هو الكاتب الصحفي والمحلل السياسي الأقدر على رؤية الواقع، والشخصية التي يسعى للقائها كل رئيس، مصريًا كان أو عربيًا، ليؤكد شرعيته، وكي يدرك المتغيرات من حوله على الساحة الداخلية والخارجية. "الأستاذ" لكل الصحفيين، له بصمات على صاحبة الجلالة لا ينكرها أعمى لا يرى، أو أصم لا يسمع، أو أبكم لا ينطق. إذا كتب قرأ الجميع، وإذا ألف هرعت دور النشر لترجمة كتبه، وإذا تحدث عبر الإعلام ساد الهدوء ليستمع له كل صاحب عقل ليعي ما يقول ويفهم ما يدور من حوله. رحلة الأستاذ مليئة بالعطاء، وتتوقف "بوابة الأهرام"، عبر هذه السطور على رحلة الأستاذ الأخيرة التي اقتنصتها قناة "سي بي سي". فخلال هذه الرحلة نجحت "سي بي سي"، في الفوز ب12 حلقة مع عميد الصحفيين العرب، وخلالها فجر الأستاذ العديد من المفاجآت بتوقعاته. حذّر الأستاذ جماعة "الإخوان المسلمين"، خلال رئاسة الرئيس السابق محمد مرسي عبر هذه الحلقات من أنهم لن يستطيعوا أخونة مصر أو بعبارة مهذبة "الهيمنة والتكويش"، ناصحًا المرشد العام للجماعة بالخروج على الشعب المصري ليعلن أن الإخوان أخطأوا، وأن لديهم خطة واضحة لإصلاح الأخطاء. وفي حلقة تالية مع ازدياد المعارضة في الشارع المصري والمطالبة بانتخابات رئاسية والصدامات التي أسفرت عن سقوط عدد من الضحايا في صفوف المتظاهرين أمام مكتب الإرشاد بالمقطم قال الأستاذ: "مصر تعيش حالة ثورية مستمرة، ونظام الإخوان أصيب بشرخ في شرعيته". ونوه الأستاذ إلى أن دعم الإدارة الأمريكية لجماعة "الإخوان المسلمين"، يرجع إلى إيمان عميق في الاستراتيجية الأمريكية بأن تيارات الإسلام السياسي هي الأقدر على الحكم في العالم العربي بسبب ما يتسم به المواطنون العرب من تدين شديد. وبعد لقاء الأستاذ بالرئيس السابق الدكتور محمد مرسي، كشف عن بعض ما دار في الحوار معه، موضحًا أنه نصح مرسي بالاهتمام بأمور محددة أولها الحفاظ على النسيج المجتمعي المصري والعلاقة بين المسلمين والمسيحيين والحفاظ على عمق مصر الاستراتيجي في دول حوض نهر النيل. ومن بين ما نصح به الأستاذ مرسي أنه بحكم كونه رئيسًا لمصر عليه أن يلعب دورًا في الأزمة السورية من خلال الحفاظ على وحدة سوريا والإبقاء على من لم تتلوث أيديهم بالدماء في النظام السوري، ودفع المعارضة المعتدلة بعيدًا عن التيارات الجهادية، ولا سيما القاعدة وجبهة النصرة إلى التحالف لإنهاء الأزمة السورية، مؤكدًا أن سوريا لمصر ذراعها اليسرى في مواجهة أي اعتداء من إسرائيل. وفي ظل الارتياب الذي سيطر على الشارع المصري تجاه الفريق أول عبدالفتاح السيسي، وزير الدفاع، الذي زعمت قيادات إخوانية أنه إسلامي الهوى، قال الأستاذ إنه أبلغ حاكم قطر أثناء وجود المجلس العسكري أن السيسي هو وزير الدفاع المقبل. وكشف الأستاذ عن أنه التقى السيسي الذي كان عضوًا بالمجلس العسكري فوجده شخصًا عربيًا لديه استراتيجية واضحة لدور مصر الإقليمي، مشيرًا إلى أن السيسي يتمتع بالشباب وأنه مصري، وإذا ما حدثت موجة ثورية ثانية فإن السيسي سينحاز للشعب المصري لأن ذلك قرار القوات المسلحة التي تختلف عن أي جيش آخر بالمنطقة. وقبل الموجة الثورية الثانية ب10 أيام قال الأستاذ بالنص: "شهر يونيو شهد ثلاثة أمور كفيلة بإنهاء أي نظام"، في إشارة إلى المؤتمرات الكارثية التي شارك فيها الدكتور مرسي خلال أسابيع ثلاثة متوالية. وأضاف: "الدكتور مرسي قام بكارثة وتجاوز صلاحيات أي رئيس جمهورية عندما قطع العلاقات مع سوريا"، مشيرًا إلى أن المؤتمر السري على الهواء مباشرة الذي عقد بقصر الرئاسة حول أزمة مياه النيل لا يقل كارثية عن الأخطاء التي وقع فيها نظام مبارك عندما أهمل إفريقيا وتوجه إلى الغرب. وانتقد هيكل بشدة إعلان الدكتور مرسي أن جميع الخيارات مفتوحة للتعامل مع أزمة حوض مياه نهر النيل خلال المؤتمر الذي شارك فيه الرئيس السابق والذي عقد بقاعة المؤتمرات في يونيو الماضي، مشيرًا إلى أن حديث مرسي يعتبر إعلان حرب على إثيوبيا، وهذا أمر لا يليق بمصر وأن هناك سبلًا عديدة لتجاوز الأزمة مثل الشراكة في بناء السد. وتوقع الأستاذ أن مظاهرات "30 يونيو"، ستكون عاصفة لأن نظام الإخوان وقع في أخطاء لم يقع فيها نظام سابق حكم مصر، ملمحًا إلى أن القوات المسلحة وعلى رأسها الفريق السيسي لديها تقديرات للموقف، وأنه نصح الرئيس بالخروج من الأزمة، دون إطلاق رصاصة واحدة على مواطن مصري. وبعد الموجة الثورية الثانية تحدث الأستاذ بصوت العقل، حيث دعا الإخوان إلى الاعتراف بأخطائهم والالتحاق بركب الثورة، مشيرًا إلى أن الإخوان يترنحون من الأزمة. وفي نفس الحلقة في ظل أنباء شبه مؤكدة حول العزم الأمريكي على ضرب سوريا، استبعد هيكل أن تقدم واشنطن على عمل عسكري إزاء دمشق، موضحًا أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما يريد إرغام سوريا على التخلص من ترسانتها من الأسلحة الكيماوية. وقبل موعد الحلقة التالية تلاشت احتمالات الضربة الأمريكية لسوريا، كما شهدت تحركات إخوانية لمقابلة الأستاذ للحديث معه حول الأحداث الجارية ونفى أي صلة للجماعة بحرق منزل الأستاذ. وكشف الأستاذ عن فحوى اللقاء الذي حاول أحد المواقع التابعة للإخوان تحميله بدلالات أكثر مما يحتمل، حيث حاول هذا الموقع الإشارة إلى أن الجلسة التي جمعت بين الأستاذ والدكتور محمد علي بشر والدكتور عمرو دراج كانت جلسة تفاوض. وكشف الأستاذ عن فحوى اللقاء، وهو ما تطابق إلى حد بعيد مع رواية الدكتور بشر بأن الجلسة كانت جلسة لثلاثة من المهتمين بالشأن العام، اثنان منهم من المعسكر الإخواني والثالث من معسكر آخر. إلا أن ما فجره الأستاذ خلال هذا اللقاء يتمثل في تأكيده أنه بعد اللقاء شعر بأن الجماعة تجاوزت الصدمة، والآن هي في مرحلة إحصاء خسائرها. واختتم الأستاذ حديثه عن اللقاء بالإشارة إلى أنه لا يمكن أن يكون وسيلة للاتصال بالسلطة ولكنه قد يكون طرفًا في الحوار المجتمعي مع الإخوان، موضحًا أن الإخوان إذا ما أرادوا فتح قنوات اتصال مع أي طرف فإنه لا يرى غضاضة في ذلك لكن شريطة ألا يعطل الحوار مع الجماعة بغرض المصالحة، مسيرة الوطن لأن مصائر الأوطان لا ترتبط بأشخاص. ويظل عطاء الأستاذ مستمرًا، لا حرمنا الله من عطائه وعلمه، فمحمد حسنين هيكل هو صاحب المقام الرفيع ليس في مصر وإنما في العالم العربي كله.