المئات يتظاهرون في طنجة ضد سفينة يشتبه بأنها تحمل أسلحة إلى إسرائيل    أشبال الأطلس يتوجون بكأس إفريقيا للفتيان للمرة الأولى بأداء رفيع وانضباط كبير    مستشار ترامب: الاعتراف الأميركي بسيادة المغرب على الصحراء لا لبس فيه    المغرب يتصدر صادرات الفواكه والخضروات عالميًا: ريادة زراعية تنبع من الابتكار والاستدامة    السعدي: الحكومة ملتزمة بتعزيز البنية التحتية التكوينية المخصصة للصناعة التقليدية    القوات المسلحة تُكوّن ضباطًا قطريين    مسيرة الرباط ترد بحزم: تغضّون الطرف عن متطرفين تدعمهم قطر وحلفاؤها، وتستهدفوننا لأننا ندافع عن حقوق الأمازيغ وهويتنا الوطنية    التحقيق في وفاة رضيعين بحضانة منزلية    مقاولون يقاضون "التيكتوكر" جيراندو بالمغرب وكندا بتهم التشهير والابتزاز    حريق يلتهم بناية المسبح البلدي بالناظور    توقيف 3 أشخاص بمدينة القصر الكبير روعوا السكان بأسلحة بيضاء وسط حي سكني    "موازين" يواصل جذب نجوم العالم    5 لاعبين مغاربة في التشكيلة المثالية بعد الفوز باللقب الإفريقي    رشق بالحجارة داخل مدرسة .. مدير ثانوية في العناية المركزة بعد هجوم مباغت بطنجة    انعقاد الدورة 13 لمجلس إدارة المركز الجهوي للاستثمار لجهة طنجة-تطوان-الحسيمة    "من سومر إلى لوزان: ريشة فائق العبودي تُكمل الحكاية"    باندونغ.. صرخة التحرر التي غيّرت ملامح العالم    منتدى الصحراء للحوار والثقافات يشارك في فعاليات معرض "جيتكس إفريقيا"    الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم تحتفي بالمنتخب الوطني لأقل من 17 سنة إثر تتويجه باللقب القاري    القفطان يجمع السعدي وأزولاي بالصويرة    الفنان الريفي عبد السلام أمجوظ يتألق في مسرحية سكرات    عبد العزيز حنون يدعم البحث في اللسانيات الأمازيغية بأطروحة حول التمني بأمازيغية الريف    عروض تراثية إماراتية بمعرض الكتاب    تفاصيل اجتماع نقابات الصحة مع مدير الوكالة المغربية للدم ومشتقاته    بعد القرار الأمريكي المفاجئ .. هل يخسر المغرب بوابته إلى السوق العالمية؟    "الكاف" يختار المغربي عبد الله وزان أفضل لاعب في البطولة القارية للناشئين    الأرصاد الجوية تتوقع نزول زخات مطرية متفرقة اليوم الأحد    بنكيران: الأمة بكل حكامها تمر من مرحلة العار الكبير ولا يمكن السكوت على استقبال سفن السلاح    الاتحاد الوطني للشغل يدعو إلى تعبئة شاملة في فاتح ماي    الآلاف يتظاهرون ضد ترامب في الولايات المتحدة: لا يوجد مَلك في أمريكا.. لنُقاوِم الطغيان    غزة تُباد.. استشهاد 29 فلسطينيا منذ فجر الأحد    " هناك بريق أمل".. رواية جديدة للدكتورة نزهة بنسليمان    قتيل في غارة إسرائيلية على جنوب لبنان    سوء الأحوال الجوية تتسبب في إغلاق ميناء الحسيمة    ندوة علمية تناقش الحكامة القضائية    لقاء يناقش دور المجلس الأعلى للحسابات في تتبع تنفيذ أهداف التنمية المستدامة    الكوكب يسعى لتحصين صدارته أمام الدشيرة والمنافسة تشتعل على بطاقة الصعود الثانية    الأساتذة المبرزون يحتجون الخميس المقبل    دراسة تدعو إلى اعتماد استراتيجية شاملة لتعزيز الأمن السيبراني في المغرب    مقتل 56 شخصا في وسط نيجيريا    دراسة: "الحميمية المصطنعة" مع الذكاء الاصطناعي تهدد العلاقات البشرية    الكشف عن نوع جديد من داء السكري!    دورة برشلونة لكرة المضرب: ألكاراس يتأهل للمباراة النهائية    "الجزيرة" حين يتحويل الإعلام إلى سلاح جيوسياسي لإختراق سيادة الدول    مجموعة مدارس الزيتونة تُتوج الفائزين بمعرض الابتكار والتجديد Expo 2025    برشلونة يضع المدافع المغربي إدريس أيت الشيخ تحت المجهر … !    مغرب الحضارة: حتى لا نكون من المفلسين    لماذا يصوم الفقير وهو جائع طوال العام؟    أنور آيت الحاج: "فخور بمغربيتي"    قناة إيرلندية تُبهر جمهورها بسحر طنجة وتراثها المتوسطي (فيديو)    الدرهم المغربي ينخفض أمام الأورو    ‪ بكتيريا وراء إغلاق محلات فروع "بلبن" الشهيرة بمصر‬    تزايد حالات السل اللمفاوي يسائل ضعف مراقبة سلاسل توزيع الحليب    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    بيانات تكشف ارتفاع الإصابة بالتوحد وكذلك زيادة معدلات تشخيصه    أكادير يحتضن مؤتمر التنظير عنق الرحم وجوف الرحم والجهاز التناسلي    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البحث عن دستور للثورة!
نشر في مغارب كم يوم 26 - 09 - 2013

درس منهجي بالغ الأهمية تعلمته من مبادئ علم اجتماع المعرفة والتي تقرر أنه لا يمكن فهم أي نص إلا بدراسة السياق الذي أنتج في ظله. والسياق هنا ينصب علي السياق التاريخي والفكري والسياسي والاجتماعي.
وفي تقديرنا أن الدراسة التاريخية لدساتير مصر الحديثة واجبة, لأن من شأنها أن تلقي الأضواء علي العلاقة الجدلية بين النص والسياق من ناحية, وتبين هل الممارسة الفعلية سبقت النص, أم أن النص سبق الممارسة الفعلية؟
ولو طبقنا هذه المبادئ العامة علي دستور2012 لاكتشفنا أن السياق الذي صدر فيه يتمثل في هيمنة جماعة الإخوان المسلمين علي الحكم في مصر, سواء عن طريق حصولهم علي الأكثرية- هم والسلفيون- علي مجلس الشعب الذي أبطله حكم القضاء, أو مجلس الشوري الذي كان مصابا أيضا بعوار دستوري, وعلي وجه الخصوص لأن رئيس الجمهورية الدكتور محمد مرسي المعزول كان رئيسا لحزب الحرية والعدالة قبل ترشحه للرئاسة.
ومعني ذلك أن جماعة الإخوان المسلمين سيطرت علي مجمل الفضاء السياسي المصري, وتعمدت الاستئثار بالسلطة, وإقصاء جميع الأحزاب السياسية عن دائرة صنع القرار. وفي هذا السياق غير الديموقراطي هيمنت الجماعة علي تشكيل اللجنة التأسيسية لوضع الدستور, والتي أبطلها القضاء وتشكلت لجنة أخري فيها نفس العوار القانوني تقريبا. والدليل علي ذلك أن عديدا من الليبراليين الذين ضموا للجنة انسحبوا منها لإصرار جماعة الإخوان علي السيطرة الكاملة علي صياغة مواد الدستور, وبث توجهاتها الأيديولوجية في بعض مواده الأساسية.
أسرعت اللجنة الباطلة بصياغة الدستور وسارعت بتسليمه لرئيس الجمهورية, الذي أعلن فورا عن موعد الاستفتاء عليه, وتم الاستفتاء علي عجل وأعلنت أن النتيجة بالموافقة في حدود67% وصدر قرار العمل به.
وبغض النظر عن الانتقادات المتعددة التي وجهت لدستور2012, إلا أن أبرز عيوبه- كما قررنا في إحدي مقالاتنا- أنه في الواقع دستور بلا نظرية!
وكنا نعني بذلك علي وجه الدقة أن أي دستور يوضع في هذه المرحلة التاريخية التي يمر بها العالم لابد أن يأخذ في اعتباره السياق الذي يوضع فيه, ونعني السياق العالمي والمحلي في نفس الوقت.
ونعني بالسياق العالمي أننا نعيش في عصر العولمة والتي أصبحت شعاراتها هي حرية السوق إلي غير ما حدود من الناحية الاقتصادية, وسيادة شعارات الديموقراطية وحقوق الإنسان. أما السياق المحلي فنعني به هنا علي وجه التحديد أن الدستور الذي تتم التعديلات الآن عليه هو دستور ما بعد ثورة25 يناير2012 وثورة30 يونيو من ناحية, وبعد القضاء النهائي علي حكم الإخوان المسلمين من ناحية أخري.
وهو في المقام الأول لا بد له إن أريد له أن يحيا ويمتد به الزمن عشرات السنين- أن يترجم بدقة شعارات الثورة المصرية, والتي تركز علي الحرية والعيش والكرامة الإنسانية ترجمة كاملة. ومن ناحية أخري علي التعديلات أن تنقي النص الدستوري الإخواني من كل الإشارات الدينية التي خلطت خلطا معيبا بين الدين والسياسة, وأثارت الشقاق والاختلافات العميقة بين التيارات الليبرالية والثورية وما يطلق عليه التيارات الإسلامية.
غير أننا حين نتحدث عن أهمية أن يصدر الدستور عن نظرية متكاملة نعني أن لدينا أربعة ميادين رئيسية لابد من التدقيق الشديد في صياغة المواد الدستورية بصددها. وهي الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
ولعل أهم هذه الميادين جميعا هي نظرية الحكم, ونعني علي وجه الدقة توزيع السلطات السياسية بصورة متوازنة بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والبرلمان, لأن رئيس الجمهورية في النظام الرئاسي المصري كانت لديه سلطات مطلقة أدت إلي إساءة استخدام السلطة.
أما المجال الاقتصادي فيستدعي الانطلاق من مبادئ نظرية واضحة فيما يتعلق بأهمية تدخل الدولة في المجال الاقتصادي, وخصوصا في مجال التخطيط المرن والرقابة علي العمليات الإنتاجية والاستثمارية, حتي لا يقع السوق أسير الاحتكارات الكبري, ويتم الإضرار بمصالح صغار المنتجين وجماهير العاملين.
ولابد من نظرية متكاملة عن العدالة الاجتماعية, ولابد أخيرا من نظرية ثقافية أساسية يصدر عنها الدستور تقوم أساسا علي مبدأ المواطنة.
والواقع أن كل نظرية من النظريات الأربع التي أشرنا إليها تثير مشكلات نظرية وعملية متعددة تحتاج في مواجهتها إلي القيام بدراسات مقارنة محكمة, حتي نعرف كيف حلتها النظم السياسية المختلفة والمجتمعات المعاصرة.
ولنأخذ علي سبيل المثال توزيع السلطة بين رئيس الجمهورية( في النظام الرئاسي) ورئيس الوزراء والبرلمان. إن التحقيق الفعال لهذا المبدأ يفترض أولا وجود شخصيات تمثل ما يطلق عليه رجال الدولة, وهي هذه الفئة من السياسيين التي تنضج علي مهل في المجتمعات الديموقراطية, وتكتسب من الخبرات الإدارية ما يسمح لها بالكفاءة في إدارة شئون الدولة.
كما أنها تفترض أيضا الإحساس العميق لدي القيادات السياسية بأجيالها المختلفة بالمسئولية السياسية.
أما النظرية الاقتصادية فعليها أن تؤلف تأليفا خلاقا بين حرية السوق وضرورة تدخل الدولة في نفس الوقت, وخصوصا بعد انهيار النموذج الرأسمالي العولمي المعاصر, والذي كان يمنع تدخل الدولة علي وجه الإطلاق في المجال الاقتصادي. وقد تبين بعد الأزمة المالية الكبري التي ضربت الاقتصاد الأمريكي في صميمه مما أدي إلي إفلاس عشرات البنوك والشركات أن الدولة الأمريكية اضطرت إلي ضخ مئات الملايين من الدولارات لتعويم هذه الشركات والبنوك, ومعني ذلك ضرورة البحث عن نظرية اقتصادية جديدة تضمن إشراف الدولة علي الاقتصاد.
وتبقي نظرية العدالة الاجتماعية التي تحتاج إلي إبداع حقيقي. ويمكن في هذا الصدد الاعتماد علي التعريف الدقيق الذي صاغه عالم الاجتماع الألماني رالف داهرندورف للتنمية الحقة حين قال إنها تعني ببساطة توسيع فرص الحياةLifeChances, وهو عنوان أحد كتبه البالغة الأهمية.
ولو طبقنا هذا التعريف لقلنا أن توسيع فرص الحياة يعني حق المواطن في التعليم وحقه في العمل وحقه في السكن وحقه في العلاج وحقه في التأمين ضد البطالة وحقه في المعاش. بعبارة أخري لابد للدستور الجديد أن ينص علي ضرورة التزام الدولة بإعطاء المواطنين حقوقهم التي أشرنا إليها, مما يدعو إلي ضرورة تطبيق معايير المساواة وتكافؤ الفرص, والحرص علي تحقيق الكرامة الإنسانية للمواطنين والتي هي إحدي شعارات ثورة25 يناير الرائدة.
ولا يبقي أمامنا سوي صياغة نظرية متكاملة عن المواطنة التي تمنع التمييز ضد المصريين لأي سبب, وخصوصا وقد ورثنا هذا النص الدستوري المتألق من دستور عام1923 والذي يقرر أن المصريين سواء أمام القانون ولا تمييز بينهم علي أساس الجنس أو الدين.
هذه المساواة المطلقة ينبغي أن ندافع عنها بكل ما نملكه من قوة ضد نزعات التطرف الإيدلوجي والهوس الديني التي سادت مجتمعنا في الحقبة الأخيرة.
"الأهرام"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.