لم يكن أحد يتوقع سقوط الإخوان بهذه السرعة وبالذات بعد كلمة الفريق عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع يوم الثاني عشر من مايو (أيار) أمام جمع من الأدباء والفنانين التي أكد فيها ضرورة إيجاد توافق سلمي بين النظام الحالي والمعارضة، وقال إن «محدش هيشيل حد» وإن «الجيش لن ينزل إلى الشارع ليغير أنظمة، وإذا نزل فإن مصر ستعود إلى الوراء 40 عاما»، وحث على الوقوف أمام صناديق الاقتراع ولو لمدة 15 ساعة أفضل من تدمير البلد. قد يكون هذا أكبر دليل على أن عزل الرئيس مرسي كان عملا وطنيا واستجابة لمطالب الشعب، ولم يكن مخططا له وإلا لما أعطى السيسي إشارة واضحة إلى الجميع أن يتخلوا عن فكرة انقلاب عسكري على الحكم رغم انطلاق حركة «تمرد» يوم السادس والعشرين من أبريل (نيسان) ونجاحها في جمع مئات الألوف من التوقيعات في أول أيامها وبدء الدعوات للنزول لمظاهرات حاشدة ضد الإخوان يوم الثلاثين من شهر يونيو (حزيران). ثم جاء اليوم الموعود حيث نزل أكثر من ثلاثين مليون مصري في جميع أنحاء مصر واستجاب جيش مصر العظيم لشعبه وسقط نظام الإخوان بعد عام واحد من الحكم. كان أمام الإخوان فرصة ذهبية للتربع على عرش مصر لعشرات السنين لو أنهم فقط حذوا حذو حليفهم رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء التركي، الزعيم الوحيد الذي بدا غاضبا ومرتبكا وتخلى عن حذره في التعليق على أحداث ثورة 30 يونيو - على عكس جميع زعماء الدول الأخرى - وأطلق تصريحات ضد الجيش المصري للتحيز لما سماه الأقلية، وضد ازدواجية معايير الدول الغربية لعدم تسميتها ما يحدث بمصر بالانقلاب وعدم الدفاع عن مبادئ الديمقراطية وشرعية الصندوق، وأعرب عن تقديره للاتحاد الأفريقي لتعليق عضوية مصر، وبدأ يشير إلى الانقلابات التي حدثت في تركيا وتوعد بمحاسبة أي قائد انقلاب مهما طال الزمن. حين بدأ أردوغان حياته السياسية كان برعاية نجم الدين أرباكان، الأب الروحي للإسلام السياسي في تركيا، الذي أسقطه الجيش التركي - في رابع انقلاب له منذ عهد كمال أتاتورك - في 30 يونيو (حزيران) عام 1979 بعد عام واحد على تولي رئاسة الوزراء بعد أن نادى إلى التقارب مع إيران والبعد عن «الغرب الكافر»، على حد قوله. بعد عدة أشهر من عزل أرباكان وفي نفس العام ألقى أردوغان خطابا وسط مؤيديه قائلا: «مساجدنا ثكناتنا، قبابنا خوذاتنا، مآذننا حرابنا، والمصلون جنودنا»، إلا أنه سجن لمدة أربعة أشهر بتهمة إثارة الفتنة والتحريض على الكراهية الدينية. فطن أردوغان إلى ضرورة تبني صورة إسلام أكثر وسطية ليصمد أمام جيش مترقب لأي محاولة تغيير لهوية تركيا المدنية، وبذلك نجح بالفوز في انتخابات رئاسة الوزراء في عام 2003، وفي أول خطاب له أعلن عن نيته دعم ملف انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي الذي في ظاهره يؤكد على مدنية الدولة، ولكن في باطنه يضمن تقليص صلاحيات الجيش الذي وقف عاجزا عن التحرك لكون الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي كان مطلب المدنيين وهو الذي قام بالانقلاب على أرباكان بدعوى حمايتهم. وعلى مدى السنوات العشر التالية نجح أردوغان تدريجيا في السيطرة على الحكومة والشرطة والرئاسة والمحكمة الدستورية وأغلق المؤسسات الإعلامية المعارضة وزج بكل صحافي معارض لنظام الحكم في السجن إلى درجة صارت تركيا تحتل المركز الثالث بعد روسيا والصين في عدد الصحافيين المسجونين طبقا لتقرير في مجلة «الإيكونوميست» البريطانية وتقهقرت تركيا من المركز ال99 في عام 2002 إلى المركز ال154 في عام 2013 بالنسبة إلى حرية التعبير عن الرأي طبقا للتقرير السنوي ل«مراسلون بلا حدود»، وأخيرا السيطرة على الجيش عندما نجح في إطاحة جميع قيادته عام 2011 واستبدل بهم أهل «الثقة» ومن يدينون له بالولاء. هكذا فعل أردوغان إنما على مدار عشر سنوات، والأهم أنه في المقابل اهتم بالاقتصاد وحول تركيا من دولة على وشك الإفلاس إلى واحدة من الدول الأكبر اقتصادا في العالم واهتم بتحسين مستوى المعيشة للفرد الذي تضاعف دخله أكثر من ثلاث مرات، الأمر الذي جعل شعبية حزبه تتزايد على مدار ثلاث دورات انتخابية برلمانية على الرغم من جميع سلبياته، مما شجعه على الإفصاح عن نيته لتغيير الدستور لتبني النظام الرئاسي، حيث إن الدستور الحالي لا يسمح له بالترشح لرئاسة الوزراء مرة أخرى. كان واضحا أن الأولوية عند الإخوان في مصر هي السيطرة على جميع مفاصل الدولة في أسرع وقت ممكن مهما كانت الخسائر ودون أي اعتبارات، فكان الهجوم على المشير محمد طنطاوي وزير الدفاع السابق واللواء مراد موافي رئيس الاستخبارات الذي انتهى بعزلهما والانفراد بكتابة دستور إخواني وفرضه بالقوة على جميع فئات الشعب دون التوافق عليه، ثم دعوات تطهير الداخلية والسيطرة الكاملة على الحكومة والمحافظين والهجوم الضاري على القضاة والمحكمة الدستورية وتغيير أعضائها والهجوم على جميع الإعلاميين ومالكي القنوات الفضائية المعارضة للنظام. كل هذا في غضون أشهر معدودة في الوقت الذي تراجعت فيه جميع المؤشرات الاقتصادية وازداد المواطن المصري فقرا. يبدو لي أن غضب أردوغان سببه سوء أداء الإخوان بعد أن فتح لهم أبواب البيت الأبيض بعد ثورة 25 يناير وساندهم طوال العامين الماضيين، قد يكون سببه هو إيقانه أن فشلهم الذريع قد قضى على حلمه لعودة الخلافة منذ أن انتهت عام 1927 على يد كمال أتاتورك، وقد يكون ارتباكه بسبب ذعره من إمكانية تكرار سيناريو محمد مرسي معه شخصيا على يد الجيش التركي الملقب بحامي حمى المدنية. * الرئيس التنفيذي لشركة خدمات المعلومات والتقنية القاهرة