لم يعد واضحاً في الجزائر إن كان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة يتمسك فعلاً بملف تعديل الدستور بما أن كثيراً من الشواهد تشير إلى طي هذا الملف بعد أن استهلك كثيراً من الجدل. وقالت مصادر مسؤولة ل «الحياة» إن خطوات صادرة عن الرئيس بوتفليقة توحي بأنه أجل المشروع إلى ما بعد الرئاسيات المقبلة. ويعتقد مقربون من بوتفليقة أن احتمال تأجيل تعديل الدستور أصبح وارداً بناء على ما فهم من مشاورات بينه وبين مسؤولين حكوميين، بينهم الوزير الأول عبد المالك سلال. وأضافت المصادر قولها إن التخلي عن التعديل قد يعود لمسألتين «غياب أي جدوى من التعديل في الفترة الراهنة، وبروز تكتلات سياسية واسعة رافضة للتعديل في فترة ما قبل الانتخابات الرئاسية». وذكرت المصادر ذاتها في شأن تطور نظرة الرئيس بوتفليقة للتعديل الدستوري، أن فكرة التمديد كانت فعلاً محل مشاورات أولية فور عودة الرئيس من رحلة العلاج في باريس، وتردد أن الرئيس بوتفليقة جمع قبل أسابيع مسؤولين في الدولة لبحث فكرة التمديد لسنتين من خلال جعل فترة الولاية الرئاسية سبع سنوات بدلاً من خمس، فعارض الفكرة وزير الداخلية الأسبق دحو ولد قابلية فيما زكاها الوزير الأول عبد المالك سلال. وبعد أيام أبلغ بوتفليقة عدم اقتناعه بفكرة التمديد لكنه في النهاية يتوجه لإلغاء المشروع بأكمله. وإذا كان الرئيس الجزائري متمسكاً بمشروع تعديل دستور البلاد للمرة الثانية خلال فترة حكمه (أجرى تعديلاً جزئياً في 2008 مكنّه من الترشح لولاية ثالثة)، فإن أمامه الآن ثلاثة أشهر فقط من أجل عرض المشروع وتحويله إلى البرلمان ثم تنظيم استفتاء شعبي عليه. وتقتضي العملية ترويجاً مفترضاً يقوده الرئيس بنفسه، وهو ما لم يعد يسمح به وضعه الصحي، لذلك بات كثير من المراقبين يعتبرون القضية في طي النسيان. ومن هذا الباب سيكون الأمر أكثر سوءاً في حال تقرر بعث المشروع وفق آلية الاستفتاء الشعبي، ما يعني أن استدعاء الهيئة الناخبة لا يجب أن يتخطى ثلاثة أشهر قبل الموعد المحدد للاقتراع. وبعملية حسابية بسيطة سيكون على بوتفليقة في حال تمسكه بالمشروع دعوة الناخبين بمرسوم رئاسي في غضون أيام قليلة، وهي الفترة التي سيكون مجبراً خلالها على كشف معالم التعديلات التي يشاع أنها جوهرية. ويحض المشرع الجزائري السلطات على اللجوء إلى استفتاء شعبي في حال كانت التعديلات عميقة وتمس توازن السلطات، في حين يمكن الاكتفاء برأي البرلمان في وجود تعديلات بسيطة. وساعد مكتب دراسات فرنسي متخصص في صياغة الدساتير لجنة الخبراء التي عينها بوتفليقة لتحرير الدستور الجديد، وعلم أن وثيقة من ثلاث صفحات ترجمت أهم المقترحات، وفيها عودة إلى صلاحيات واسعة للوزير الأول مثلما كان الحال قبل 2008.