في الوقت الذي قطعت فيه العدالة الإيطالية شوطا كبيرا في فضيحة سوناطراك، وصلت حد سجن أحد رجالات الطرف الإيطالي، في هذه الفضيحة العابرة للحدود "بييترو فاروني"، لا يزال تعاطي العدالة الجزائرية يلفّه الكثير من الغموض . وكانت محكمة ميلانو في بشمال إيطاليا، قد أصدرت مذكرة توقيف دولية بحق فريد بجاوي، (نجل شقيق وزير الخارجية السابق محمد بجاوي)، الوسيط في فضيحة الرشوة، وراسلت دولا أجنبية ك"تايلندا" و"هونغ كونغ" و"لبنان"، لتجميد أصول تابعة للمتهم. فكيف ينظر الحقوقيان بوجمعة غشير، وميلود براهيمي إلى هذا التباين الواضح في تعاطي العدالة الجزائرية مع القضية ذاتها؟ يقول رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان في الجزائر: "التفسير الوحيد الذي يمكن قوله هنا، هو أن العدالة الجزائرية غير مستقلة، وتؤدي مهامها في ضبابية بحجّة عدم التعدي على سرية التحقيق، ولكن المواطن من حقه أن ينوّر بمعلومات قد لا تضر بسير التحقيق". ويرى بوجمعة غشير، في اتصال مع "الشروق"، أن ارتباط قضية سوناطراك (سايبام / إيني)، ببعض الرؤوس الموجودة في قمّة الهرم السياسي، جعل القاضي المكلف بالقضية، حتى ولو كان نزيها، يتريث ويفكر مليا قبل الإقدام على أي خطوة". ويعتقد المتحدث أن فضيحة سوناطراك ستجد طريقها إلى الحسم، لأن العدالة الإيطالية التي تعاملت بحزم مع المتورّطين في هذه القضية، بغض النظر عن جنسيتهم، ستشكل عبء ثقيلا على العدالة الجزائرية، وستدفعها للمضي قدما في التعاطي بصرامة مع هذه القضية، ومع بقية قضايا الفساد الأخرى التي لها علاقة بالقضية الأم. وعبّر رئيس رابطة حقوق الإنسان، عن استغرابه من بقاء وزير الطاقة والمناجم السابق، شكيب خليل، "حرا طليقا"، لم يستمع إليه من طرف الضبطية القضائية وهو يتجوّل حرا في الداخل والخارج، بالرغم من أن كل الدلائل تؤكد أنه متورط في هذه القضية، بدليل توصل العدالة الإيطالية إلى معلومات مفادها أن العمولات (الرشاوى) التي كان يتسلّمها المتهم فريد بجاوي، يتم وضعها بين أيدي وزير الطاقة السابق، بحسب ما قررته محكمة ميلانو، وأوردته صحيفة (كوريرا ديلا سيرا) الإيطالية أول أمس". من جهته، أفاد الأستاذ ميلود براهيمي، أن النظام المتّبع في محاكمة الوزراء يختلف عن القضاء العادي، ومن ثم فمن السابق لأوانه القول بأن العدالة الجزائرية، تكون قد غضّت الطرف عن قضية سوناطراك. ومعلوم أن محاكمة الوزراء والإطارات العليا للدولة، تتم على مستوى المحكمة العليا وبعيدا عن الأضواء، كما حصل في فضيحة الخليفة، التي برّئ فيها عدد من الوزراء، منهم وزير السكن الحالي عبد المجيد تبون، وفي قضية الطريق السيّار شرق غرب التي لا تزال قيد التحقيق، حسب مصادر مطلعة. وأضاف ميلود براهيمي، في اتصال مع الشروق: "في السابق كانت المعلومات المتعلقة بالتحقيق في أية قضية تأتي من عند الشرطة أو الدرك أو الأمن، أما الآن فنحن أمام سابقة فريدة، إذ لأول مرة في تاريخ العدالة الجزائرية، تأتينا المعلومات المتعلقة بقضية فساد داخلية من الخارج". وتساءل المتحدث إن كانت ملفات القضية قد وضعت بين أيدي القاضي، وقال: "هناك مسار تتبعه قضية من هذا القبيل، فهي تمر في البداية عبر قناة وزارة الخارجية، ثم إلى وزارة العدل، قبل أن تصل إلى النائب العام الذي يحولها بدوره إلى وكيل الجمهورية لفتحها بصفة رسمية. أعتقد أنها إذا وصلت إلى القاضي، فالأمر انتهى، لأن القاضي لا يمكنه الرجوع إلى الوراء".