العرائش أنفو مهداة بمناسبة قرب عودة مغاربة العالم إلى وطنهم الأم، ومهداة إلى صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وشفاه . حدثني قلبي حديث العارفين ونطق لساني بما يفيض من حنين فسالت المقادير بما شاءت من يقين فقلت يا سامع السامعين ويا ناظر الناظرين يا طائفًا بين الديار ويا راحلًا خلف البحار هل رأيت مثل مغاربة العالم أهل الهبات والكرمات والسجايا الندية والمكارم الزكية هم الطوافون في الأرض والناشرون لواء الوطن فوق كل أرض وشاحهم إذا تحدثوا صدح الطرب وإذا ساروا عبق الأثر وإذا غنوا علت العيطة وأزهرت الأغصان وإذا بكوا نزل المطر واهتزت الأكوان خرجوا من دروب الزيتون ومن أفنية الدور الطينية ومن مساجد تحمل عطر الجوامع العتيقة وراحوا يطوفون بين المدائن يسكنون الروح قبل أن يسكنوا الأرض يزرعون العلم ويجمعون الورد ويمضون في الأرض زرافات ووحدانًا يحملون المغرب على ظهورهم كما تحمل الأم رضيعها على ساعدها الوفي هجروا العيون لكن العيون لم تهجرهم تركوا الأبواب لكن الأبواب بقيت مشرعة لهم ودعوا الأزقة لكن الأزقة حفظت أسماءهم وزخرفت بهم لياليها المديدة إذا تحدثوا نطق اللسان المغربي الشجي وإذا غنوا فاضت أغانيهم بعيطة الزعري والحصبة والملحون وإذا رقصوا اهتزت الأرض على إيقاع الكدرة والركبة وأهازيج السهول وعيوط أولاد حريز وأولاد سعيد وأولاد زيان وأولاد سيدي بنداود ومزاب الكرام يا سامع خبري ويا شاهد أثري ألم تر أن مغاربة العالم لم يتركوا وطنهم خلف ظهورهم بل حملوه في قلوبهم حملاً ثقيلًا خفيفًا وجعلوا من كل أرض تطؤها أقدامهم مرافئ حنين ومآذن شوق وأنهار ذكرى هم الذين إذا وقفوا في الأسواق رفعوا راية السلم والمحبة وإذا جلسوا في المقاهي نشروا حديث الزيتون والتين وأخبار الدروب العتيقة وإذا اجتمعوا أنشدوا العلوة وتغنوا بالحوزي ورقصوا طربًا على نغمة العيطة حتى يظن السامع أنهم لم يغادروا ضفاف أم الربيع ولم يبتعدوا عن حنطة فاس العتيقة يا من تسألني عن مغاربة العالم سأقول لك هم البحر حين يغضب والسحاب حين ينهمر والنخلة حين تعطي بلا حساب والريح حين تمر عبر الحقول حاملة عبق الوطن المختوم بخاتم المحبة السرمدية غادروا بلا وداع لكنهم زرعوا الوداع ورودًا على شرفات الوطن ذهبوا بلا التفاتة لكن الوطن ظل يلوح لهم في ليالي الغربة قناديل حب لا تنطفئ ذهبوا بأسماء الجدود وحكايات الجدات وبخرائط لا تمحى من الذاكرة وبصلاة الفجر التي تبدأ بالحمد لله وتنتهي بالدموع الصادقة مغاربة العالم زهرات غرست في تراب قارات الدنيا ولم تذب رائحتها قط مغاربة العالم مواكب عشق لا تخون العهد ولا تنسى الأرض ولا تغفل عن أصلها ساعة واحدة هم البواسل في معارك الغربة هم السادة في معارج النجاح هم الجنود المجهولون في معارك الهوية والمواطنة العابرة للقارات يا سائلي عن خبرهم إذا صفوا كانوا كالسيف وإذا اجتمعوا كانوا كالنجوم وإذا صبروا كانوا كالصخر وإذا اشتاقوا كانوا كالمطر الخريف يهمي ولا يستأذن هم الذين حملوا خبز الشعير وخرافات الحكايات العتيقة وأغاني الحب القديمة وأهازيج القرى وضربات الطبل في أعراس أولاد حريز وأولاد زيان وأولاد بوزيري وأولاد سعيد وأولاد عبو وأولاد سيدي بنداود ومزاب الأبية ومن كل بقاع الوطن من طنجة إلى الكويرة الطيبة وهم الذين حملوا في قلوبهم صلوات الزوايا الطاهرة وهمسات الأسواق المزدحمة بألوان الزيتون والعسل والزعتر والحناء هم العابرون عبر القارات لكنهم مقيمون في ذاكرة المغرب هم الراحلون بلا سفر والقادمون بلا موعد هم نبض المغرب حين يخبو وهم صوته حين يصمت وهم حروفه حين تتبعثر في مواسم الغربة البعيدة وفي الختام، أيها الأعزاء، ها نحن نلتقي على أرض طيبة تشرق منها شمس العزة والتاريخ، وطنٌ غني بذكريات الأجداد وأحلام الأحفاد وطنٌ يظل يرفرف فيه علم المغرب شامخًا في سماء العز والكرامة رغم بعد المسافات وطول الغربة، ويبقى الشعب مغربيًا في أعماق القلب، يحمل في جعبته إيمانه بالوطن وأصالته، ورؤيته للمستقبل الزاهر الذي لا ينتهي. مغاربة العالم هم الأمل الذي يعانق سماء أرضهم، هم الأيادي التي تزرع في الخارج فتنبت في الداخل، هم الأمل الذي لا ينقض، وهم الشموخ الذي لا يلين ولا يذبل. هؤلاء المغتربون الذين يعيشون في كل الزمان والمكان وبينهم وبين وطنهم رابطٌ لا يمكن أن يفسده البعد، ولا يغيب عنهم سوى لمحة العودة التي تروي الروح وتغني القلب. فالمغرب سيبقى حضنًا دافئًا، ومرسى الأمان لكل من رآه وبين أهله يجدون السلام والطمأنينة. والقلوب المشتاقة تلتقي في لحظة مع الوطن الذي لا يعوضه غريب ولا يملأ فراغه زمن بعيد، فالشمس تشرق في السماء، كما يشرق في قلوب المغتربين أمل العودة وملاقاة الأحبة والأرض التي أنجبتهم. زبدة القول: ومع كل خطوة نخطوها نحو عودة المغتربين، يبقى وطننا هو الملاذ الآمن، وهو الأرض التي تحتضن القلوب، ويرتفع علمه عالياً في سماء المدى، نردد شعاره في كل خطوة "الله، الوطن، الملك" وكل عامٍ والمغرب في أبهى حلته. اللهم آمين وها هي العودة قد بدأت وها هو المغرب يُحتفل به، من المحيط إلى المتوسط، في قلب كل مغربيٍ وفي روح كل مغربية. انتهت المقامة، حفظ الله المغرب وأهله من كل شر.