميركي. ولذلك قامت الصحف الباكستانية في اليوم التالي بنشر التقارير المتعلقة بزيارة وزير الدفاع الأميركي لإسلام آباد من منظور اجتماعه مع رئيس الوزراء نواز شريف. وكانت مفاجأة كبيرة للمحللين السياسيين أن وسائل الإعلام الباكستانية لم تلق بالا ولم تعط أي أهمية للقاء وزير الدفاع الأميركي بالجنرال راحيل شريف. ولا شك أن ذلك يبدو على النقيض تماما من الفترة التي كان يشغل فيها الجنرال إشفاق برويز كياني منصب رئيس أركان الجيش الباكستاني. فقبل أن يتولى الجنرال كياني منصب قائد الجيش، عمل رئيسا لوكالة الاستخبارات الباكستانية لفترة دامت ثلاثة أعوام، وقد مكنه هذا المنصب من أن يكون على اتصال بالمؤسسات الأمنية ومؤسسات السياسة الخارجية حول العالم حتى قبل أن يتولى منصب قائد الجيش في باكستان. على الجانب الآخر، ظلت تعيينات الجنرال راحيل شريف في التسلسل الوظيفي في الجيش الباكستاني محصورة في المهام المتعلقة بالشؤون العسكرية. فعندما جرى ترقيته إلى رتبة عميد، أصبح شريف قائدا لفرقتي مشاة. كما تولى شريف منصب القائد العام للواء مشاة وقائد الأكاديمية الحربية الباكستانية. وبعد ترقيته إلى رتبة الفريق، خدم شريف لمدة عامين كقائد فيلق في الجيش الباكستاني حتى تولى منصب المفتش العام للتدريب والتقييم والذي كان فيه على صلة بالإشراف على التدريب في الجيش الباكستاني. لكن الواقع يقول إن العمل الذي كان يقوم به شريف شكل أهمية كبرى لمجالي الأمن والدفاع في باكستان. ويصف المطلعون على شؤون الجيش الباكستاني دور الجنرال راحيل شريف بالدور الاستراتيجي المهم، حيث كان يقوم شريف بوضع خطة رد باكستاني مناسب على «استراتيجية البداية الباردة» التي طورها القادة العسكريون في الهند لمعاقبة باكستان عسكريا بعد الهجمات الإرهابية التي جرى تنفيذها في الهند. وفي الوقت نفسه، يُوصف الجنرال راحيل شريف في الدوائر العسكرية بأنه ينتمي لمدرسة فكرية في الجيش الباكستاني ترى أن التهديد الرئيس لبقاء باكستان يأتي من الداخل وليس من مصادر خارجية. يقول العميد المتقاعد شوكت قدير، المحلل العسكري الذي يعرف الجنرال راحيل منذ كان صغيرا، «يخبرنا المتحدث العسكري أنه انطلاقا من منصبه كمفتش عام للتدريب والتقييم، فقد وضع راحيل خطة رد باكستاني مناسب على (استراتيجية البداية الباردة) الهندية، كما أوضح حقيقة أن التهديد الداخلي هو الأخطر بين كل التهديدات التي تتعرض لها باكستان. وقد تابع راحيل تلك الاستراتيجية من خلال تصميم الرد المناسب على ذلك التهديد، وهذه تُعد إنجازات مهمة في حقيقة الأمر». ويشير المطلعون على بواطن الأمور في الجيش الباكستاني إلى أن الجنرال راحيل لعب دورا رئيسا في إعادة تصميم برامج التدريب لوحدات الجيش الباكستاني حتى تتلاءم مع مواجهة الإرهاب الداخلي. ومنذ عشرة أعوام، كان الجيش الباكستاني جيشا تقليديا بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ، حيث كانت تنصب برامج التدرب الخاصة به على خوض حرب تقليدية مع عدوه اللدود الهند. ويقول المسؤولون العسكريون إن الجيش الباكستاني شهد تحولا كبيرا من نوعه خلال العقد الماضي، حيث تلقت الكثير من وحداته وتشكيلاته الرئيسة تدريبا على عمليات مكافحة التمرد والإرهاب. ويوضح المحللون العسكريون أن التدريب على عمليات مكافحة التمرد والإرهاب سمح للجيش الباكستاني بتحقيق النجاح في عملياته ضد المسلحين في وادي سوات وجنوب وزيرستان في عام 2009، حيث جرى تطهير هذين الإقليمين من العناصر المسلحة منذ ذلك الحين. يقول مسؤول عسكري كبير إن «الجنرال راحيل شريف لعب دورا لا بأس به في تغيير برامج التدريب في الجيش الباكستاني من قوات عسكرية تؤدي مهمة تقليدية إلى قوات مسلحة تقوم بالكثير من المهام العسكرية، والتي يمكنها التعامل مع حالات التمرد وكذلك خوض حرب تقليدية في الوقت ذاته». وبينما يقترب العقد الأول من المشاركة في الحرب ضد الإرهاب من نهايته، فقد تشكل فكر جديد لدى قادة الجيش الباكستاني وهو أن كثرة اعتماد الحكومة الباكستانية على الجيش الباكستاني في تنفيذ عمليات مكافحة الإرهاب والتمرد سوف يصقل قدرات وإمكانات الجيش بحيث يكون قادرا على خوض الحروب التقليدية. وقد صرح مسؤول عسكري كبير ل«الشرق الأوسط» بأن ذلك أثمر عن تطوير برامج التدريب، التي سوف تساعد كثيرا في شحذ القدرات التقليدية وغير التقليدية لتشكيلات الجيش الباكستاني، مضيفا أن «فكر الجنرال راحيل شريف يمثل العمود الفقري لبرامج التدريب تلك». وفضلا عن ذلك، كان الجنرال راحيل شريف طوال مسيرته العملية في قلب برامج التدريب للجيش الباكستاني، قد شغل الكثير من المناصب في المؤسسات التعليمية في الجيش، كما شغل منصب قائد الأكاديمية الحربية الباكستانية. وقبل تعيينه كقائد للجيش، شغل راحيل منصب المفتش العام للتدريب والتقييم في القيادة العامة للجيش الباكستاني. وينتمي الجنرال راحيل شريف إلى عائلة عسكرية، حيث وصل والده محمد شريف إلى رتبة جنرال قبل تقاعده. كما خدم أبناء محمد شريف الثلاثة في الجيش الباكستاني، وقد عُرف الابن الأكبر لمحمد شريف، الجنرال صابر شريف، بأنه بطل حرب خلال الحرب مع الهند في عام 1971، حتى إن الكتب المدرسية للمرحلة الابتدائية في باكستان تتضمن فصلا عن إنجازات صابر شريف خلال الحرب. ويُضيف العميد شوكت قدير، الذي يعد من أهم المحللين العسكريين في باكستان، أن «جميع أبناء الجنرال محمد شريف التحقوا بالخدمة في الجيش الباكستاني. فقد انضم صابر وشريف إلى الكتيبة السادسة التابعة لفوج حرس الحدود التي التحقت بها أنا شخصيا وتوليت قيادتها في يوم من الأيام. أما الابن الثالث، ممتاز، فقد ترك الخدمة في القوات المسلحة مبكرا. وقد نال صابر وسام (سيف الشرف) الرفيع عندما جاء على رأس دفعته في الأكاديمية الحربية الباكستانية، كما نال وسام (نجمة الشجاعة) عندما كان برتبة ملازم أول بفضل الشجاعة التي أبداها على أرض المعركة خلال حرب عام 1965. وفي عام 1971، مُنح صابر أرفع وسام عسكري (نيشان حيدر) بعد مقتله خلال الحرب مع الهند عام 1971، وأصبح بذلك أكثر ضباط باكستان تقلدا للنياشين». وفي الجيش الباكستاني، يجري اختيار الضباط الذين يتمتعون بسيرة مهنية مرموقة لتقديم دورات تدريبية في المؤسسات العسكرية الأجنبية. ويشير العميد شوكت قدير إلى أنه «جرى اختيار الجنرال شريف لإعطاء دورة تدريبية عن (قائد سرية) في ألمانيا، ودورة )أركان حرب( في كندا، وكذلك دورة )حرب( في كلية الدفاع الوطني (التي تحولت إلى جامعة في الوقت الحالي)، كما قدم دورة تدريبية أيضا في إحدى المؤسسات العسكرية البريطانية المرموقة. ويبدو واضحا أن الجيش الباكستاني سعى لإعداد شريف للوصول إلى الرتب العالية». وقد حصل الجنرال راحيل شريف على تعليمه الأساسي في الكلية الحكومية في لاهور ثم التحق بالأكاديمية الحربية الباكستانية. وبعد تخرجه، انضم شريف للكتيبة السادسة التابعة لفوج حرس الحدود عام 1976، التي التحق بها أيضا شقيقه الأكبر صابر. وخلال سنواته المبكرة، أدى شريف الخدمة العسكرية في لواء المشاة بجيلجيت وخدم كذلك كضابط مساعد في الأكاديمية الحربية الباكستانية. وبعد ترقيته إلى رتبة فريق، خدم شريف لمدة عامين كقائد فيلق في الجيش الباكستاني حتى تولى منصب المفتش العام للتدريب والتقييم والذي كان فيه على صلة بالإشراف على التدريب في الجيش الباكستاني. وقد حصل شريف على »هلال الامتياز» وهو ثاني أرفع وسام مدني يجري منحه للمدنيين والعسكريين في القوات المسلحة الباكستانية. والجنرال راحيل شريف قارئ نهم وسباح ماهر وهو متزوج ولديه ثلاثة أبناء، ولدان وبنت. وبعد تولي منصب رئيس أركان الجيش الباكستاني، بدأ الجنرال راحيل شريف في ممارسة المهام الروتينية التي يقتضيها تولي ذلك المناصب مثل ترؤس اجتماع كبار القادة العسكريين في الجيش الباكستاني، وكذلك زيارة رئيس الوزراء ورئيس الدولة، بالإضافة إلى زيارة مقار الوحدات العسكرية الهامة في مختلف المدن في البلاد. ويتفق المحللون السياسيون على أن الجنرال شريف سوف يواجه الكثير من الاختبارات الصعبة خلال الأسابيع المقبلة، كان أحدثها ذلك الاختبار الذي تزامن مع زيارة وزير الدفاع الأميركي تشاك هيغل وهو استعادة الأمن لطرق توصيل الإمدادات لقوات حلف شمال الأطلسي في باكستان، التي جرى غلقها منذ أسبوع بسبب الاحتجاجات السياسية ضد هجمات الطائرات من دون طيار الأميركية ضد المناطق القبلية، وإلا، كما يقول هيغل، فسوف يخسرون المساعدات العسكرية والاقتصادية التي تُقدر بمليارات الدولارات. وهناك أيضا اختبار أكثر أهمية سوف يواجه الجنرال راحيل شريف وهو متعلق بقضية هل سيجري تسهيل انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان أم لا. ويعلق محلل عسكري على تلك القضية بقوله إن «الأميركيين يحتاجون الجيش الباكستاني لسببين.. الأول أنهم يريدون باكستان أن تمارس ضغطا على حركة طالبان حتى تجلس على طاولة المفاوضات، الثاني أن القوات الأميركية ستستخدم الأراضي الباكستانية خلال عملية الانسحاب من أفغانستان». وقد التقت «الشرق الأوسط» بعدد من المحللين السياسيين والعسكريين الذين أجمعوا على أنه على الرغم من المعارضة السياسية الشديدة لأي تحرك يدعم انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان، لا تستطيع الحكومة الباكستانية اتخاذ موقف عدائي ضد واشنطن بسبب تلك القضية. وربما في ظل المشهد السياسي المبهم الحالي، يشكل الأمر معضلة كبرى بالنسبة لرئيس أركان الجيش الباكستاني بشأن ما إذا كان من الأفضل اتخاذ موقف لدعم الأميركيين في أفغانستان أم لا. ولهذا فقد سارع رئيس الوزراء نواز شريف بنفسه لطمأنة وزير الدفاع الأميركي تشاك هيغل بأنه سيجري استعادة الأمن لطرق الإمدادات الخاصة بحلف شمال الأطلسي خلال يومين، بينما قرر الجنرال راحيل شريف ألا يتفوه بكلمة في ذلك الشأن. ويقول المحللون السياسيون إن هناك عاملا آخر ساهم في التزام الجنرال راحيل شريف الصمت بخصوص تلك المسألة المهمة، حيث يقول محلل سياسي «على عكس رئيس الأركان السابق الجنرال إشفاق برويز كياني، لا يمتلك رئيس الأركان الجديد الجنرال راحيل شريف الخبرة الكافية لاتخاذ المواقف فيما يخص قضايا السياسة الخارجية». ويعتقد المطلعون على بواطن الأمور في إسلام أباد أن قلة خبرة الجنرال راحيل شريف في قضايا السياسة الخارجية سوف تمنعه من اتخاذ المواقف بشأن بعض القضايا، من بينها العلاقات مع الهند وإلى حدٍ ما العلاقات مع أفغانستان.