بعد أن تميزت الأشهر الثلاثة من الحراك الشعبي والشبابي والرسمي والحزبي والنقابي في التعاطي مع آثار الثورة العربية، من خلال استحضار الخصوصية المغربية والاعتدال في المطالب والشعارات التي كانت تلتقي في التأكيد على الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والقطع مع أساليب التدبير السابقة وفي التعاطي الرسمي معها، ظهرت اليوم مؤشرات تبعث على القلق لا تسير في خدمة وتيسير عملية الانتقال، حيث هناك معطيات جديدة منها: انقضاض من قبل بعض التوجهات الراديكالية على المطالب الإصلاحية التي لا خلاف حولها، إذ شهدنا تصعيدا في الشعارات وفي المطالب مما لا يتناسب مع معطيات الوضع المغربي وخصوصياته. والأخطر من ذلك بدأنا نشاهد محاولات غير مسؤولة لتنظيم الوقفات والمسيرات في الأحياء الشعبية أي استثمار أوضاع التهميش والفقر والتذمر الاجتماعي، بل ومحاولة استثمار بعض الاحتجاجات ذات الطبيعة النقابية، مع المخاطر الكبيرة المحتملة لذلك على الاستقرار، مما أدى بالسلطات إلى ردود أفعال، أو استغلال البعض لتلك الانزلاقات في اللجوء إلى القمع والقوة المفرطة، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى تأجيج السخط والتذمر، الذي سيؤدي في أحسن السيناريوهات، إلى خلق أجواء من الشك في أن المغرب سيتقدم خطوات فعلية وحقيقية نحو الإصلاحات. هذا الانزلاق نحو المقاربة الأمنية يبدو أنه ناتج عن تغير في المزاج العام لعدد من المؤثرين في القرار ممن يقدرون ربما أن الخطاب الملكي قد قدم أكثر من اللازم، وأن التجاوب مع المطالب الإصلاحية المشروعة مضر بامتيازاتهم ومصالحهم ومواقعهم، ومن ثم ينبغي كبح التوجهات والمطالب الإصلاحية، ومن يفضلون ويدفعون في اتجاه المقاربة الأمنية على التعامل المستوعب للاحتجاجات، وفي اتجاه تهويل تلك الانفلاتات بدل تفضيل مقاربة سعة الصدر ورباطة الجأش التي يفترض أن تكون في مسؤولي الدولة مع ما يستتبع ذلك من تحمل لبعض الانفلاتات وعدم السقوط في لعبة الراديكاليين الذين تخدمهم المواقف الراديكالية من الطرف الآخر. وبطبيعة الحال فإن الحجة جاهزة وهي تنامي المطالب التعجيزية المتطرفة، والشعارات الراديكالية التصعيدية، والانفلاتات الأمنية التي يمكن أن تترتب عن السعي لإشعال فتيل الفلتان الأمني، ومن ثم تغيير أسلوب التعاطي مع الاحتجاجات السلمية، وهو ما رأيناه مؤخرا في طريقة التعامل مع المسيرات والوقفات من كل ألوانها وأصنافها. اليوم نلاحظ أن الخطابات والمواقف المتطرفة يخدم بعضها بعضا. المواقف الراديكالية أو ما سمي في الأدبيات اليسارية ب: «اليساروية» المرض الطفولي لليسار، وهو ما يمكن أن ينطبق على الحساسية الحركية الإسلامية حين تسقط في المطب نفسه، والمواقف السلطوية القائمة على المقاربة الأمنية العنيفة في التعاطي مع المطالب، والتي تدفع في اتجاه تقسيم المجتمع إلى قسطاطين أو إلى فريقين وطريقين لا ثالث لهما: كلاهما لا يتناسب مع الخصوصية المغربية، ولا يخدمان الإصلاح ويشوشان عليه. لذلك كان من اللازم أن يبرز بقوة طريق وسطي بكل جرأة ووضوح ليقول: لا لكل أنواع الغلو والتطرف، ولكي يؤكد أنه لا سبيل إلا الجمع الخلاق بين الإصلاح والاستقرار، بين الحق في التظاهر والاحتجاج والمسؤولية في الشعارات والخطابات. لا سبيل إلا المضي في تعزيز إجراءات الثقة وتوسيعها، وإعطاء الإشارات الواضحة أننا فعلا مقبلون على إصلاحات حقيقية، من خلال التدابير القانونية والتنظيمية والسياسية التي تشير إلى أننا سنقطع بوضوح مع أساليب التدبير التي قادت إلى الأوضاع التي هي السبب في تنامي كل أنواع الاحتجاجات.