حاول وزير التجارة الأسبق، إسماعيل ڤومزيان، والمحلل السياسي محمد حشماوي، والقانوني مولود بومغر، البحث في تفكيك العلاقة بين طبيعة النظام الجزائري "التسلطية"، وتدهور حالة الاقتصاد الوطني والحقوق السياسية والمدنية في البلاد. وأجمع الثلاثة في نقاش نظمته يومية "الوطن"، أمس، أن البلاد تسير إلى خطر داهم إن لم يستدرك الوضع. وأوضح ڤومزيان أمس بالعاصمة، في إطار "نقاشات الوطن" التي تنظمها يومية "الوطن"، أن النظام التسلطي لوحده لا يؤدي إلى تدهور الاقتصاد، وإنما المزاوجة بينه وبين النظام الريعي هي التي تتسبب في تدهور حالة الاقتصاد، مستعرضا في ذلك تجارب دول عديد عانت من أنظمة تسلطية، لكنها نجحت في بناء اقتصاد قوي، على غرار تركيا وكوريا الجنوبية والصين. وضرب ڤومزيان الذي كان أحد أعمدة حكومة حمروش الإصلاحية في بداية التسعينات، مثالا على ما حصل لكبرى الشركات الوطنية مثل سوناطراك، التي تحولت في ظل المزاوجة بين النظام الريعي والنظام التسلطي، إلى مجرد جهاز لضخ العملة الصعبة في ميزانية البلاد، بعيدا عن أي رؤية اقتصادية تحولها إلى شركة عالمية متفوقة في مجالها. من جانبه، اجتهد أستاذ العلوم السياسية، محمد حشماوي، في تقديم تفسير لظاهرة الفساد في الجزائر، مؤكدا أن النظام بتركيبته غير المفهومة والمعلومة، يوفر الغطاء المناسب لهذه الظاهرة التي تنخر المؤسسات الوطنية. وأطلق حشماوي وصف النظام الموازي على النظام الحالي باعتبار محاولة معرفة طريقة عمله من خلال النصوص الدستورية التي تسيّره غير مجد. وحول الآثار المترتبة عن النظام التسلطي في الجانب القانوني والتشريعي، أكد الباحث القانوني مولود بومغر أن الجزائر تحصي ترسانة قانونية من النصوص القمعية تصل إلى 90 نصا، وهي كلها من إفرازات النظام التسلطي الذي يحاول، حسبه، بشتى الوسائل تأمين امتيازاته وإطالة بقائه في نظام الحكم. وأشار بومغر في مداخلته إلى أن النظام التسلطي في الجزائر وضع دستورا ينص في مواده على احترام حقوق الإنسان، إلا أن النزول بهذه المواد إلى الميدان، يظهر أنها مجرد ديكور للتباهي، دون أي آثار واقعية لها، ما يجعل اعتراف النظام بحقوق الإنسان والحريات مجرد اعتراف شكلي لا غير. وسخر بومغر من تحجج النظام بتحول المسيرات والتجمعات إلى العنف في استمرار قمعها، قائلا: إن ملاعب الكرة هي أكبر تجمعات للعنف فلماذا لا يتم منعها؟ ثم استنتج: "النظام يبرر دائما أفعاله القمعية بالحفاظ على استقرار البلاد، ولكنه في واقع الحال يريد الحفاظ على استقراره، بمنع أي قوة معارضة من النشاط الميداني". وعلق المحاضر على القرارات الأخيرة للرئيس بوتفليقة بحل أجهزة حساسة داخل مديرية الأمن والاستعلامات بالجيش، قائلا: "أرادوا أن يصوروا لنا قرار حل الشرطة القضائية كإنجاز باتجاه تمدين الحكم!". وأضاف:"الحقيقة أن هناك من المراسيم التي مازالت سارية التنفيذ وتبيح للمؤسسة العسكرية التحقيق في القضايا التي لا تفوق قدرة الأجهزة المخولة بذلك، كالشرطة والدرك، فعن أي تمدين يتحدثون؟". وواصل في السياق ذاته مستغربا "حتى الصحافة لازالت مراقبة من العسكر، وما تم رغم الضجة الأخيرة أنه تم إلحاق مراقبتها من مديرية إلى مديرية أخرى فقط".