تشير إحصاءات شبكة "وسيلة" لمناهضة العنف ضد الأطفال والنساء، أن عشرة بالمائة فقط من النساء الإطارات وصاحبات المناصب العليا وممتهنات مهن نبيلة مثل الطب والمحاماة، يقررن التقدم إلى مصالح الأمن والدرك لإيداع شكاويهن ضد أزواجهن بسبب ما يتعرضن له من تعنيف واعتداءات. "جميلة"، اسم مستعار لمحامية معروفة في الجزائر العاصمة قصدت "الخبر" لتعرية واقع جديد يتمدد مثل أذرع الأخطبوط داخل المجتمع في صمت مثل الورم الخبيث، وللتحدث عن واقع مؤلم تعيشه وتعيشه نساء أخريات في نفس مستواها الاجتماعي أو العلمي الذي لم يشفع لهن للتخلص من العذاب النفسي والمادي الممارس ضدهن من طرف شريك العمر. إذ لطالما تحدثت مختلف وسائل الإعلام عن مسألة العنف الممارس ضد النساء في الجزائر وعبر مختلف الدول، لكن الفكرة التي طالما خرجنا بها من الدراسات التي تطرقت لمسألة النساء المعنّفات كانت دوما متعلقة بالحالة الاجتماعية لهؤلاء النسوة، واللواتي عادة ما كنّ ماكثات بالبيت ودون أي مستوى دراسي، أي مغلوب على أمرهن استغل الزوج حالتهن ليمارس عنفه بحرية، خاصة وأنه يعلم أنه ليس بإمكان تلك المرأة أن تثور على وضعها، لأنه لا بديل لها عن زوجها المعيل لها ولأطفالها، وبالتالي فالصبر وحده هو وسيلتها في حياتها معه، لكن ما طغى منذ فترة على السطح هو تعرض نساء كوادر ومعتليات لأعلى المناصب في مجالات عملهن لعنف أزواجهن. عن هؤلاء تقول دليلة إعمّارن مديرة مركز الاستماع والإصغاء للنساء والأطفال ضحايا العنف "وسيلة"، أن 25 بالمائة من النساء اللواتي يتصلن بالمركز طلبا للنجدة، سواء كانت نصيحة أو تكفلا نفسيا أو قانونيا، هن نساء عاملات وغالبيتهن كوادر ضمن مؤسسات الدولة، فمنهن الطبيبة ومنهن الأستاذة الجامعية والصيدلانية والمحامية.. و..و. طبيبة تُعاين حالات العنف وهي ضحيته هي طبيبة مختصة في الطب الشرعي تمارس بأحد أكبر مستشفيات الجزائر العاصمة.. متزوجة وأم لطفلين، تقصد يوميا المصلحة التي تعمل بها من أجل معاينة عشرات حالات العنف الممثل في الضرب والجرح العمدي التي تستقبلها يوميا مصلحة الطب الشرعي التي تعمل بها، وكثيرا ما توجّهت لمكان عملها ونظاراتها السوداء على عينيها تخفي من ورائها الكدمات الزرقاء وآثار الضرب التي تتعرض له باستمرار من طرف زوجها. ورغم نصح المشرفين على مركز الإصغاء والاستماع لها بالانفصال عن هذا الزوج، كانت ولا زالت دوما تتردّد لأنها تأمل في حلول يوم جديد قد تتغيّر فيه طباع زوجها للأحسن.. وليست طبيبتنا وحدها في المعاناة، حيث تقاسمها الوضعية طبيبة أخرى، بل أستاذة في الطب تشرف على أحد أقسام الطب بمستشفى جامعي بالعاصمة، حدثتنا عنها إحدى العاملات بذات المصلحة والمطلعة على وضعها الأسري، حيث أشارت أنها تعيش الأمرّين مع زوج سكّير وزير نساء لا يصحو إلا ليطلب منها مالا وإن رفضت يكيل لها الضربات للوجه.. ورغم وضعها الأسري المتأزّم رفضت البروفيسور فلانة مبدأ الطلاق حفاظا على وضعها الاجتماعي لأنها ترفض وضع "المطلّقة"..، نفس الرفض أعلنت عنه صيدلانية تنحدر من عائلة غنية، متزوجة وأم لطفلين تتعرض دوما لمساومة زوجها لها على ما تجنيه من الصيدلية التي فتحتها بمال والدها، حيث يأخذ منها ما يريد من المال كما سلبها في أحد الأيام سيارتها، وحينما تعارضه فالضرب هو مصيرها المحتوم، ورغم هذه المعاناة وإصرار أهلها عليها لتطليق هذا الزوج الذي لا يرجى منه خيرا، لا زالت مترددة في أخذ القرار ولا تعرف ماذا تفعل. عن هذه الفئة من النساء اللواتي يفضلن الصمت حفاظا على استقرار الأطفال والعائلة، أكدت السيدة إعمّارن أن اعتقادهن خاطئ، بل هو الخطأ في حد ذاته، لأنه في الوقت التي تظن تلك المرأة أنها تنقذ عائلتها وتحمي أطفالها بخضوعها لذلك العنف، تكون النتيجة أطفالا فاشلين في الدراسة ومنحطّين في الحياة، لأن الأطفال الذين يعيشوا في جو أسري يطبعه العنف ينشأون محطّمين وغير أسوياء". وفي نفس السياق، أشارت محدثتنا إلى حالة أم يتابعون قضيتها بالمركز والتي يرفض ابنها متابعة دراسته، لأنه يخاف أن يأتي والده العنيف إلى البيت أثناء تواجده بالمدرسة ويضرب أمه أو ربما يقتلها. كما أضافت أن هؤلاء النسوة يمضين سنوات كثيرة في المعاناة طمعا في تغيّر طباع الزوج العنيف رغم أن ذلك لم يحدث مع غالبية الحالات.