أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ بقلم : عبد النبي التليدي
جماعة الساحل المعروفة لدى الجميع في الوطن بموقعها الجميل على الطريق الوطنية الرابط بين العرائش وتطوان / طنجة الذي تحفه الأراضي الخصبة من كل جهة حيث البساتين التي تنتج من كل أنواع الغلل بورية ومسقية , وتغطي مساحات من جنباته الغابات التي كانت متشابكة وبالاشجارالتي كانت متنوعة تغلب عليها اشجارالبلوط الاخضروالفلين , والأعشاب التي كانت كثيفة وزاهية , ولا يبعد إلا قليلا عن البحر حيث تمتد شواطئ خلابة فسيحة وجميلة عذراء تغطيها رمالها الذهبية التي ترتطم فوقها الأمواج في منظر جذاب وصوت شاعري , لا تنقطع إلا لتنخفض مع تراجع البحر أناء الجزر بعد المد , أو عندما تتغير الأجواء بتغير الفصول , فيصير المنظر ساحرا وأكثر رومانسية في ليالي الصيف حين تصفو السماء وتتلالا في أجوائها النجوم ويسطع القمر الأحمر كما شاهدنا ولمسنا ذلك هنا في الزمن الجميل الذي مضى ونحن ثلة من الأصدقاء وجماعات من الأسر حيث كان يحلو سهر الليالي جماعة في جو عائلي وجماعي جميل عندما كنا نختار شاطئ سيدي عبد الرحيم للتخييم فيه وقضاء جزء من عطلة فصل الصيف , والحق يقال كان الاستجمام يتم في ظروف طيبة و شروط طبيعية. وينتهي بآمال عريضة في الرجوع إليه وقد تغير وجه الشاطئ إلى ما ينفع كل المواطنين في الجماعة وخارجها من حيث التجهيز بما يجعله شاطئا في مستوى ما حباه الله من جمال طبيعي ومن إمكانات بحرية غنية بمناظرها وبخيراتها من أسماك وخضر وفواكه التي تنتجها الحقول المجاورة وفي قرية رقادة المعروفة ببواكرها وباحتراف رجالها الصيد البحري . وتمكن من فتح مختلف اوراش الأشغال والإصلاح ومن النهوض باقتصاد الجماعة بعد أن تفتح الطرق عوض اقتصار الوصول إليه على مسالك وسط الغابة وعلى سبل عشوائية , خاصة وانه كان قبلة لكل ساكنة الجماعة من مختلف القرى وبل ومن خارجها من المدن المجاورة أثناء فصل الصيف بل وحتى في أيام فصل الربيع عندما تبدأ زيارات الأسر إلى ضريح سيدي عبدا لرحيم المطل على البحر. وبآمال كذلك أن يكون وجه الجماعة قد تغير وأوضاع المواطنين المختلفة فيها قد تحسنت وأضحت جماعة نامية متقدمة اقتصاديا مزدهرة وآمنة اجتماعيا بحكم ما تتوفر عليه من مقدرات فلاحيه زراعية وحيوانية, وغابوية وبحرية وإمكانات سياحية واستجمامية , وعلى طاقات بشرية مهمة فتية واعدة مسنودة إلى ما تتوفر عليه من ارث ثقافي معروف عن الجماعة من خلال ارتفاع نسبة الوعي بين المواطنين فيها بفضل إقبالهم على القراءة في المساجد وفي الزوايا وفي المدارس العصرية التي تخرج منها الكثير من الأئمة والفقهاء وكثير ممن صاروا معلمين وأساتذة وموظفين بعدما التحقوا بمؤسسات التعليم العتيق أو العصري في المدن المجاورة كمدينة العرائش التي لا تبعد عن مركز الجماعة إلا بحوالي عشرة كيلومترات ... وبفضل انتشار الأضرحة التي يؤمها المواطنون من كل حدب وصوب لأنها كانت مزارات يقيمون فيها جلسات الذكر والقراءة وكثيرا من الأنشطة الدينية في مختلف المناسبات كما كانت مجالا لاستعراض مظاهر كثيرة ومختلفة من موروثهم الديني والثقافي ومن تقاليدهم الاجتماعية وعاداتهم الموسيقية والاها زج والرقص الشعبي , في جو من التنافس والفرجة الجماعية التي تثير الإعجاب خاصة تلك التي تقام بعد نهاية موسم الحصاد. ثم بفضل الأقسام الدراسية التي أنشئت في بعض قرى الجماعة والتي تخرج منها عدد من أبنائها في مجالات شتى وتخصصات مختلفة أفادوا وطنهم إما في مجال التدريس أو الإدارة أو الأعمال أو في غيرها , واهتم كثير منهم بالشأن العام من خلال انخراطه في الحياة الحزبية وفي العمل السياسي بغاية تاطير المواطنين ونشر الوعي بين الناس بما يفيدهم ويفيد المجتمع و الجماعة ومن ثم الوطن باعتبار هذا من المسؤوليات التي ألقاها الله سبحانه على الإنسان ومن الوطنية الحقيقية لا الانتهازية ومن أخلاق كل امرئ صادق مخلص لقيم الخير ومبادئ الحق لان ( الأمم الأخلاق ما بقيت فان هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا) كقول الشاعر . فهل استفادت جماعة الساحل من هذه المقدرات التي لا تعد ولا تحصى سواء في البر أو في البحر؟ وهل تحققت الآمال المشروعة في أن تكون الجماعة في مستوى تطلعات الناس داخلها وخارجها ؟ وهل تطورت الجماعة إيجابا بما يتوافق مع إمكانياتها الطبيعية التي وهبها خالق الأرض والسماء لها ؟ أو تدهورت سلبا إلى حد انتشار الإجرام والبطالة وتفشي الجهل و الانتحار وسيادة كل مظاهر التخلف الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والبؤس السياسي والعبث بكل تجلياته ؟ ومن المسؤول عن الأوضاع المؤلمة لجماعة الساحل التي أصبحت مخيفة ومن اللامعقول أن تستمر دون اتخاذ الإجراءات الواجبة لانقادها مما هي عليه والخروج بها وبمواطنيها إلى بر الأمان بعد إعداد برامج التنمية وتتبعها والرفع من مستوى التنمية البشرية المندمجة والمستدامة ؟ أن الجواب عن هذه الأسئلة الحارقة يطول لان المراحل التي عملت على أن تكون جماعة الساحل على ما هي عليه مترابطة تشد بعضها إلى بعض وكانت مسؤولة عنها عناصر معروفة منها من قضت نحبها لا يذكرها احد بخير لأنها أذنبت في حق عباد الله وأثرت على حسابهم وخانت الأمانة التي لم تكن في مستواها بل وظالمة للمسؤولية وجهولة بقيمتها وبخطورتها , وقد قال ربنا ( إنا اعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها ) , ومنها من تنتظر وما بدلت ولا تريد بكل تأكيد أن تتبدل لان الله لا يغير ما بها حتى تغير ما بنفوسها ولأنه مازال سبحانه يختبرها ( إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لتبلوهم أيهم أحسن عملا ) ًصدق الله العظيم. وأسباب متشابهة دائما ما كانت تتكامل يربط بينها حب المال والمصلحة الخاصة والرغبة في الاستغلال من دون تقدير للمسؤوليات أو شعور ما بالإنسانية تعتمد على بعض السلطة وعلى كثير من الأمية والجهل وعلى ذوي الباع الطويل في ( التبر كيك والتخلويض ألخاوي والبئيس ) وعلى الإشاعات والوشايات الكاذبة ممن لا إيمان لها أو ضمير حي إلا اكل حق الناس بالباطل والاسترزاق الحرام بعدما باعوا أنفسهم بثمن زهيد لمن يعتبرونهم أسيادا وحماة لهم. وقد نشرت مقالات في هذا الموضوع وبتفصيل عن المظاهر والأسباب يمكن لمن يعنيه بعض تاريخ الجماعة وشانها أو أي أمر آخر أن يعود إليها حيث توجد رهن إشارته. وواقع الجماعة لا يرتفع , فهو واقع متخلف سياسيا لان السياسة أخلاق لكنها في جماعة الساحل لا أخلاق ووسيلة للفساد العام وللاسترزاق بكل أشكاله ولو بالانبطاح الكامل و استغلال المواطنين المغلوب على أمرهم بشتى الوسائل الرخيصة والدنيئة ولان الأحزاب السياسية اقرها الدستور لتاطير المواطنين لكنها في جماعة الساحل دكاكين لفساد المواطنين وللبيع والشراء في عباد الله خاصة بمناسبة الانتخابات التي أضحت لدى كثير من العناصر وسيلة للإثراء على حساب الغير وعلى حساب الصالح العام من دون احترم لمقتضيات الدستور ولا للقوانين المؤطرة للعمل الجماعي أو اعتبار للتوجيهات العامة ومنها خطب جلالة الملك المختلفة في كل مناسبة وفي مثل هذه الأحوال لان القلوب التي في الصدور قد عميت ولأنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء , إلى حد صارت فيه التحالفات داخل المجلس الجماعي عبثية ومفضوحة بل وغير أخلاقية ومخالفة لكل القوانين والأعراف لأنها تبنى على المصالح الشخصية وعلى الرغبات الرخيصة البعيدة عن الدين وعن الوطنية و مدى تحقق الغايات الفردية النفعية وعلى الاستفادة ما أمكن من( الكعكة الحرام ) وان اقتضى جوع البعض اكل لحم المواطنين وهم أموات , فيئس لهم ( وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباؤوا بغضب من الله ) . وذلك عوض أن تبنى التحالفات على التنافس الشريف وعلى البرامج التي يتطلبها نمو الجماع وعلى ما من شانه أن يحقق الأهداف النبيلة من الانتخابات والغايات الشريفة من العمل الجماعي ويحقق بالتالي المصالح العامة لعباد الله في ارض الله. وهو أيضا واقع متخلف اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا ويعتبر تحصيل حاصل للعجز في تسيير المجلس الجماعي , وضعف شديد في التخطيط والبرمجة , وسوء التدبير الإداري والإنفاق المالي , وللأطماع الخاصة لمن تسابقوا , من خلال أساليب مشروعة وكثير منها غير مشروع على المسؤولية إلى المجلس وداخل المكتب ...فلا وجود لمخطط جماعي للتنمية اعد أو إنعاش تنمية الاقتصاد المحلي تم تحفيزه أو مرافق وتجهيزات عمومية محلية تشرف أحدثت أو وقاية صحية ونظافة للجماعة أنشئت , ولا وجود أيضا للتجهيزات والأعمال الاجتماعية والثقافية يمكن اعتبارها والاعتداد بها طبقا لما أتت به النصوص المختلفة للميثاق الجماعي الجديد , إلى غيرها من مظاهر التخلف والعشوائية التي أصبحت تعرف بها الساحل وصارت وبالا على واقع الجماعة حاليا ومستقبلا وأضحت تهدد الأمن والاستقرار فيها ولا أدل على ذلك من ارتفاع نسبة الجريمة فيها التي( وصلت إلى المدخل الرئيسي للإعدادية فيها حيث قتل شاب في مقتبل العمر انقطع حديثا عن متابعة الدراسة على يد شاب آخر يتعاطى المخدرات حسبما نشر...) وهي جملة عن حادث مأساوي تعطي صورة حقيقية عن الكيفية التي تجمعت فيها أسباب الإجرام في الجماعة, بالإضافة طبعا إلى البطالة التي تفشت بين الساكنة وبخاصة في وسط الشباب و هي من أقدم وأغنى الجماعات القروية في الإقليم والجهة. وجملة القول أن جماعة الساحل التي كان بإمكانها أن تكون نموذجية في الجهة إن لم تكن في الوطن لما تتمتع به من موقع استراتيجي وجميل وخير طبيعي عميم , صارت نموذجية لسوء حظها في التخلف وفي الفقر والضياع بعد أن أسندت الأمور فيها لمن لا يستحق من أميين وأشباه أميين و بعد إن لم يتم حسن استغلال ثمرات الله فيها , وتم قبل ذلك التفريط في أجزاء منها أساسية ومهمة لضعف مسؤوليها ورغبة منهم في إرضاء أسيادهم مقابل استمرار تحكمهم في الجماعة واستنزاف خيراتها بالباطل وعن سابق إصرار وترصد... ومنها موقع ليكسوس الأثري الذي يعود تاريخه إلى ما قبل عهد الفينيقيين , وقرية رقادة المشار إليها أعلاه الذين سلما لمدينة العرئش بكل سهولة ويسر كما سلمت كثير من إمكاناتها... علما انه كان من الأجدى والأنفع أن يحدث تكامل اقتصادي بين الجماعتين يستفيد منه الجميع.. وأخيرا وليس آخرا فان إحداث التغيير في جماعة الساحل لن يتم ما دامت الأمور تدبر فيها بمزاجية وخارج الضوابط القانونية , وبناء على المصالح الشخصية وما دامت عناصر هدامة ومسؤولة عن تخلفها مازال لم يوضع لها حد و المجال أمامها مفتوحا للتأثير في الشأن العام للجماعة بشكل يثير الاستغراب والأسئلة , خاصة وانها جاهلة ومرتزقة لا يرجى منها خيركما لا يرجى من أحمق وجاهل خير أيضا... وهو تغيير لن يحدث أيضا ما لم تساهم فيه السلطات بمختلف مهامها و مستوياتها , وما لم يع أيضا المواطنون ومنهم الشباب بخطورة استمرار الأوضاع الغير مشرفة لهم ولا لأبنائهم اليوم ومستقبلا على ما هي عليه , وما لم يتحملوا مسؤولياتهم في العمل بكل الوسائل المشروعة على التغيير من خلال نشر الوعي وفضح العابثين بمقدرات الجماعة والمفسدين فيها وفتح ملفات فسادهم وفضحهم أمام الرأي العام المحلي والإقليمي ولدى المسؤولين هنا وهناك باعتبارهم مسؤولين أمام الله والوطن ومسنودين بمقتضيات دستور يونيو 2011 وبتوجيهات ملك البلاد إلى المواطنين إما بصفتهم عاديين أو ناخبين والى المنتخبين في الجماعات المحلية وفي الأقاليم والجهات و المنتدبين في البرلمان أو إلى المسؤولين في الإدارة الترابية ... و( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) صدق الله العظيم.