تتجه السلطات العليا في البلاد إلى استحداث جهاز مخابرات عسكري، يكون ملحقا برئاسة الأركان ويتخصص في تأمين الجيش ومكافحة الإرهاب، والإشراف على أنظمة التجسس والاستطلاع والتنصت الإلكتروني التي حصل عليها الجيش في السنوات الأخيرة. وقال مصدر عليم إن تسيير منظومات التجسس الحديثة، التي حصلت عليها الجزائر من دول عدة، أثار الكثير من الإشكالات، حيث وضعت هذه التجهيزات خاصة طائرات الاستطلاع ومعدات التنصت، تحت وصاية أركان الجيش، بينما كانت مهمتها جمع معلومات استخبارية حساسة، وهي من اختصاص مديرية الاستعلام والأمن بوزارة الدفاع. ويأتي إلحاق مصالح أمن الجيش، وهي أحد فروع "دي أر أس" برئاسة أركان الجيش، كإجراء لتوفير ذراع استخباري للقوات المسلحة بعيدا عن وصاية المخابرات. وتتوفر عدة جيوش في العالم كما هو معروف على جهاز استخبارات عسكري يسمح للجيش بالحصول على معلومات أمنية من مصادره الخاصة، ودون الحاجة لطلب ذلك من المخابرات. وقال ضابط مخابرات متقاعد، رفض نشر اسمه: "أنا أصف هجوم تيڤنتورين بأنه 11 سبتمبر جزائري. وكما قررت أمريكا إحداث تغيير في أجهزة مخابراتها، فإن الجزائر فعلت ذلك... ولا يمكن أن نتصور جيشا في العالم دون استخبارات عسكرية". وأضاف: "كيف يمكن للجيش تشغيل معدات التجسس بالغة التطور ومنها طائرات الاستطلاع الحديثة والطائرات بدون طيار ومعدات التنصت، دون وجود جهاز استخبارات عسكري تابع للجيش مباشرة، يعمل على تقييم وتحليل المعلومات المتعلقة بالشأن العسكري". وأشار خبراء في الأمن إلى أن حادثة تيڤنتورين أكدت حاجة الجيش لجهاز استخبارات عسكري حديث، وهو ما توصلت إليه نتائج التحقيق حول حادثة تيڤنتورين، وتتوفر أغلب الدول في العالم على جهاز مخابرات عسكري يعمل بالتوازي مع المخابرات العامة لكونه يتخصص في شؤون تأمين الجيش ضد أي مخاطر أو انشقاقات، كما يتخصص في جمع المعلومات حول جيوش العدو والمنظمات الإرهابية التي تهدد الأمن، وفي السابق كانت مديرية أمن الجيش تتكفل فقط بمهمة تأمين القوات المسلحة وضمان الانضباط فيها، مع بعض التخصصات الاستخبارية التي لا تنافس مصالح البحث والتحري التابعة لمديرية الاستعلامات والأمن. ومع اكتساب الجيش معدات التجسس عالية التقنية، خاصة القوات الجوية ووحدات الإشارة العسكرية التي حصلت على معدات تنصت حديثة، بات من الضروري إعادة تنظيم المخابرات وإنشاء جهاز استخبارات عسكري حديث، وهو ما تم فعلا لكنه جرى تحت ضغط الأحداث. وقد قررت الجزائر بهذا الإجراء، العمل طبقا لتجارب العديد من الدول في مجال الأمن والمخابرات، حيث تتعمد النظم إنشاء عدة أجهزة من أجل خلق جو من التنافس بينها. وجاءت التغييرات الأخيرة في تنظيم أجهزة المخابرات، حسب مصدر مؤكد، كنتيجة حتمية لثلاثة أحداث رئيسية: هي فضيحة سوناطراك 2 وعملية تيڤنتورين الإرهابية، واقتحام مقر القنصلية الجزائرية في غاو في شمال مالي، وتتشابه الأحداث الثلاثة في أن السلطات الجزائرية تعاملت معها من موقع ردة الفعل، حيث فرضت هذه الأحداث المهمة نفسها دون أي سابق إنذار. ورغم أن تقرير أجهزة الأمن والمخابرات حذر قبل أيام من حادثة تيڤنتورين من عمل إرهابي، فإن الإرهابيين تنقلوا عبر مسافات طويلة في صحراء مكشوفة، دون أن يتم رصد تحركهم في الوقت المناسب. ويعود هذا إلى خلل في الاستطلاع الجوي بعيد المدى. وقد قرر رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، حسب مصدرنا، مباشرة بعد الهجوم على مصنع تيڤنتورين، قبل 9 أشهر، تشكيل لجنة تحقيق أمنية للبحث في الثغرات الأمنية، وجاءت التغييرات الأخيرة في جهاز المخابرات على ضوء نتائج تحقيقين اثنين حول هجوم تيڤنتورين، ونجاح حركة التوحيد والجهاد في اقتحام مقر القنصلية الجزائرية في غاو بشمال مالي، واختطاف الطاقم الدبلوماسي الجزائري. وقال ذات المصدر إن التغييرات التي قرر رئيس الجمهورية إحداثها على أجهزة المخابرات، جاءت بعد أشهر من صدور نتائج تحقيق حول أسباب فشل إجراءات الأمن والوقاية في تيڤنتورين، ونجاح الإرهابيين في التحضير لعملية تيڤنتورين وتنفيذها، واعتبر خبراء في الأمن أن اعتداء تيڤنتورين علامة فاصلة في مجال تغليب العسكري على الأمني في مكافحة الإرهاب، حيث أكدت قدرة قوات التدخل على حسم المعركة في ظل عدم توفر معلومات مسبقة حول الهجوم الإرهابي وهوية المجموعة الإرهابية. وحسب المعلومات المتاحة، فإن رئيس الجهورية أمر كذلك في شهر أفريل 2012 بالتحقيق في الثغرة الأمنية بعد تمكن جماعة التوحيد والجهاد من اقتحام مقر القنصلية الجزائرية في غاو، وما أثار غضب أصحاب القرار في الجزائر هو عدم قدرة الطاقم الدبلوماسي على الفرار في الوقت المناسب مع اقتراب الجماعات المسلحة من مدينة غاو، ثم جاءت التسريبات الصحفية حول فضيحة سوناطراك 2، حيث فرضت تحقيقا جنائيا أجنبيا على السلطات الجزائرية في مسائل تتعلق بتورط وزير سابق في فضيحة رشوة دولية، لكي تؤكد ضرورة إعادة النظر في عمل أجهزة الاستخبارات الجزائرية، التي تعتمد على النموذج السوفياتي في توحيد أجهزة الاستخبارات في جهاز قوي واحد، والتوجه للنمط الغربي الذي يعتمد على تنوع أجهزة الاستخبارات والأمن.