الخوف والإعجاب: تلكم هي الهيبة التي تعبر عن الإحساس المزدوج الذي يغمر الناس بمجرد التفكير في الملك. إن الوجل الممزوج بالافتنان المتولد عن المشهد الخارق. ويدخل فيه التقدير والتعظيم والرهبة، مثلما هو الشأن في الإجلال، أي وقوف المرء أمام الإله. الإجلال، هو الذي تفرعت عنه احدى التسميات الكبرى التي تعبر عن العظمة الملكية، ألا وهي جلالة الملك. الهيبة، أي الرهبة التي تتملك الناس بمجرد أن يتعلق الأمر بالسلطة، ونتيجة التهديد الحقيقي الذي تمثله السلطة، ونتيجة الاستعمال العلني والاستعراضي للعنف، صحيح ان هذه لا تشكل إلا احد مظاهرها، غير انه مظهر له أهميته. فاللغز الذي يحيط بالملك في تمثلات الناس، وكذا بروتوكول البلاط الذي يخضع له الزائر، عاملان يساعدان على ترسيخ الهيبة في الأذهان. قام احد الخلفاء، وهو يستعد لاستقبال وفد من مصر، بإصدار أوامره لحاجبه جاء فيه: إذا دخل الوفد فتعتعوهم اشد تعتمة تقدرون عليها، فلا يبلغني رجل منهم إلا وقد همته نفسه بالتلف. وقد فعل ذلك فعله فيهم، بحيث إن الرجل الأول الذي دخل على الخليفة لم يتردد في نعته برسول الله. يجرنا هذا الحادث الى المراحل الاولى من تأسيس الدولة في العالم العربي الإسلامي. السلطة تضع، بصورة علنية، البروتوكول المناسب من اجل خلق الحيرة والذهول. فمع الحكم الاموي تأسست طقوس زعزعة الجمهور الحاضر امام الملك. ينبغي ان يتملك الرعب قلوب الحضور بمجرد التفكير في اجتياز عتبة القصر. ومن ثم، فإن الرجل يقابل الملك "بصدر هياب ولب وجاب، وإن كانت ساعة اعزاز وتكرمة وإحسان وتولية". إن هذا الخوف الشديد الى درجة ان ابن عباس، احد رجالات البلاط مع ذلك، ينصح رجلا يدخل مجلس السلطان بتلاوة دعاء يحميه من غضب الطاغية فقال: "الله أكبر وأعز مما أخاف واحذر، اللهم رب السماوات السبع ورب العرش العظيم، كن لي جارا من عبدك فلان وجنوده وأشياعه، تبارك اسمك وجل ثناؤك وعز جارك ولا إله غيرك". الأبهة تكرس الهيبة، فقد كان الخليفة معاوية يحرص على الاعتناء بمظهره، وكان كلما استعد لمقابلة الناس ارتدى "عمامته الحرقانية واكتحل، وكان من اجمل الناس اذا فعل ذلك". وبالمثل، كان يتعين على زوار السلاطين الاعتناء بمظهرهم بصورة تبعث على التقدير والاحترام، وتتماشى مع الطقوس المعمول بها، لان ذلك "أشبه بالاحتفال بالتعظيم والإجلال، وأبعد من التبدل والاسترسال، وأجدر ان يفضوا بين مواضع انسهم في منازلهم ومواضع انقباضهم". إبان الحكم العباسي، كان المقربون من الملك وخدامه يرتدون ملابس تختلف باختلاف مراتبهم. اما السيد في حد ذاته فيتوجب عليه ان يعمل لباسه، خلال جلسة الاستقبال، على تعميق الإحساس بالطاعة والامتثال.