من الواضح أن جماعة الإخوان كانت تراهن كثيراً على موقف الإدارة الأمريكية بشكل عام، ثم على زيارة وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى للقاهرة أمس الأول، بشكل خاص، إزاء ثورة 30 يونيو، وأنها - أى الجماعة - عندما فوجئت بتصريحات كيرى عقب زيارته قد فقدت ما تبقى من أعصابها! ومن الواضح أيضاً أن الجماعة كانت تتصور أن الولاياتالمتحدة سوف تنحاز إليها ضد الثورة، وعلى حساب واقع قائم وماثل أمام أعيننا، ولا ينكره إلا شخص لا يريد أن يرى الدنيا فى مصر على حقيقتها من حوله! فالبيان الصادر عن «الإخوان» فى أعقاب زيارة «كيرى»، ثم فى عشية محاكمة مرسى، فى قضية قتل المتظاهرين، فيه من الحدة غير المبررة أكثر مما فيه من المرونة الواجبة، وفيه من الاندفاع وراء الرغبة فى السلطة بأى ثمن أكثر مما فيه من عقل عليه أن يحسن قراءة الأوضاع على ما هى عليه أمام عينيه! وأسوأ ما فى البيان أنه يقصر الوطنية على الإخوان وحدهم، وأنه يجعلهم وحدهم كذلك هم الوحيدين الذين يمثلون إرادة الشعب، وهذا إن دل على شىء فلا يدل إلا على أن عقلاء الإخوان، الذين لا نراهم على كل حال، لايزالون عاجزين عن لفت نظر غير العقلاء فيهم إلى أن الوطنية فى البلد ليست حكراً على أحد، ولن تكون، وأن كل مصرى إنما هو وطنى تماماً إلى أن يثبت العكس، بالدليل المحدد وحده لا بالكلام المطلق. وربما يكون الشىء الذى أصاب قادة الجماعة المتشددين بالجنون أن الوزير الأمريكى، فى زيارته القصيرة للغاية، وذات التوقيت الذى أثار علامات استفهام مسبقة كثيرة، قد دعاهم بشكل غير مباشر إلى أن ينتظموا فى العملية السياسية القائمة حالياً فى البلاد، والمعلنة ضمن إطار خريطة الطريق منذ 3 يوليو الماضى. لماذا؟!.. لأن الاستجابة لدعوة كهذه من شأنها أن تضع الإخوان أمام استحقاقات للمجتمع المصرى بأسره، وهى استحقاقات تبدأ بطبيعتها بالاعتذار له كمجتمع عن أعمال عنف مارسوها فى حقه، أو حرضوا عليها، وتمر بالالتزام بتغيير أسلوب وفكر لم يعودا مناسبين لما بعد ثورة شارك فيها 33 مليون مواطن رفضاً للأسلوب الإخوانى وللفكر الإخوانى معاً.. ثم تنتهى الاستحقاقات، التى ترتبها الاستجابة لتلك الدعوة، عند اليقين بأنه لا الاعتذار للمجتمع ولا الالتزام بتغيير الأسلوب والفكر عند التعامل معه سوف يعفيان المتورطين منهم فى عنف، أو فى تحريض عليه، من المساءلة، والحساب فالعقاب. من جديد تثبت «الجماعة» أن ما قاله عنها جمال البنا صحيح، وهو أنها لا تتعلم ولا تنسى.. ومن جديد تبرهن من جانبها على أنها تلعب أى شىء، إلا أن يكون هذا الشىء هو السياسة، التى هى بحق فن الممكن لا المستحيل! "المصري اليوم"