في ظل الحديث عن إمكانية توجيه ضربة عسكرية إلى سوريا من قبل الولاياتالمتحدةالأمريكية وفرنسا ،اجمع محللون سياسيون وصحفيون على كون وضع سوريا يختلف تماما عن ليبيا حين وجه "الناتو" ضربات عسكرية إلى هاته الأخيرة إبان ثورتها المسلحة ضد نظام العقيد معمر القذافي، محذرين من عدم أخذ هذا المعطى بالحسبان. من بين نقاط الاختلاف البارزة بين الحالتين الليبية والسورية ضعف الغطاء الدولي المطلوب لأي ضربة عسكرية توجه لنظام الأسد. في الحالة الليبية لم تعترض روسيا والصين على العملية العسكرية، أما اليوم فالدب الروسي يقولها بصوت عال: "لا لأي تدخل عسكري في سوريا". عدد من الدول الغربية تعي هي الأخرى الفوارق بين الحاليتين السورية والليبية، لذلك سارع عدد منها للتأكيد عن عدم نيتها الانخراط في المشروع الأمريكي الفرنسي لتوجيه ضربة عسكرية إلى نظام الأسد. أمريكا وفرنسا لن يكون بإمكانهما التعويل على الحليف البريطاني بعد رفض مجلس العموم انخراط بلادهم في هذا التكتل الثنائي بين باريس وواشنطن تاركا رئيس الوزراء دايفيد كاميرون على ما يبدو في موقف محرج. وضع النظام الليبي كان كذلك أكثر هشاشة من نظيره في سوريا بحكم عزلة نظام معمر القذافي دوليا. "لم يقف أحد، لا إقليميا ولا دوليا، بجانب القذافي ونظامه"، يقول بول سالم، مدير مركز كارنيغي بالشرق الأوسط. "من البديهي أن سوريا مختلفة جدا. فهي تحظى بدعم إيران وحكومة المالكي في العراق وروسيا والصين وحزب الله". التخوف يسود كذلك أوساط بعض المراقبين من أن يؤدي الدخول في أي صراع مع سوريا إلى اشتعال حرب بالوكالة بين إيرانوالولاياتالمتحدة. وقد أثبتت التجربة العراقية كيف أن إيران عززت نفوذها داخل بلاد الرافدين بعد سقوط نظام الرئيس العراقي صدام حسين في أعقاب الغزو الأمريكي عام 2003. التنوع الطائفي في سوريا يشكل بدوره أحد الجوانب المساهمة في تعقد الوضع بالبلاد والذي قد يزيده التدخل الخارجي تعقيدا أكثر، مما ينذر بانفجار الوضع أكثر في حال سقوط النظام مثلما حدث في العراق. في ليبيا كان هناك تجانس على المستوى العقائدي بحكم وجود أغلبية سنية في حين يعتبر التعدد الطائفي والمذهبي في سوريا المتمثل في وجود سنة وعلويين ودروز وعرب مسيحيين وأكراد خليطا عصيا على التجانس والالتفاف خلف أهداف موحدة. كما أن المعارضة المسلحة الموجودة على الميدان بدورها خليط غير متجانس بين المجموعات النظامية المنشقة عن الجيش وتنظيمات السلفية الجهادية التي تضم عدد من العناصر غير السورية التي التحقت بجبهات القتال تلبية لنداءات للجهاد لم تخلو من تحريض واختزال للصراع الدائر في البعد الطائفي. ويقول المحللون كذلك، إن كلفة الانخراط في الصراع الدائر في سوريا ستكون باهظة لسوريا لكون الاقتصاد السوري في حالة انهيار. ليبيا كانت قادرة على تحمل تبعات إعادة الإعمار لكونها أول بلد مصدر للنفط في إفريقيا وتضم ساكنة لا تتجاوز 6 ملايين شخص. بالمقابل، فسوريا "بلد مجموع سكانه 24 مليون شخص، تقريبا ثلثهم، أي 7 ملايين، تم ترحيلهم، 2 مليون خارج البلاد و5 مليون بالداخل"، يقول جوشوا لانديس، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة أوكلاهوما. ويضيف لانديس أن اقتصاد البلاد هو اليوم اقتصاد منهار وأن انهياره مرشح لأن يزداد، متوقعا أن يمر فصل الشتاء قاسيا على السوريين في ظل تراجع المحصول الفلاحي بسبب الأوضاع الأمنية. وتبقى أحد الاختلافات المهمة أيضا في الظروف المحيطة بالضربة العسكرية التي وجهت إلى ليبيا وتلك المزمع شنها ضد نظام الأسد هو تباين الأهداف المسطرة. ففي الحالة الليبية، تقول إذاعة "إن بي آر" الأمريكية المعروفة، "سعى أوباما وحلفاؤه للتخلص من نظام القذافي. أما في سوريا فقد وصف الرئيس أن الهدف هو منع النظام من استخدام أسلحة كيماوية". وأضاف تقرير للإذاعة الأمريكية أنه إبان الضربة العسكرية ضد قوات العقيد الليبي "أنهت الولاياتالمتحدة تدخلها العسكري بعد سبعة أشهر عندما قتل القذافي. أما في سوريا فليس من الواضح بعد أي شكل ستتخذه العملية العسكرية وإلى متى ستستمر".