مولاي أحمد الريسوني (1860 أو 1871 / أبريل 1925) بقلم الباحث محمد عزلي
أجدادنا في شمال المغرب يعرفون جيدا الفرق بين الصلوات الخمس العادية وصلاة برّيسول. فالصلاة العادية هي أن يتوضأ الإنسان ثم يصلي، وصلاة برّيسول هي أن يصلي الإنسان وبعد ذلك يتوضأ، ليس في الأمر أي مغالاة أو بدع أو ألغاز، وهذه هي الحكاية: حين كان مولاي أحمد الريسوني، المعروف باسم بن ريسون أو برّيسول، يفرض سطوته وهيبته على أجزاء واسعة من ضواحي طنجة وباقي المدن المجاورة بداية القرن العشرين، كان يفرض نظاما صارما على أتباعه وعلى سكان القبائل، من بينها الحضور للصلاة جماعة في المساجد، والتي كان يحضرها برّيسول بنفسه، خصوصا صلاة الفجر، كان من الصعب أن يتخلف عنها أحد، وإلا سيتهم في دينه وكرامته وولائه، وكان الكثيرون يستيقظون من النوم مذعورين ويهرعون إلى المسجد وهم يوصون زوجاتهم بتدفئة الماء للوضوء بعد العودة من الصلاة، أي أنهم يصلون بعد النوم مباشرة في المسجد بحضور برّيسول، ثم يعودون إلى منازلهم ويتوضؤون ويؤدون الصلاة كما هي، وبذلك كان الفرق بين الصلاة العادية وصلاة برّيسول. هذه الحكاية تشير إلى مدى القوة التي بلغها هذا الرجل، كان صارما في تطبيق شعائر الدين، ومقاتلا شرسا ومحاربا داهية دوخ الإسبان والإنجليز والأمريكان، وجعل الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت يعض على لسانه من الغضب وهو يتوعده بالويل والثبور وعظائم الأمور، بينما برّيسول يسخر من الجميع ويمرغ أنوف القوى العظمى في التراب. لكن من يكون الرجل الذي اتفق المؤرخون و الدارسون و المهتمون على الاختلاف في تعريف هويته ؟
إنه أبو العباس أحمد بن محمد بن عبد الله الريسوني ، أو مولاي أحمد الريسوني، (برّيسول) ويدعوه رجاله الشريف الريسوني ويسميه الإنجليز الريسولي.. من مواليد بلدة زينات في بني مصور قرب طنجة شمال المغرب سنة 1860. كان برّيسول طفلا عاديا تربى في حضن والدته بعد أن مات والده في سن مبكرة, أرادت أمه أن يصبح عالم دين يفتي الناس في أمور دينهم ويؤم بهم الصلوات، لكنه تحول إلى قائد عسكري يقود الناس نحو الحرب والقتال. في تسعينيات القرن التاسع عشر، أيام السلطان مولاي الحسن الأول بن محمد، إلتف حوله جموع من قبيلة بني عروس، ومن أخواله بني مصوَّر. عاش الحياة الحرة للمهرِّب في منطقة الشمال المغربي، إلى أن أمكن لعامل مدينة طنجة عبد الرحمان ولد الصدوق، أن يلقي القبض عليه، ثم أرسله إلى سجن مدينة الصويرة. لم يكن في الإمكان قتله رغم ما اقترفه من الجرائم، بحكم انحداره من أسرة جليلة القدر، كان الأهالي يعتبرونها فوق العقاب. مكث الريسوني في السجن مدة سنتين تقريباً، بعد أن مات السلطان، ثم أُخليَ سبيله بعفو من مولاي عبد العزيز بن الحسن، بعد تدخَّل العجوز الطريس، الذي ينحدر تقريبا إلى نفس منطقة الريسوني (جهة تطوان)، لدى السلطان لصالحه, وهو خطأ سيندم عنه الطريس بعدئذ، شديد الندم. يروي ليونارد كاروف الذي كان يتولى قيادة سفينة «التركي»: «استقل الريسولي في عام 1901 سفينة «التركي» متوجهاً من مدينة الصويرة إلى مدينة طنجة. ولقد مكث يومين كاملين رفقتي. ولم يترك لديَّ الانطباع، يومئذ، بأنه رئيس لقطَّاع الطرق. فلقد كان ذا وجه صبوح. وكان يُعرف بالاستقامة. ذا سحنة صافية. وشعر رأسه ولحيته بالغ السواد. وكان ذا هيأة طويلة ونحيلة. وقد كان البحارة يعتبرونه شريفاً من الشرفاء، فكانوا يخشونه أيما خشية، ولو لم يكن بعضهم قد حدثني عن الإنجازات الإجرامية لهذا اللص، لما كان ليخطر ببالي أنني كنت إزاء رجل من هذه الطينة.»
في بداية القرن العشرين كان المغرب مشتتا بين سلطان لاه أغرقه الأوربيون باللعب، وبين فتنة في عموم البلاد وظهور متمردين هنا وهناك، من بينهم بوحمارة، وشيوع السيبة والقتل والسلب والنهب، وكان برّيسول واحدا من الذين انتفضوا ضد السيبة، فقال الكثيرون إن هذا الرجل قاوم السيبة، وآخرون قالوا إنه ساهم في السيبة وكرسها. كان المغرب يعيش على بركان التمردات، وبينما كان المتمرد بوحمارة يبسط سيطرته على مناطق واسعة من وسط المغرب ومنطقة شمال وشرق الريف، كان مولاي أحمد الريسوني الحاكم شبه المطلق في مناطق جبالة، ولا شيء يقف في طريقه حتى أعتى الدول الأوروبية. المصادر التاريخية التي تتحدث عن برّيسول تخلط ما بين الأسطورة والحقيقة، لكن المشكلة أن طبيعة ذلك الرجل وصرامته وجرأته، وبطشه أيضا، جعلت منه شخصا أسطوريا، حتى وإن كانت قلعة نفوذه محدودة لفترة معينة من الزمن. المؤرخون الغربيون يصفون مولاي أحمد بكونه قاطع طريق وجبارا ومختطفا، والمصادر المغربية تصفه بالخائن ومروع الآمنين، والمتعاطفون معه يصفونه بالرجل الوطني الذي وقف ضد تهاون السلطان مولاي عبد العزيز وتردي الأمن في نواحي طنجة والمدن الجبلية الأخرى, يشهد على هذا ( والتر هاريس ) ابن إحدى العائلات البريطانية الغنية بالمغرب في القرن التاسع عشر، الذي سافر في ربوعه وتعرف على عادات المغاربة وتقاليدهم, ثم استقر لسنوات في طنجة، قبل أن يختطفه رجال مولاي أحمد الريسوني. يقال انه توفي في اواخر شهر ابريل عام 1925 جراء المعناة من مرض البوذمة. وبالرغم من الشائعات التي لاحقته طوال حياتة الا انه يعتبر بطلا شعبيا من قبل العديد من سكان مدن ومناطق جبالة. المؤرخ مانويل أورتيغا يقول في كتابه عن الريسوني «عندما نتأمل سيرة هذا الرجل، إمبراطور الجبل، المحتمي بالغابات الطبيعية والجبال، والذي تحدى قوة إنجلترا والولايات المتحدةالأمريكية رغم الأسلحة والمدافع التي تملكانها، ورغم الذهب الذي ظلتا تغريانه، فإننا ندرك أن الريسوني لم يكن دنيئا». وفي كتاب «المغرب»، يقول توماس غارسيا فيغيراس: «كان الريسوني يتمتع بذكاء عال ويقظة كبيرة، وله ممارسة سياسية على قدر كبير من النضج ودراية كبيرة بالأوضاع السياسية الدولية والعالم الإسلامي، وكان يطمح إلى رؤية المغرب حرا ومن دون أية وصاية أجنبية». أما فرانسيسكو هيرنانديث مير فيقول: «كانت فرنسا وإسبانيا تدركان قوته وتأثيره في القبائل، لذلك حاولت الدولتان ترويج تهم الخيانة ضده والقول إنه ساعد إسبانيا على احتلال العرائش والقصر الكبير». وقد عرض الفيلم الشهير «العاصفة والأسد» (بالإنجليزية: The Wind and the Lion)، الذي لعب فيه الممثل البريطاني الشهير شون كونري دور الريسوني, وهو فيلم أمريكي أُنتِج سنة 1975 م، وتدور قصته حول قيام الريسوني باختطاف عائلة بريطانية ثرية في المغرب، تم تصوير الفيلم في إسبانيا. لمشاهدة الفيلم, إضغط على هذا الرابط : https://www.youtube.com/watch?v=5vtuUgwZs7Q&feature=youtu.be "مصادر"
ثعلب جبالة الذي روع أمريكا و بريطانيا " عبد الله الدامون " The Capital Century: 1904: 'Perdicaris alive or Raisuli dead!' Brief Time Magazine Article from 1925 Testimonial of Walter Harris, kidnapped by Raisuli in 1903, on Virtual Tangier