تمر بلادنا اليوم بظروف سياسية واقتصادي واجتماعية جد معقدة وصعبة ، تتسم بتأزم الأوضاع على جميع المستويات والأصعدة ، بداية من أزمة سياسية واضحة تظهر من خلال ما سمي بالبلوكاج الحكومي، وتعطيل عمل المؤسسات، وكذا طريقة تشكيل الحكومة... إضافة إلى أوضاع اقتصادية جد صعبة تظهر من حجم الديون التي خلفتها الحكومة السابقة ، و التداول في مسألة تعويم العملة... وأزمة اجتماعية خانقة تظهر هي الأخرى من خلال الأوضاع الاجتماعية التي تعيشها شرائح واسعة من المجتمع ( الفقر البطالة الأمية تدهور الأوضاع الصحية ضعف القدرة الشرائية ....) . على العموم يمكن القول أن بلادنا تعيش أوضاعا مزرية على كافة الأصعدة ، لكن هذه الأزمة ليست وليدة اليوم، بل هي نتاج تراكمات عقود من الزمن، زادت حدتها طبعا في الآونة الأخيرة ، نظرا لغياب إجابات حقيقية في المراحل السابقة. وتتزامن اليوم هذه الأزمة الخانقة مع احتجاجات قوية، في مختلف ربوع الوطن، بلغت ذروتها في منطقة الريف، هذه الاحتجاجات التي ترفع مطالب سياسية واجتماعية عادلة ومشروعة، وتمارس حقها الدستوري بشكل حضاري معلنة سلميتها ، أربكت الدولة ومؤسساتها في طريقة التعامل معها، ويظهر هذا الارتباك من خلال الأخطاء الجسيمة التي ارتكبتها الدولة في التعاطي مع هذه الاحتجاجات، بداية باتهام منطقة بكاملها بتهمة الانفصال، دون إدراك للأبعاد الخطيرة التي قد تترتب على هذا الاتهام، كما يظهر هذا الارتباك من خلال الاعتقالات الواسعة في صفوف نشطاء الحراك وتعذيبهم والمس بكرامتهم، ومنع الاحتجاج السلمي وتعنيف المتظاهرين ، وعدم السماح للصحافة بممارسة مهامها، ومصادرة هواتف المواطنين واستعمال القنابل المسيلة للدموع في مواجهة مواطنين عزل متشبتين بسلمية احتجاجاتهم ..... وتبقى مسيرة 20 يونيو شاهدة على العنف المفرط والشطط الكبير الذي مورس على المحتجين والصحفيين ، والتي انتهت باعتقال العديد من نشطاء الحراك واعتقال الصحفي حميد المهداوي رئيس تحرير موقع بديل، وتلفيق اتهامات له لا أساس لها من الصحة وإدانته بحكم ظالم لم يراعي أبسط شروط المحاكمة العادلة.... إن ما يجري اليوم ببلادنا يعتبر انتكاسة حقيقة في مجال الديمقراطية ، ومذبحة كبيرة لكل المكتسبات التي تمت مراكمتها في مجال الحريات وحقوق الانسان ببلادنا. إن التعاطي مع مطالب المواطنين بهذا الأسلوب، سيزيد حتما من تأجج الأوضاع وسيدفع البلاد إلى اضطرابات هي في غنى عنها، خاصة أمام الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تمر منها بلادنا. إننا نسجل هذه الخلاصة بكل مرارة واستياء وخوف على مستقبل وطننا الغالي، ولا يمكن لأي مواطن غيور على وطنه، إلا أن يقف عند الحقائق كما هي، للبحث عن السبل والمخارج الحقيقية التي تمككننا من الوصول إلى الحلول المناسبة الكفيلة بإخراج بلادنا من هذه الأزمة وإصلاح الأعطاب والأخطاء التي مارستها الدولة، في التعاطي مع الاحتجاجات الأخيرة بما يضمن الاستقرار والأمن الحقيقي ببلادنا، حتى لا تكون بلادنا عرضة لأطماع خارجية تتحين الفرص لتنفيذ مخططاتها التخريبية. لهذا يجب على الدولة أن تفهم أن الاحتجاجات التي تشهدها بلادنا هي احتجاجات طبيعية، ناتجة عن تردي الأوضاع الاجتماعية، مست شرائح واسعة من فئات المجتمع، وأن التعامل معها بمنطق المقاربة الأمنية هو تعامل لا يخدم مصلحة الوطن ولا يجيب عن مشاكل المواطنينن بل على عكس من ذلك، إنه يدفع البلاد إلى الفوضى وعدم الاستقرار، خاصة وأن لوبيات الفساد قد سيطرت على ثروات البلاد كلها، وتركت المواطنين عرضة للفقر والبطالة والأمية والجهل.. كما عصفت بمصالح البلاد. وعلى الدولة أن تفهم أيضا أن هذه الاحتجاجات سلمية في طبيعتها، والتعامل معها بشكل عنيف لا يخدم مصلحة الوطن والمواطنين، إن التعاطي مع هذه الاحتجاجات بمنطق المقاربة الأمنية يضعها في مأزق أمام العالم، ويعصف بما راكمته من تقدم في مجال حقوق الانسان على الصعيدين الداخلي والدولي،وسيعود بها الوضع إلى نقطة الصفر. و سيترتب عن ذلك أزمات حادة وأوضاع سياسية واجتماعية صعبة ومعقدة، ستقود بلادنا إلى النفق المظلم. إن حدة الأزمة التي تعرفها بلادنا، تتطلب حلولا استعجالية وآنية تصب في توفير الأمن السياسي والإقتصادي والإجتماعي للدولة والمجتمع، كما تتطلب استبعاد المقاربة الامنية التي وإن استمرت ستزيد الأوضاع تأزما. وعلى هذا الأساس حان الوقت أن تتحمل الدولة مسؤولياتها كاملة في محاربة الفساد والمفسدين الذين يعبثون بمصالح البلاد والعباد، وعليها أن تفتح أوراشا تنموية حقيقية تجيب عن انتظارات المواطنين، فبدون إجابات عن الأوضاع الاجتماعية المتردية، وبدون تنمية حقيقية شاملة ومستدامة لا يمكن الحديث عن الاستقرار والأمن في بلادنا. كما يجب أن يتحمل الكل مسؤولياته أحزاب، نقابات، جمعيات المجتمع المدني، التي بدورها نخرها الفساد. وأصبحت تهيمن عليها فئات لا تخدم إلا مصالحها مستعملة أسلوب الإقصاء والتهميش ضد من يخرج عن طوعها، عليها أن تقطع مع هذا الواقع الذي يجعلها مجرد أدوات طيعة في يد المفسدين والمستبدين. إن المعادلة اليوم هي أخطر من السابق، فالمجتمع يبحث حاليا عن أمنه واستقراره، اللذان لم تستطع الدولة تحققهما له. وتركته في مواجهة لوبيات الفساد التي تبحث عن شرعنة فسادها، وفي هذه المعادلة تضيع مصالح الدولة والمجتمع معا. نظرا لتغول هذه اللوبيات وسيطرتها على مؤسسات الدولة. إن المجتمع المغربي اليوم يشق طريقه في اتجاه إصلاح أوضاعه السياسية والاقتصادية والاجتماعية بعد أن خذلته نخبه، التي تحصنت بمؤسسات الدولة غير عابئة بما يعيشه من أوضاع مزرية على كافة الأصعدة. فهو اليوم يحتج عن وعي بواقعه، ويعرف أن أمواله نهبت، وحريته سلبت، وحقوقه في التعبير صودرت. إن احتجاجات اليوم، هي إنذار بعاصفة مستقبلية، سيصعب حلها إن تم التعامل معها بالمقاربة التي نشاهدها الآن. بعيدا عن المزايدات السياسية والاتهامات المتبادلة، إننا اليوم في أمس الحاجة إلى رؤية عقلانية، نستطيع من خلالها تجاوز هذه الأوضاع ونحقق من خلالها الامن والاستقرار الذي يبحث عنه المجتمع ويحمي مصالح الدولة.