قال إدريس اليزمي، رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان في المغرب، إن التقرير الذي أصدره المجلس بشأن الهجرة وطالبي اللجوء، وإعلان المغرب عن سن سياسة جديدة للهجرة، شكلا مفاجأة للمجتمع المغربي وكذلك للمجتمع الأوروبي، وإنهما شكلا كذلك منعطفا بالنسبة للمسؤولين الأوروبيين، في التعامل مع هذا الموضوع. وأضاف اليزمي في حوار مع «الشرق الأوسط» أن تأييد الملك محمد السادس توصيات المجلس يعبر عن فهمه للبعد الإنساني والحقوقي لهذه الظاهرة، بالإضافة إلى أنها تدخل ضمن اهتمام الملك بتوطيد العلاقات مع الشعوب والدول الأفريقية الذي عبر عنه قبل نشر التقرير وبعده خلال زيارته الأخيرة لمالي، كما يعبر، من وجهة نظره، عن الإرادة الملكية لتوطيد دولة الحق والقانون، وأنه مسار مستمر بخطوات تدريجية. وأوضح اليزمي أن المغرب أصبح دولة استقبال واستقرار للمهاجرين، «لهذا إذا كنا نطالب بالحقوق نفسها لمواطنينا في الخارج، فعلينا أن نظهر أن لدينا القدرة على استقبال الآخر، وقبول التعدد الثقافي واللغوي والديني، فحقوق الإنسان ليست سوقا ممتازة نأخذ منها ما نشاء ونترك ما نشاء». وأضاف أن المغرب اختار؛ دولة وشعبا، أن يتعامل مع حقوق الإنسان بجدية ومهنية وبالمقاييس الدولية.. وفي ما يلي نص الحوار. * مباشرة بعد اطلاعه على تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان ترأس الملك محمد السادس اجتماعا مع كبار المسؤولين والوزراء أعطى خلاله تعليمات بسن سياسة جديدة للهجرة.. هل يعني ذلك أن وضعية المهاجرين الوافدين على البلاد وصلت لدرجة من الخطورة استدعت تدخل أعلى سلطة في البلاد؟ - أود أن أذكر أنها ليست المرة الأولى التي يطلع فيها جلالة الملك على تقارير المجلس، ويعبر عن تأييده لتوصياته، فقبل أشهر رفع المجلس أربعة تقارير إلى الملك محمد السادس، وعبر عن تأييده لما جاء فيها من توصيات. إن ترؤس الملك اجتماعا مع رئيس الحكومة وعدد من الوزراء، مباشرة بعد اطلاعه على تقرير المجلس، هي بالفعل المرة الأولى، التي يجري فيها ذلك، وهذا يعبر عن فهم الملك للبعد الإنساني والحقوقي لهذه الظاهرة، بالإضافة إلى أنها تدخل ضمن اهتمامه بتوطيد العلاقات مع الشعوب والدول الأفريقية، التي عبر عنها قبل نشر التقرير وبعده خلال زيارته الأخيرة لمالي، كما يعبر، من وجهة نظري، عن الإرادة الملكية الهادفة إلى توطيد دولة الحق والقانون، وهو مسار مستمر بخطوات تدريجية، ومحطة من بين المحطات، وتعبر كذلك عن المساندة الملكية لهذه المؤسسة الدستورية كباقي المؤسسات الأخرى. * دعا الملك محمد السادس إلى التعامل مع المهاجرين بطريقة إنسانية والتزام بالقانون الدولي، مقرا في الوقت ذاته بأن بلاده لا يمكنها استيعاب كل المهاجرين الوافدين عليها، كيف يمكن المزاوجة بين البعدين الإنساني والأمني في التعامل مع قضايا الهجرة؟ - الفكرة الأساسية التي أكدها التقرير هو أن المغرب كان منذ قرون دولة استقبال للهجرة، وأصبح هناك اليوم، في إطار التحولات الجذرية التي تعرفها الهجرة على الصعيد العالمي، لا سيما الهجرة جنوب - جنوب، التي وصلت إلى 70 مليون مهاجر، وعي بأن المغرب بلد استقرار، خصوصا في ظل السياسة التي انتهجتها أوروبا لحماية حدودها.. فالمغرب يلعب دورا مهما في هذا الإطار؛ إذ أصبح الدولة الأولى الأكثر شراكة مع أوروبا في هذه السياسة، إذ قلصنا بشكل كبير أعداد المهاجرين غير الشرعيين نحو أوروبا، وفي المقابل، للمغرب، مثل باقي دول العالم، الحق في مراقبة حدوده وتحديد من له الحق في الإقامة الشرعية، وهو حق يضمنه القانون الدولي لحقوق الإنسان، وليس هناك ما يجبر دولة على تسوية الوضعية القانونية للأجانب الذين يوجدون في وضعية غير قانونية؛ إذ لا يوجد في المواثيق الدولية بما فيها اتفاقية حماية المهاجرين والعمال وعائلاتهم، ما يفيد بذلك، لكن لأي دولة الحق في تفعيل هذه الحقوق، والجديد في هذه السياسة هو أنه وفاء لروح الدستور ومنطوقه ولالتزاماتنا الدولية، ووفاء لعمقنا الجغرافي والجيو – استراتيجي، لا بد من هذه المقاربة الإنسانية التي كانت سارية المفعول. مثلا هناك أكثر من 10 آلاف طالب أغلبهم من أفريقيا يدرسون في المغرب، وما بين ستة وسبعة آلاف يتوفرون على منح مغربية، وما سنقوم به، من وجهة نظري، هو تعميق لهذه السياسة. * يقال إن تحرك المغرب لسن هذه السياسة الجديدة تجاه المهاجرين جاء رد فعل على التقارير الحقوقية الأجنبية التي انتقدت أكثر من مرة طريقة التعامل مع المهاجرين خاصة المهاجرين الأفارقة، ما ردك؟ - بصراحة؛ بدا العمل على هذا التقرير منذ أيام أحمد حرزني الرئيس السابق للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، أي قبل مايو (أيار) 2011، وكنت آنذاك عضوا في المجلس، واشتغلت برفقة حرزني على هذا التقرير، لأن هذا التحول الاستراتيجي للمغرب من دولة تصدير لليد العاملة إلى دولة استقبال، لم يبرز منذ أسبوعين. ثانيا، سنصدر في موازاة هذا التقرير الدراسة العلمية التي قمنا بها في إطار شراكة مع معهد البحث «جاك بيرك» بالرباط لأننا نرى أنه لا بد من دراسة علمية تكون بمثابة أرضية لهذا التقرير. أما بخصوص التقارير الدولية التي ذكرت، فتفاعل الدولة مع تقارير حقوقية دولية ظاهرة صحية وإيجابية، وتبرز انفتاح هذه الدولة على المجتمع المدني الوطني والدولي. * أعلنت وزارات الداخلية والعدل والخارجية عن تشكيل عدد من اللجان المختصة لمباشرة تنفيذ السياسة المغربية الجديدة للهجرة بتنسيق مع مجلسكم.. متى تتوقعون أن تظهر النتائج العملية لهذه اللجان، وما دور المجلس في هذا الشأن؟ - بدأت هذه اللجان عقد اجتماعات، وهناك تنسيق وتشاور بينها وبين المجلس والحكومة في هذا المجال. بدأت تسوية وضعية اللاجئين الذين منحت لهم صفة لاجئ من قبل مكتب الرباط للمفوضية السامية للاجئين يوم الأربعاء الماضي، فقد جهزت وزارة الخارجية مقرا، وسيجري استقبال الأفواج الأولى للاجئين، وهناك جلسات عمل بين وزارتي الخارجية والداخلية، والمفوضية السامية للاجئين، وبدأ تدريب الأطر المغربية على استقبال الأفواج الأولى. * ذكرتم أن المغرب يعاني من آثار السياسة الصارمة التي تعتمدها أوروبا لمراقبة حدودها الخارجية، وأعلن أكثر من مرة مسؤولون مغاربة؛ منهم سعد الدين العثماني وزير الخارجية، أن المغرب يرفض أن يلعب دور الدركي لأوروبا، ما مؤاخذاتكم على دول الاتحاد الأوروبي وأوجه التقصير التي تلاحظونها في تعاملهم مع قضايا الهجرة؟ - يمكن القول إن تقرير المجلس شكل مفاجأة للمجتمع المغربي وكذلك المجتمع الأوروبي، وشكل منعطفا بالنسبة للمسؤولين الأوروبيين. من قبل كانت السياسة الأوروبية للهجرة تؤكد على ثلاثة جوانب؛ أولا، أن يقبل المغرب عودة المغاربة الذين يوجدون في وضعية غير قانونية، والأجانب الذين مروا عن طريق المغرب، ووصلوا إلى أوروبا، بطريقة غير قانونية وجرى اعتقالهم. ثانيا، أن يساهم المغرب في حراسة الحدود الجنوبية لأوروبا. ثالثا، إنه إذا حقق المغرب نتائج إيجابية في هذين المجالين؛ فستفتح أوروبا باب الهجرة الشرعية لفئة من المغاربة، وتسهل عملية تسليم التأشيرة لبعض الفئات.. هذه هي روح السياسة الأوروبية ومضمون الشراكة من أجل الحركية، وهو إطار عام وليست اتفاقية تتضمن بنودا.. لكن مباشرة بعد صدور تقرير المجلس، بدأت اتصالات لمسؤولين أوروبيين على مستوى الرباطوبروكسل. ففي الأسبوع الماضي، عقدت عدة لقاءات في بروكسل، ويوم الأربعاء الماضي زار وفد أوروبي رفيع الرباط لمناقشة موضوع الشراكة من أجل الحركية، وانصب النقاش على الجوانب التقنية، لكن عند صدور التقرير ومساندة الملك له، وبدء الحكومة المغربية فعليا في تفعيل توصياته، ارتفع مستوى تمثيل الوفد، وترأسه المدير العام للجنة الأوروبية المكلفة الشؤون الداخلية، ستيفانو مانسيرفيسي، لأن موقف المغرب أصبح واضحا، فنحن نطالب بتغيير إطار الشراكة من أجل الحركية والأخذ بعين الاعتبار أن المغرب قرر نهج سياسة عمومية لإدماج المهاجرين وطالبي اللجوء، وأن لديه إكراهات اقتصادية واجتماعية، ونطالب الاتحاد الأوروبي بأن يساعدنا في مراقبة الحدود وفي سياسة الإدماج، وتقديم مساعدة مادية أيضا، لأنه لا يكفي تسوية الوضعية القانونية للمهاجرين؛ بل لا بد من توفير ما يترتب على ذلك من سكن ودراسة وصحة وتكوين وعمل. وحسب المعلومات التي لدينا، فإن الاتحاد الأوروبي أخذ بعين الاعتبار هذه السياسة الجديدة للهجرة، خصوصا أن المغرب هو أول دولة من الجنوب على المستوى العالمي قررت بإرادتها سن سياسة لإدماج المهاجرين. ونجاح التجربة المغربية الذي يتطلب التعاون الدولي يمكن أن يشكل سابقة حسنة على المستوى العالمي، كما أنه لا بد من تعاون إقليمي، فالمغرب كان قد أعلن عن مبادرة للتعاون الأورو - أفريقي بدأت في 2006 تجمع بين دول الاتحاد الأوروبي ودول أفريقيا، وحدث ذلك بعد الأحداث التي عرفتها مدينة سبتة التي راح ضحيتها عدد من الأفارقة. ولا بد كذلك من تعاون دول الجوار، فيما يخص مراقبة الحدود، وشبكات الاتجار بالبشر والمخدرات والخطر الإرهابي، وهي كلها عوامل تجعل التعاون المغاربي ضروريا ومستعجلا. * قدرت تقارير إعلامية أجنبية عدد المهاجرين من ذوي البشرة السوداء في المغرب بما بين 15 و20 ألف مهاجر، هل هذه الأرقام صحيحة؟ - بصراحة لن تجدوا في تقرير المجلس أي رقم حول أعداد المهاجرين، حاولنا خلال الدراسة العلمية التي قمنا بها أن نعرف مصدر هذا الرقم المتداول، بيد أننا لم نتوصل إلى أي طريقة علمية لتأكيده، وللأسف بعض المنابر الإعلامية، وحتى بعض الدراسات العلمية بين قوسين، كررت هذا الرقم فأصبح متداولا. إن التجربة الدولية في مجال تسوية وضعية العمال التي جرت في عدة بلدان منها إيطاليا أو إسبانيا، وشاركت شخصيا في عدة تجارب في فرنسا منذ بداية عقد السبعينات من القرن الماضي، أثبتت أن الطريقة الوحيدة التي تحدد عدد المهاجرين في أي دولة هي تسوية وضعيتهم القانونية، قد تكون هناك تكهنات، لكن هذا الرقم ليس له أي قاعدة علمية، قد يكون العدد أكثر أو أقل، وأرجح أن يكون أقل. * أقر التقرير الذي أعده المجلس حول الأجانب وحقوق الإنسان، بتعرض المهاجرين للعنف من قبل قوات الأمن المغربية وسوء المعاملة والترحيل، ما حجم هذه السلوكيات؟ - لا يمكن الحديث عن سياسة ممنهجة في هذا الإطار، لكن الأكيد أنه كانت هناك عدة حالات سوء معاملة، وعمليات ترحيل إلى الحدود إما إلى الحدود المغربية – الجزائرية، أو المغربية - الموريتانية، وسبق أن تدخل المجلس أو لجانه الجهوية في الحسيمة أو وجدة أو الداخلة لتصحيح الوضع. هناك ظاهرة لا بد من أخذها بعين الاعتبار، وهو وجود شبكات للاتجار بالبشر، تنظم عمليات الهجوم على الحدود الإسبانية - المغربية، من خلال مدينتي سبتة ومليلية، وهي شبكات عنيفة جديدة، ومعروف وسط المجتمع المدني المغربي أن هذه الشبكات صعبة الاختراق. كانت هناك دراسة شارك فيها مجلس الجالية المغربية في الخارج مع شبكة الباحثين الموريتانيين والبلجيكيين، بينت أن هذه الشبكات وبالأخص الآتية من نيجيريا خطيرة جدا وعنيفة، لذلك فإنه في بعض الحالات تجد قوات الأمن المغربية نفسها في وضعية الدفاع عن النفس. لكن هذا لا يلغي أنه كانت هناك انتهاكات لحقوق المهاجرين، لا سيما أن بعض الفئات محمية من قبل القانون الدولي كيفما كان وضعها القانوني، وهي فئة النساء والأطفال القاصرين. * كيف تجري عمليات ترحيل المهاجرين غير الشرعيين، وهل صحيح أنهم يتركون على الحدود الجزائرية والموريتانية ليتدبروا أمرهم هناك؟ - بصراحة لم نراقب عمليات ترحيل المهاجرين بطريقة مباشرة، لأنه لا يعلن عنها مسبقا، وإحدى المشكلات التي واجهها المغرب وسيواجهها مستقبلا مثل عدة دول، هو أنه إما أن تكون لدى هؤلاء المهاجرين أوراق ثبوتية ويمزقونها، أو أنهم يهاجرون من دون أوراق؛ إذ أصبح بالإمكان أن يعبر مهاجرون حدود 10 دول من دون أوراق، وفي بعض الحالات عندما تكون بلد المهاجر في حرب أهلية أو يعاني سكانه من اضطهاد لسبب أو لآخر مثل ساحل العاج أو مالي التي عرفت أخيرا أزمات، يضطر مواطنو هذه الدول للهجرة من دون التمكن من أخذ أوراقهم الثبوتية.. وفي مثل هذه الحالات، حتى إذا توفرت للبلد الإمكانات والقرار السياسي والإدارة التي ستتكفل بترحيل هؤلاء المهاجرين إلى بلدانهم الأصلية عن طريق الرحلات الجوية، فسنواجه مشكلة تحديد هويتهم وبلدهم، وهذه المشكلة تواجهها أوروبا منذ سنين، لذا فنحن دخلنا في ظاهرة عولمة الهجرة، وأحد مظاهرها أن المهاجرين يمزقون أوراقهم الثبوتية أو يهاجرون من دونها ومنهم الأطفال القاصرون. * تتحدث تقارير إعلامية أجنبية عن تعرض المهاجرين لمعاملة عنصرية من قبل البعض.. هل وقفتم عند إعداد تقريركم على حالات من هذا النوع؟ - لدينا شهادات تثبت تعرض المهاجرين لمعاملة عنصرية، لكن ليس بالحجم الذي نجده في بلدان أوروبية؛ أي من طرف حركات سياسية عنصرية.. فما زالت هذه الحالات فردية، وأكيد أنك سمعت عن الشخص الذي يرفض تأجير منزله للمهاجرين، وعلق لافتة تفيد بذلك. لدي شهادات أصدقاء صحافيين من أفريقيا يقيمون في وضعية قانونية بالدار البيضاء، فرغم أن بعضهم متزوج من مغربيات، فإنهم يلقون صعوبات في إيجاد سكن.. لذا، فالتوصيات التي أوصى بها المجلس في تقريره ليست موجهة فقط إلى الحكومة، بل إلى الصحافة وأرباب العمل والنقابات والمجتمع المدني، لأنه سنصبح دولة استقبال واستقرار للمهاجرين، لهذا إذا كنا نطالب بالحقوق نفسها لمواطنينا في الخارج، فعلينا أن نظهر أن لدينا القدرة على استقبال الآخر، وقبول التعدد الثقافي واللغوي والديني، مثلما يوجد مسلمون في أوروبا شيعة وسنة. نحن الآن عندما نتحدث عن الأدب الفرنسي أو الهولندي أو البلجيكي أو الإسباني، نجد كتّابا من أصل مغربي يشاركون في إغناء الثقافة والرواية في هذه البلدان، مثل نجاة بنهاشم، وهي من أكبر الكاتبات باللغة الكتالانية، إلى جانب الكتاب المعروفين مثل الطاهر بن جلون وعبد اللطيف العروي، وفؤاد العروي، وحاليا كل الكتاب الجدد في هولندا، الذين قاموا بثورة في الأدب الهولندي هم من أصل مغربي، بينهم عبد القادر بن علي وآخرون. قد نواجه إكراهات مرحلية، وحتى توترات، لكن مستقبلا هذا الوضع سيغني الثقافة المغربية. وحتى على المستوى المهني نجد عددا من الصحافيين الأفارقة يعملون في الإذاعات الخاصة، والصفحات الاقتصادية في الصحف اليومية بالفرنسية. * أوصى تقريركم وسائل الإعلام المغربية بتغيير الصورة النمطية المتداولة عن المهاجر من أفريقيا جنوب الصحراء، بيد أن هذه الصورة تشكل جزءا من الحقيقة، فكثير من هؤلاء أصبحوا يمارسون التسول أو يعملون باعة متجولين، الأمر الذي أثر بشكل سلبي على المظهر العام في شوارع بعض المدن ومنها العاصمة الرباط، ناهيك بممارسة بعضهم النصب والاحتيال، كيف سيجري التعامل مع هذه الظواهر؟ - في كل فئة بشرية نجد ظواهر انحراف، فعلى سبيل المثال إذا أخذنا الإحصاءات الخاصة بالمساجين ببروكسل في بلجيكا، فسنجد أن مغربيا واحدا من أصل خمسة سبق أن سجن، في سن ما بين 14 و20 سنة، أي في فترة التحول من سن المراهقة إلى سن الشباب. الحل في مثل هذا الوضع الذي ذكرت هو تطبيق القانون بالمساواة، سواء في حق مغربي وأجنبي، ولا بد من الإشارة إلى أنه عند الحديث عن الهجرة، لا يوجد المهاجرون الأفارقة فقط. * هذا يدفعني إلى سؤالك عن عدد المهاجرين العرب المقيمين في المغرب، وما جنسياتهم ودوافع إقامتهم في البلاد؟ - أود التذكير بأن لدينا ثلاث اتفاقيات للإقامة الحرة موقعة بيننا وبين السنغال والجزائر وتونس، وقعت في عقد الستينات من القرن الماضي، تسمح لمواطني هذه البلاد بالإقامة في المغرب، وحتى شغل مناصب أحيانا في الوظائف الحكومية. هذه الاتفاقيات وقعت إبان فترة الحصول على الاستقلال والطموح إلى الوحدة المغاربية والأفريقية. واليوم علينا استلهام هذه الاتفاقيات في السياسة الجديدة للهجرة، فلدينا حاليا مغاربة في السنغال ويمكنهم الاستقرار هناك. إذن لا بد من إعادة الروح في الاتحاد المغاربي وتقوية هذا النوع من الاتفاقيات بين الدول الأفريقية جنوب الصحراء، فحركية الأشخاص تساهم في التقدم الاقتصادي في العالم، وفي الاتحاد الأوروبي. وعندنا في مراكش وحدها أكثر من 10 آلاف متقاعد أوروبي، وهنالك جالية تونسية وجزائرية تقيم في المغرب منذ عشرات السنين، وأيضا هناك السوريون الذين يقيمون في شمال المغرب منذ أكثر من 30 أو 40 سنة، وهذا ما دفع طالبي اللجوء السوريين إلى المجيء إلى طنجة بسبب الأحداث الأخيرة. * منذ اندلاع الأزمة في سوريا وصل للمغرب عدد من السوريين، هل لديكم إحصاءات عنهم وأين يوجدون، خصوصا أن كثيرا منهم يعيشون أوضاعا سيئة، ويتعامل المغاربة بتعاطف كبير مع هؤلاء لا سيما أن بعضهم يضطرون إلى التسول على أبواب المساجد في مدينة طنجة؟ - لا توجد لدينا إحصاءات عن أعداد السوريين الذي دخلوا المغرب في الفترة الأخيرة، ونعرف أن عدد اللاجئين السوريين (في الخارج) وصل إلى أكثر من مليونين حاليا، وهذا الأمر يعكس تطور إشكالية ما كان يعرف من قبل ب«اللجوء السياسي»، فعندما تنشب حروب أهلية وصراعات سياسية مسلحة تتسبب في نزوح مئات الآلاف من النازحين، وهذا ما حدث عند اندلاع الحرب في أفغانستان، حيث رحل كثيرون من الأفغان إلى إيران وتركيا، وحاليا السوريون موجودون بكثرة في لبنان والعراق والأردن. وفي مصر هناك ما بين 200 إلى 300 ألف، وفي ليبيا هناك نحو 20 ألفا، وفي الجزائر 12 ألفا، وأعداد في تونس، وفي المغرب أيضا بدأت تبرز هذه الظاهرة، ففي رمضان الماضي سمعنا عن أشخاص يطلبون تقديم المساعدة الإنسانية لسوريين بعد صلاة التراويح في المساجد. * كيف يصل السوريون إلى المغرب؟ - بما أنه لا توجد تأشيرة بين الجزائر وسوريا، فغالبيتهم يأتون عن طريق الجزائر، وبعدها يدخلون إلى المغرب عن طريق البر، وهذا الأمر يطرح ما بات يعرف عالميا ب«الحماية المؤقتة»، أي إنه لا يمنح لهم اللجوء السياسي بل حماية مؤقتة في انتظار حل المشكلة السياسية في بلدهم، وبعد ذلك تجري عملية تنظيم عودتهم إليه. ولهذا طلب المجلس في تقريره من الحكومة المغربية توفير نوع من الحماية المؤقتة للسوريين. * أوصى المجلس باتخاذ عدة تدابير لتحسين وضعية المهاجرين؛ منها منح بطاقة الإقامة للحاصلين على صفة لاجئين، وتسوية وضعية غير القانونيين، وحقهم في التجمع العائلي، والتكفل المادي والقانوني بالقاصرين والنساء المهاجرات.. هل الدولة المغربية لديها إمكانات مالية لتنفيذ هذه الإجراءات؟ - أنا أردد دائما أن حقوق الإنسان ليست سوقا ممتازة، نأخذ منها ما نشاء ونترك ما نشاء.. نحن اخترنا، دولة وشعبا، أن تعامل مع حقوق الإنسان بجدية ومهنية وبالمقاييس الدولية.. لدينا التزامات دولية وبعد جيو - استراتيجي لا بد من أخذه بعين الاعتبار، والمغاربة أيضا هاجروا نحو دول أخرى، واليوم في حكومة مالي وزير من أصل مغربي.. هناك إكراهات أكيدة، لذا نطالب بتعاون دولي وإقليمي إزاء هذه الإشكالية، وأخيرا لا يمكننا المطالبة بالمساواة في الحقوق لمهاجرينا، ولا نقوم نحن بالمثل.. ما نعيشه الآن هو نفسه ما عاشه الإيطاليون والإسبان قبل 30 عاما في سبعينات وثمانينات القرن الماضي.. في تلك الفترة كان أقل من 50 ألف مغربي في إسبانيا، اليوم يشكلون أكبر جالية هناك، بعضهم يتسبب في مشكلات، لكن كثيرون ساهموا في تنمية البلد قبل الأزمة الأخيرة بشكل أساسي. بعد الحرب العالمية الثانية عندما بدأ المهاجرون يصلون إلى أوروبا لم تكن أوروبا غنية جدا، لذا فورشات التنمية المفتوحة حاليا في المغرب يمكن أن يساهم فيها المهاجرون كذلك.