تعددت الخرجات الإعلامية والسياسية، للأمين العام لحزب الاستقلال، منذ انتخابه على رأس الحزب العتيد. ويجب الاعتراف والتسليم للزعيم النقابي والحزبي، حميد شباط، بقدرته على تحريك الأجواء السياسة الراكدة في المغرب ونفض الغبار عنها؛ موظفا خبرته وتجربته النقابية في حشد الجماهير وشحنها بالشعارات المناوئة للسلطة الحاكمة. غير أن ما أحضره أو سمح وأذن به، يوم الأحد الماضي، إلى ساحة "باب الأحد" القريبة من المركز العام للحزب، يعد سابقة مقلقة، ورسالة محملة بكثير من المعاني السلبية. ومن شأن تلك "الخطوة" أن تسائل كافة الفاعلين السياسيين، على اعتبار أنها تنذر بتهور في لغة الحوار وأسلوب التنافس السياسي. اقتادت شبيبة حزب الاستقلال،إلى ساحة التظاهر، حيوانات مسالمة مهادنة وطيعة. كتب "الشبان" فوق جباهها بأحرف وألوان لافتة، عبارات منسوبة إلى رئيس الحكومة المغربية، أصبحت بمثابة "لوازم" كلامية تتكرر في أحاديث زعيم حزب العدالة والتنمية، في التجمعات الخطابية أو البرلمان وحتى في وسائل الإعلام المرئي والمسموع . تعود المغاربة على سماعها منه دون أن تخدش آذانهم، لأنهم لا يحملونها أي معنى خارج عن ما يسميه علماء اللغة "الوظيفة اللغوية للحديث " (من اللغو) فصارت بمثابة حلية لفظية وقفشات فكاهية يزين بها كلامه. يعرف مستمعو بنكيران، مسبقا أنه يكسر بها رتابة خطابه أو ينهيه ( فهمتني وللا لا) وهي عادة كلامية متأصلة في كثير من الناس، منهم من يكثر من "يعني"، "على كل حال" أو "طبعا"،"هل سمعتني أم لا"؟ لم تكن ردود الفعل الكثيرة التلقائية، رحيمة بزعيم حزب الاستقلال، بل اعتبرت سلوك مناضليه "معيبا " وانزلاقا لفظيا مشينا" لا يجدر أن يصدر أو يسمح به زعيم حزب مرشح للمعارضة والحكم، مهما بلغت حدة خلافه مع أطراف حزبية منافسة. وأمام الرفض الذي قوبلت به إيماءات وتشبيهات شبيبة الاستقلال، اضطر قياديون إلى الشرح والتوضيح، فنفوا أن يكون المقصود من إحضار الحمير الخمسة، إلى المظاهرة، الإساءة إلى شخص "بنكيران " وإنما التعبير ببلاغة "حمارية " عن رفض واستنكار اعتماد نظام "المقايسة" والزيادة في ثمن المحروقات، وتنبيه الناس أو نصحهم بفائدة العودة إلى استعمال وسائل نقل الآباء والأجداد في الأزمنة الغابرة، أي ركوب الدواب؛ وإن كان كثير من المغاربة في المدن والبوادي، يمتطون حتى الآن الحمير والبغال. يركبون عليها مباشرة، أو يجبرونها على جر عربات. وهذا تأويل بعيد، يصعب أن يتقبله منطق سياسي؛ لذا كان من الأليق اعتذار حزب الاستقلال، للمشبه أي، بنكيران، ثم طي الصفحة على أساس أن تكون عبرة لمن لا يعتبر. وقبل حادثة "باب الأحد" تعرض رئيس الحكومة المغربية، وهو المجسد لإرادة الناخبين المغاربة، لاعتراض وهجوم لفظي، من عاطلين محتجين، في الشارع العام، فاضطر إلى الخروج من سيارته والدخول في حوار، تطور إلى جدال بينه وبين منتقدي سياسته من "المعطلين". إن الكلام البذيء الذي سمعه زعيم العدالة والتنمية، سواء في شارع محمد الخامس، او ذاك الذي دون وقيل في ساحة" باب الحد "مرفوض، سياسيا وأخلاقيا واجتماعيا، بل كان حريا بالطبقة السياسية برمتها من الأغلبية والمعارضة، أن تستنكره لأن أي قيادي منها قد يتعرض لمواقف مماثلة في المستقبل. صحيح أن المشهد السياسي المغربي، محتقن، والانتظارات الشعبية كثيرة، والمواطنون عيل صبرهم، فيما تبدو الحكومة شبه معطوبة ومتوقفة عن العمل .إنه وضع يؤجج النفوس، ويشجع على التصعيد في الكلام والخروج عن جادة الصواب، مع أن الصراخ، لا يحل الأزمات بل يفاقمها. وإذا ما تم التساهل مع مثل تلك التجاوزات اللفظية أو غيرها من أشكال قلة الأدب، حيال رئيس الحكومة، كسلطة دستورية، وحيال أي فاعل حزبي، يعبر عن موقف أو شريحة مجتمعية معينة؛ إذا ما تم السماح لتكرار خروقات سلوكية من ذاك القبيل، فإن الفاعلين الحزبيين، يمهدون، من حيث لا يشعرون، الطريق في بلادنا لحرب كلامية طاحنة . ومن المفارقات الصادمة، أن تشيع هذه الأخلاق السياسية الغريبة، في ظرف وطني حرج، يستوجب تحكيم العقل،والاحتكام إلى آداب الحوار المتفق عليها بين الأمم المتحضرة. إذا ترسخت وسادت هذه الثقافة المستهجنة، فإن أي فاعل سياسي، أو مسؤول يمثل الدولة، معرض للإهانة على أيدي "ناشطين" غوغائيين، متعصبين، حتى لا يوصفون بنعوت أخرى. ليس أعضاء الحكومة وأعضاؤها وأي شخصية عامة، منزهين عن النقد والمحاسبة العسيرة، على طريقة تدبيرهم للشأن العام، بل لا بد من إلزامهم بالتصريح بأخطاء سياستهم، في إطار الإصغاء المتبادل للرأي ونقيضه. إذا استعان حزب ما، بوسائل إيضاح مثل التي فاجأ بها حزب الاستقلال أنصاره ومنتقديه، فإنه يتوجب على السلطات العمومية أن تعيد حديقة الحيوان إلى قلب العاصمة، حتى يسهل على أي حزب، الاستعانة بأي حيوان يرى فيه شبها بينه وبين رئيس الحكومة وأعضائها وسياستها. يبدو من المناسب هنا، الإشادة بالروح الرياضية التي تحلى بها حزب العدالة والتنمية والتجمع الوطني للأحرار، حينما نسيا خلافاتهما الجذرية ومعاركهما الكلامية، وانخرطا في مفاوضات صعبة لتشكيل الحكومة المرتقبة . وسواء خرجت الحكومة إلى النور أو تأخرت في بطن الغيب، فإن الحزبين، الإسلامي والليبرالي، تحليا بروح المسؤولية وغلبا المصلحة العامة على نزوات اللسان. والمسامح كريم. لو كانت لنا جمعيات قوية، للرفق بالحيوان، لسارعت إلى التنديد بما تعرض له الحمير الخمسة، في "باب الحد" والخوف كل الخوف أن يستقوي زعيم ما في زمن ما، بحيوانات كاسرة مثل الأسود والنمور، يحررها من أقفاصها، ليأمرها بالانقضاض على خصومه ومعارضيه ومنتقديه. ومن يدريك، فيمكن أن تلتف نحو آمريها، فتأتي عليهم. أستعين هنا على سبيل المجاز، مستحضرا العبارة الشائعة "الحقيقة قد تصبح يوما أغرب من الخيال". عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.