في ضاحية إيسي ليه مولينو، على مدخل باريس الجنوبي الغربي تقع مكاتب قنوات تلفزيون «فرانس 24» الإخبارية التي تضم أيضا مكاتب إذاعة «مونتي كارلو» الدولية وإذاعة «فرنسا الدولية»، ومنها جميعا تتشكل الذراع الإعلامية الفرنسية الضاربة في فضاء الإعلام الدولي التي عهد بها منذ شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي إلى ماري كريستين ساراغوس. وخلفت ساراغوس في منصبها الجديد الآن دو بوزياك الذي رافق إنشاء قنوات «فرانس 24» الثلاث الفرنسية والإنجليزية والعربية، لكن رئاسته تميزت بنزاعات حادة مع المديرة العامة كريستين أوكرانت ما انعكس على أداء القنوات المذكورة وعلى تطورها وخصوصا على أجوائها الداخلية. وساراغوس ليست جديدة في عالم الإعلام. فقد جاءت إلى رئاسة الإعلام الخارجي بطلب ومباركة من المجلس الأعلى «السمعي - البصري» في فرنسا الذي اختارها من بين مجموعة متنافسين وعرض خياره على الرئيس فرنسوا هولاند الذي وافق عليه. وقبل «فرانس 24» رأست ماري كريستين ساراغوس المولودة في الجزائر مرتين القناة الفرانكفونية «TV5» التي انتقلت إليها من وزارة الخارجية الفرنسية. وخلال السنوات التي أمضتها في الخارجية، اهتمت بالتعاون الثقافي واللغوي وخصوصا بالإعلام وبالتلفزة متنقلة في مناصب كثيرة ذات علاقة بهذا القطاع. ولذا لم يكن وصولها إلى «فرانس24» مفاجئا بالنظر لخبرتها في هذا القطاع. ولم تصل ساراغوس وحدها إذ عينت سريعا الإعلامي اللبناني الفرنسي مارك صيقلي مديرا عاما للشبكة بقنواتها الثلاث. وصيقلي يتمتع بتجربة تلفزيونية صلبة إذ عمل بشكل أساسي للقناة الثالثة في التلفزيون الفرنسي حيث تنقل في جملة مناصب منها إدارة قسم الأخبار. كذلك ساهم في إطلاق قناة «Medi1 Sat» الإخبارية وأشرف على إدارتها التحريرية. بعد 8 أشهر من وصولهما إلى إدارة المحطة، رأت «الشرق الأوسط» أن تلتقي مسؤوليها الرئيسين ماري كريستين ساراغوس ومارك صيقلي في جولة تقويمية أولى لحصيلة عملهما وللتعرف على ما يخططان له وعلى رؤيتهما للمشهد التلفزيوني التنافسي العربي ولموقع القناة العربية ل«فرانس 24» التي بدأت البث 24 ساعة في اليوم في شهر أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2010. في الأساس، أراد صاحب المشروع وهو الرئيس الفرنسي جاك شيراك توفير أداة إعلامية قوية لفرنسا لتنافس القنوات العالمية مثل «بي بي سي» و «سي إن إن» الألمانية والقنوات الإخبارية الروسية والإيرانية والتركية فضلا عن القنوات العربية مثل «الجزيرة» و«العربية». وشيراك أراد أداة إعلامية «تنقل الرؤية الفرنسية» وتعكس «اللمسة الفرنسية» في فهم قضايا العالم ومشكلاته وتحولاته. واختار شيراك شبكة تلفزيونية بلغات ثلاث لتصل إلى العدد الأكبر من المشاهدين، وهو ما يسعى القائمون على الشبكة لتحقيقه من خلال استخدام كافة قنوات الإيصال والتواصل الحديثة بما فيها الهواتف الذكية والبرامج التفاعلية والتواصلية المختلفة. تقول ماري كريستين ساراغوس ل«الشرق الأوسط» إن المعروض الإخباري الذي تقدمه شبكات «فرانس24 » «يتميز بتموضعه وتفرده ومهنيته وبالرزانة في التعاطي مع الخبر والدقة في التحليل والقدرة على التجاوب مع المستجدات» عبر العالم. بيد أنه قبل ذلك كله، تتميز شبكة «فرانس 24» بقنواتها الثلاث بكونها تحمل قيما عالمية مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان ووضع المرأة التنوع واحترام الرأي والرأي الآخر والتسامح وتقبل الآخر. وتعتبر ساراغوس أن ما وصلت إليه الشبكة 17 مليون مشاهد تراكمي أسبوعيا للقنوات الثلاث في العالم العربي مشرقه ومغربه يبين أنها وجدت طريقها ومكانها داخل المشهد الإعلامي العربي. وتؤكد ساراغوس أن «فرانس 24» الفرنسية هي المهيمنة في أفريقيا كما أنها أصبحت الشبكة المرجع في العالم العربي خصوصا في بلدان المغرب العربي حيث يكبر حضورها باستمرار. أما على المستوى العالمي، فإن «فرانس 24» تحقق نسبة مشاهدة مرتفعة تصل إلى 45 مليون مشاهد تراكمي أسبوعيا. وترى ساراغوس أن ما يعطي الشبكة جانبا من تميزها هو أنها تحتضن 66 جنسية يمارسون 14 لغة. وهي وإن كانت تصدر بلغات ثلاث وتتوجه إلى جمهور متمايز بين منطقة وأخرى، إلا أنها «تنطق بلسان واحد» إذ إنها شبكة بديلة توفر للمشاهد وجهة نظر أخرى غير التي اعتاد على سماعها وتوسع حدود حرية الفكر والتعبير. ولا ترى ساراغوس غضاضة في أن يكون تمويل «فرانس 24» يأتي من ميزانية الدولة الفرنسية وهي تصر على التمييز بين «التلفزيون الحكومي». و«الإعلام العام» الذي لا يفقد حريته في الخبر والتحليل لا بل إن تمويله «تضمن له الحرية». ومن ناحية أخرى، ترى ساراغوس أن لفرنسا «شرعيتها» في أن يكون لديها قناة ناطقة بالعربية بالنظر إلى أن العالم العربي الذي يشكل جزءا من التاريخ الفرنسي فضلا عن العدد الكبير للجالية العربية الموجودة على الأراضي الفرنسية وهي الأعلى في كل أوروبا. ويرى المدير العام مارك صيقلي أن القناة العربية تستفيد من ملل المشاهد العربي من المعروض التلفزيوني عليه ومن رغبته بشيء جديد مختلف بعيد عن الآيديولوجية ويركز على الإعلام فقط ويتعامل مع الخبر بدقة ومهنية بعيدا عن التلاعب والتسخير. وينوه صيقلي بما توفره القناة من برامج ثقافية واجتماعية وبالظواهر الجديدة في فرنسا وأوروبا والعالم. وتلخص ساراغوس سياسة الشبكة بخمس كلمات هي: التميز، الاختلاف، الصرامة، الثقة وأخيرا السرعة في ردة الفعل. رغم ما حققته الشبكة، تعتبر ساراغوس أنها لم تصل بعد إلى احتلال كامل الحيز الذي يعود إليها. بيد أنها «على الطريق» وهي مستمرة في التقدم إذ إننا ما زلنا في بداية الطريق. وما تحتاج إليه الشبكة هو توفير الوسائل والإمكانيات المادية التي تمكنها من التطور والنمو. لكن المسؤولين عنها يراهنون أولا على قدراتها التحريرية. ولذا، فإنهم رسموا خطة استراتيجية تحريرية بدأ العمل بها أوائل الشهر الماضي. وفي ما خص القناة العربية، فإنها تقوم على موعد إخباري أساسي مساء مدته خمس ساعات مع برامج وأبواب جديدة وحوارات مباشرة وريبورتاجات فضلا عن ساعة كاملة مخصصة لأخبار وتحليلات تتعلق بالمغرب العربي. ومن جديد القناة «جريدة الجرائد» التي تلخص كيفية تعاطي الوسائل الإعلامية العربية مع حدث اليوم. وتخطط الإدارة لإطلاق موعدين إضافيين الأول صباحا والآخر ظهرا. وبموازاة ذلك، تعمل الإدارة على «توسيع» انتشار «فرانس24» باللجوء إلى كل التكنولوجيات الحديثة باستخدام الهواتف الذكية واللوحات الرقمية والشبكات الاجتماعية. ويؤكد مارك صيقلي أن القناة «لا تحرم نفسها» من أي تجديد أكان على صعيد المواضيع التي تطرحها على النقاش أو العقود التي تبرمها من أجل توسيع دائرة انتشارها ومن ذلك إبرام اتفاقيات مع مؤسسات تلفزة في العالم العربي كما أنها تعمل للإطلالة بحلة جديدة الخريف القادم.