بعد انطلاقتها كمطربة تمزج اللهجة المحلية بالإيقاعات الصاخبة، أنضجت تجربتها المتجذرة في تراث والدها وعمها اللذين كانا من مؤسسي «ناس الغيوان» و«المشاهب». حفلتها بعد غد ستكون مسك الختام في مهرجان «حيّ» في القاهرة. اثنا عشر عاماً تفصل بين خنساء باطما وألبومها الأول «مليتك مليتك» (2001). قدّمت الفنانة المغربية نفسها للمستمع المغربي والعربي كمطربة روك. كان جديداً كلياً على الذائقة العربية والمحلية أن تستمع إلى كلمات عامية على أنغام الروك. وهو ما صرحت به قبلاً ل«الأخبار» حين قالت: «في البداية، كانت فكرة أداء الروك مع اللهجة المغربية، غريبة وغير مسبوقة أيضاً. لم يهضمها بعضهم ولامني عليها آخرون». ليس جديداً على المغرب أن ينتج فناً موسيقياً مختلفاً. اشتهرت فرق موسيقية كثيرة في ما يندرج تحت مسمّى الموسيقى البديلة. لم تلقَ هذه الموسيقى رواجاً في المشرق العربي قبل نهايات الثمانينيات وبداية التسعينيات من القرن الماضي، يوم صارت أغنياتٌ مثل «الله يا مولانا» و«أنا عييت» مألوفة للأذن المشرقية، وذاع صيت فرقة «ناس الغيوان» إلى جانب فرقة «المشاهب» مع أغنيتيها «قابيل وهابيل» و«العالم الطريحة». على خلفية هذه الجذور، بزغت موهبة خنساء. عمها العربي باطما (19481998) كان من مؤسسي «ناس الغيوان» في الستينيات، وأبوها محمد باطما (1952 2001) من مؤسسي فرقة «المشاهب». أينعت زهرة خنساء الموسيقية بماء الروك، إلى جانب موسيقى والدها وعمها، فخرج إلى النور ألبومها الأول بتطلعات كبيرة نحو تجربة مختلفة عن تجارب سابقيها. في ألبومها الثاني «أبواب الصحراء» (2002)، استثمرت جزءاً من الموروث العربي الأندلسي، مع إظهار تأثرها بموسيقى والدها محمد باطما وعمها الكبير، فقدّمت تجربة روك أكثر نضجاً من سابقتها. بعدها، عادت خنساء بألبومها الثالث «غرني» الذي اشتهر باسم «نستاهل»، وهو اسم أشهر أغنية من أعماله، وكانت قد أصدرتها منفردة قبل الألبوم. في أثناء إعداد الألبوم، شاركت في الفيلم الفرنسي «عيد الميلاد» (2006)، وقبله قدمت مجموعة من الاسكتشات على قناة تركية، وقدمت العديد من عروض الأزياء، وشاركت مغني الراب «بيغ» في «اسمعني»، وهو المختلف كلياً عن تجربتها الموسيقية. خنساء لا تتخيل نفسها تغني باللغة العربية الفصحى: «سيكون ذلك مضحكاً... سيكون صعباً أن أقدم أغنيات شبابية خفيفة بالفصحى. لا تتوقع مني الغناء يوماً بعربية فصحى. أنا لست أم كلثوم. والجيل الجديد بات أكثر انفتاحاً من الأجيال السابقة. أغلب شباب اليوم متعددو اللغات. وهذا يعطيني حرية أكبر في التوجه إليهم». خنساء التي وُلدت ونشأت في الحيّ المحمدي في الدارالبيضاء، بدأت دراسة الموسيقى في سن الثامنة في معهد «عين الشق» في الدارالبيضاء، واستمرت دراستها سنتين. إلا أنّ والديها، وخصوصاً والدتها، كانا يرفضان فكرة دخولها المجال الفني بسبب متاعبه وصعوباته. ولكن بما أن هذه الاختيارات لا يتحكم فيها أي منطق، فقد كان حبها للغناء أقوى من كل شيء. هكذا، بعد حصولها على شهادة البكالوريا، التحقت بكلية الآداب والعلوم الإنسانية في «عين الشق»، ولكنها جمّدت دراستها في هذه الكلية لمدة سنة كاملة كي تتفرغ لتسجيل ألبومها الأول مع شركة Ftg. حدث ذلك من دون علم والديها. علماً بأنّ خنساء هي أيضاً ابنة عم الفنانة دنيا باطما التي اشتهرت في الموسم الأول من البرنامج الجماهيري «أراب آيدول»، وخسرت اللقب في المرحلة النهائية لمصلحة المصرية كارمن سليمان. تقدم خنساء حفلة موسيقية بعد غد الجمعة في «مسرح الجنينة» في حديقة الأزهر ضمن ختام فعاليات مهرجان «حيّ» الذي بدأت فعالياته في 18 تموز (يوليو) الحالي. الحدث الذي يقام في رمضان، يركّز عادة على استضافة الأصوات النسائية المهرجان، إذ كانت البداية مع العازفة الموريتانية نورا منت سيمالي، ثم التونسية نوال بن كريم، والفلسطينية سناء موسى، بينما تحيي الفنانة التونسية غالية بن علي حفلتها على المسرح غداً الخميس، على أن تختتم خنساء باطما الليلة الأخيرة من المهرجان. ويرجح أنّ تقدم الفنانة أغنيات من أحدث ألبوماتها Awmaloulou الذي صدر العام الماضي. هنا، تستعيد الفنانة الأغنية الخالدة للفنان المغربي الراحل محمد فويتح «أو مالو لو» لتعيد تقديمها في قالب روك أكثر صخباً هذه المرة. المشروع الجديد يكشف الشكل الموسيقي الجديد الذي تسير عليه الفنانة. لقد أعادت باطما تقديم أغنيات من الموروث الشعبي المغربي ودمجتها على أنغام الروك الصاخب وال«ميتال». النتيجة؟ سيسمعها مساء الجمعة أهل «الجنينة»!