ظهر مولاي أحمد الريسوني في فترة كان المخزن في المغرب يعاني الأمرّين، وكانت ثغور المغرب تضيع واحدة بعد الأخرى، وأصبح الأمن مطلبا عزيزا، وانتشرت السيبة في أرجاء البلاد، وخصوصا في شمال المغرب، وفي منطقة جبالة حيث أصبح الريسوني سيد الزمان والمكان. فرض الريسوني، أو برّيسول كما كان سكان المنطقة يسمونه، هيمنته على مناطق واسعة من المنطقة الشمالية الجبلية، بدءا من طنجة وامتدادا حتى شفشاون وتطوان والعرائش وغيرها من المناطق الشمالية الغربية التي كانت جزءا من أراضي الحماية الإسبانية. المصادر التاريخية المغربية الرسمية تصف الريسوني بكونه متمرد خرج عن طاعة السلطان ومتعاونا مع الأجانب، والمصادر الأوروبية تصفه بأنه مقاوم مغربي واجه الاستعمار الأوروبي بكل ما يلزم من شدة وبأس، وبين هذا وذاك فإن الريسوني لم تكن تهمه الصورة التي يحملها عنه الآخرون. قضى الريسوني قرابة خمس سنوات في سجن بالصويرة بتهمة تمرده على السلطان مولاي عبد العزيز. وبعد أن أطلق سراحه بعد تدخلات من هنا وهناك، عاد إلى معقله في ضواحي طنجة وتحول إلى أقوى مما كان عليه، خصوصا عندما اختطف عددا من المشاهير الغربيين المقيمين في طنجة الدولية بداية القرن العشرين، من بينهم الصحافي البريطاني الشهير والتر هاريس، وزوجة الملياردير الأمريكي بيرديكارس وشقيقه. كان الإسبان يحارون في أمره لأنه يطلب منهم المال والسلاح لمفاوضة القبائل، وفي النهاية يواجههم بنفس المال والسلاح الذي أخذ منهم. تحول اسمه إلى كابوس للحكومات الغربية، من بينها الولاياتالمتحدةالأمريكية التي كان رئيسها فرانكلين روزفلت يتوعد الريسوني بالانتقام، وفي النهاية يبحث عن قنوات للتفاوض معه. المثير في مسيرة الريسوني، هو أنه سيتحول من متمرد إلى خادم للأعتاب الشريفة، عندما نُزع المُلك من يد مولاي عبد العزيز، ووضع في رقبة أخيه مولاي عبد الحفيظ، وبذلك تلقى هذا الرجل رسائل من السلطان تبلغه عطف ورضى السدة العالية، وأصبح يفرض القانون والنظام في مناطق جبالة بواسطة الوسائل المتعارف عليها قانونا بعد أن كان يفرضها بقوة السلاح. القوة التي كانت في يد الريسوني، بقدر ما أخافت خصومه من مغاربة وأجانب، فإنها لعبت دورا كبيرا في إعادة الأمن والطمأنينة إلى مناطق واسعة من منطقة الشمال، وهي المنطقة التي لعب فيها هذا المتمرد دور «الدكتاتور العادل».