لا تفوت الصحافة الجزائرية في مجملها، مناسبة اندلاع أي خلاف بين بلدها والمغرب، مهما كانت طبيعته ومداه، دون أن تخرج ما في جوفها من قذائف نارية، لا تتناسب قطعا مع اسباب الخلاف القديمة أو الطارئة. وكثيرا ما يتساءل الملاحظون عن الدوافع التي تجعل وسائل الإعلام في جارة المغرب الشرقية، تتعاطى بكيفية تحريضية حتى لا نقول عدوانية ؛ فيخيل إليهم وكأن الحرب مشتعلة على الحدود بين البلدين. ومن المفارقات، إن عيارات المسؤولين الرسميين تتسم في بعض الأحيان بالتهذيب، افضل بكثير من الصحافة التي يفترض أن لا تنساق وراء الرواية الرسمية للخلاف، بل من واجبها تنوير الرأي العام في بلدها بأبعاد المشكل وطبيعته وانعكاساته السلبية على المواطنين في بلدين يتقاسمون فيهما كثيرا من الأشياء لا يمكن لكتابات انفعالية صبيانية، محوها من الذاكرة الجماعية للشعبين المغربي والجزائري. ومن المؤسف أن منابر اعلامية تدعي انها مستقلة حيال النظام الرسمي الجزائري، سرعان ما تنزع "خرقة" الاستقلالية والموضوعية، وتنضم عارية إلى جوقة المهاجمين، باستعمال اسلحة محرمة أخلاقيا، قوامها الافتراء وقلب الحقائق، التي تكثر الأمثلة عنها. وما فتئت الصحافة الجزائرية، بمناسبة أو دونها وخاصة في المدة الأخيرة، تروج عبارات من قبيل "الاستعمار المغربي لأراضي الصحراء"، بل تنعتها بالأراضي المحتلة، وهو توصيف لم يعد يستعمل حتى عند الحديث عن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، التي يعرف الجميع أنها ما زالت خاضعة للسيطرة العسكرية العبرية، ومع ذلك يتجنب الصحافيون استعمال مفردات من القاموس الاستعماري العتيق، أملا في انتهاء الصراع بين الجانبين. من أين اتت الصحافة الجزائرية بهذا التوصيف؟ هي لا تلام إن سمت المحافظات الصحراوية ب "الصحراء الغربية" على اعتبار أنها طرف منحاز للجبهة الانفصالية وعلى الأقل فهي تسمية جغرافية، لا تشير قطعا إلى معنى احتلال أو استعمار المغرب للصحراء، بدليل أن الأممالمتحدة تستعملها دون نية تجريم المغرب، وهذا الأخير يتعامل معها كمفهوم جغرافي دولي، بينما يتشبث باستعمال الصحراء المغربية. والملاحظ أن الصحافة الجزائرية، ظلت تستعمل منذ مدة "الصحراء الغربية" للتمويه بحيادها والتقيد بعبارات الاممالمتحدة؛ لكن الأمور خرجت أخيرا عن نطاقها حين لجأ رئيس الدولة الجزائرية في خطاب رسمي موجه إلى محفل أجنبي، محموم بنفس انفعالي لا يليق برئيس دولة، تربع طويلا على كرسي الدبلوماسية في بلده، يسمح لنفسه وسمعته أن يقع في فخ صحافة بلاده، فيردد بدوره اتهام المغرب بالاستعمار ويصف الصحراء بالمحتلة. وما يثير الدهشة حقا أن تدعي الجزائر أن الصحافة المغربية تهاجمها، بينما يكفي إلقاء نظرة فاحصة على عينة من الصحافة الجزائرية والمغربية في فترة محددة وإجراء مقارنة، وفق منهجية تحليل المضمون. سيكتشف المتصفح، لا محالة أن الهجوم على المغرب، يكاد يشكل الوجبة اليومية لأغلب المطبوعات وبجميع اللغات. صحيح، أن صحافة المغرب لا تسكت عندما تضطر إلى الدفاع عن النفس والوطن أمام سيل الشتائم والاتهامات مبرزة الموقف الرسمي والشعبي حيال قضية خلافية مع الجارة الشرقية، لكن المراقب الموضوعي سيكتشف أن "صبيب" العنف الضاري القادم من الجزائر، اقوى بكثير مما تحفل به الصحافة المغربية. في هذا السياق، وعلى سبيل المثال لا الحصر، تجنبت الصحافة المغربية، النبش في ملف حرب الرمال التي وقعت بين البلدين في اكتوبر عام 1963، على اعتبار أنها ذكرى أليمة، في حين أصرت بعض المطبوعات الجزائرية على إيقاظ الجراح، وفسحت المجال لعنتريات وخرافات أدلى بها جنود ومحاربون شاركوا في تلك الحرب، بغرض واحد هو إظهار المغاربة بالجبناء والغادرين، ولذلك فقد لقنهم الجيش الجزائري دروسا لن ينسوها أبدا. اقتصرت مقاربة الصحافة المغربية على وضع الصراع في أطاره الجيوسياسي، في مرحلة الحرب الباردة بين المعسكرين. وفي إطار حملة الشحن العاطفي للرأي العام، تحمل الجزائر المغرب، ما تتكبده من خسائر مالية نتيجة ممارسة التهريب الحدودي. وتنسى تلك الصحافة المتحاملة أن الخسارة يتكبدها الجانبان؛ فالبنزين الذي يهربه الجزائريون وليس المغاربة، يباع على جانبي الحدود، ما يسبب خسارة للضرائب في المغرب. والحل كما يرى الاقتصاديون، يكمن في فتح الحدود وإحكام المراقبة بين البلدين، لتتدفق السلع من الجانبين بكيفية مشروعة. توجد صيغ اقتصادية كثيرة لاحتواء المشكل وتمكين سكان الحدود من إنعاش اقتصادهم المحلي. وحينما يحل عيد الأضحى على سبيل المثال، تطلق الصحافة الجزائرية صفارات الإنذار، محذرة من الأكباش المهربة من المغرب، زاعمة أنها مصابة بأوبئة فتاكة تستهدف الإضرار بصحة المواطن الجزائري، أي أن الأمر يتعلق بمؤامرة وليس تجارة غير مشروعة. وحينما يطلع الناس على تلك "المبالغات" يعتقدون أن المنطقة الشرقية في المغرب معرضة للهلاك بسبب الأمراض التي تقول الصحافة الجزائرية إنها منتشرة بين القطيع المغربي. وهناك أمثلة كثيرة أخرى لا داعي لسردها، فهي لا تخرج عن دائرة الحرب الكلامية المقيتة. قطعا، لا يظل المغرب صامتا، ولكن صحافته غير ممعنة في الافتئات على الجزائر. تدافع عن الموقف الوطني بأسلوب لا يخلو عموما من دعوات التصالح والوفاق والمراهنة على المستقبل. بينما لا يختلف آخر تصريح لوزير الخارجية الجزائري، عن ما يتفوه به القادة العسكريون وهم يخوضون غمار المعارك الضارية. لقد انذر الرجل المغرب وحذره من مغبة اللعب بالنار. هكذا تحدث السيد رمضان العمامرة؟ أين درس الوزير العلاقات الدولية والعلوم السياسية؟.