للمرة الثانية، وفي غضون شهرين، تنفذ خلية تابعة ل “الدولة الاسلامية” عملية ارهابية في بريطانيا، قبل ايام من انتخابات برلمانية عامة يمكن ان تكون نتائجها حاسمة على صعيد العملية السياسية في البلاد، وعلاقات بريطانيا المسقبلية مع الاتحاد الاوروبي. انتحاري متزنر بحزام ناسف، فجر نفسه في مكان قريب من قاعة احتفالات كبرى، تتسع ل 21 الف شخص، كانت تشهد حفلا غنائيا، مما اسفر عن مقتل 23 شخصا، بينهم اطفال، واصابة العشرات، وكان من الممكن ان يتصاعف الرقم عدة مرات لو تمكن المهاجم من الدخول الى قاعة الحفل. من خلال قراءة سريعة لما توفر من معلومات حتى الآن عن هذا التفجير واعلان “الدولة الاسلامية” مسؤوليتها عن تنفيذه يمكن التوقف عند ثلاثة امور رئيسية: الاول: ان تنظيم “الدولة الاسلامية” بدأ يكثف عملياته الارهابية في الغرب خاصة، كتعويض عن خسارته معظم الاراضي التي يسيطر عليها في العراق، قرب القضاء عليه في مدينة الموصل، التي باتت معظم احيائها في يد الجيش العراقي والحشد الشعبي في ظل تحالف دولي بقيادة الولاياتالمتحدة. الثاني: يبدو ان التنظيم عاد الى الهجمات الانتحارية، واستخدام الاسلحة النارية، لالحاق اكبر قدر ممكن من الخسائر البشرية، بعد حوالي عامين من لجوء عناصره الى عمليات “الدهس″ بالشاحنات والسيارات، الامر الذي يعكس تحولا مرعبا في الاستراتيجية والتكتيتك. الثالث: كان التنظيم يفضل استهداف عناصره للعواصم الكبرى، مثل لندنوباريس وبروكسل وبرلين، للحصول على اكبر قدر ممكن من الدعاية الاعلامية، واختياره مدينة مانشستر ثاني اكبر المدن البريطانية تقريبا، ربما يعكس توجها، جديدا بتوسيع دائرة عملياته، وابتعادا عن الاجراءات الامنية المكثفة المتبعة في العواصم. بريطانيا ظلت آمنة من العمليات الارهابية منذ تفجيرات مترو انفاق لندن في تموز (يوليو) عام 2005، ويعود ذلك الى الاجراءات الامنية المتشددة، ونجاح الاجهزة في الرقابة والاعتقالات الاستباقية، وتراجع قوة تنظيم “القاعدة” الذي كان متخصصا في تنفيذ هذه الهجمات ضدها، بسبب الضربات المكثفة التي استهدفته في اليمن وافغانستان، وانشغال فروعه في سورية والعراق والجزيرة العربية في حروب اقليمية داخلية. اخذ تنظيم “الدولة” راية الارهاب وتنفيذ عمليات ارهابية في مدينتين بريطانيتين في اقل من شهرين يوحي بان هذا التنظيم بات يركز بالدرجة الاولى على ثلاث بلدان اوروبية اكثر من غيرها وهي باريسلندن وبروكسل، مما يوحي بأنه استطاع تجنيد خلايا نشطة وتحريكها في اوقات متزامنة، يتم اختيارها بعناية. ومن المفارقة ان عملية مانشستر الارهابية جاءت بعد يومين من القمة الاسلامية الامريكية التي انعقدت في الرياض قبل ثلاثة ايام بزعامة الرئيس الامريكي دونالد ترامب، وجعلت محاربة الارهاب على قمة اولوياتها. كون منفذ هذه العملية الارهابية ينتمي مثل زميله الذي نفذ عملية الدهس امام البرلمان في لندن في آذار (مارس) الماضي الى “الدولة الاسلامية” فان هذا سيشكل ضغطا اضافيا على الجالية الاسلامية البريطانية التي يقدر تعدادها الحولي ثلاثة ملايين مواطن، والجاليات الاسلامية في دول اوروبية اخرى، ويجعلها ضحية للهجمات والاعتداءات العنصرية، لكن الحكومة البريطانية تحرص كل الحرص على تبرئة هذه الجالية من وزر هؤلاء الارهابيين بالتأكيد على انهم حالات استثنائية، لان المسلمين البريطانيين اكثر حرصا على الامن والاستقرار والاندماج في النسيج البريطاني باعبارهم مواطنين صالحين، كما يلعب الاعلان البريطاني دورا مسؤولا في التمييز بين الاغلبية الساحقة من المسلمين المعتدلين وهذه الاقلية المتطرفة. هذه العملية الارهابية مدانة وباشد العبارات مثل كل العمليات الاخرى المشابهة، والذين يقدمون عليها، او الجهات التي تدعمهم، او ينتمون اليها، يشكل المسلمون اكثر من 90 بالمئة من ضحاياها، اي انهم يلحقون الضرر البالغ بالعقيدة الاسلامية السمحاء. “راي اليوم”