العرائش أنفو منذ عقود، رسّخ المغرب مكانته كفاعل محوري في قضايا دولية كبرى، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. ولم يكن ترؤس جلالة الملك محمد السادس للجنة القدس من قبيل الصدفة، بل جاء امتداداً لدور تاريخي تؤديه المملكة في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، والمساهمة في التهدئة وإعادة الإعمار، وكذا تحسين الأوضاع المعيشية هناك هذا الحضور الدولي القوي لا ينفصل عن سياق داخلي يشهد منذ سنوات تحولات فكرية ومجتمعية عميقة. فمنذ مرحلة "الربيع العربي"، والمغرب يسير بخطى ثابتة نحو ترسيخ الاستقرار وتعزيز الإصلاح، رغم محاولات متعددة لإشعال الفتنة عبر بوابات إعلامية وأيديولوجية، بعضها ينبع من الداخل، وبعضها الآخر يُدار من الخارج بأجندات لا تخدم الوطن. لكن المغرب، بما يملكه من تماسك اجتماعي ومؤسساتي، لم يَحد عن دوره كوسيط ومُبادر في القضايا الكبرى، رافضًا الانزلاق إلى منطق الصدام، ومُصرًا على المضي نحو مستقبل منفتح يجمع بين الأصالة والتقدم. في هذا السياق، بدأت تطفو على السطح بعض الأصوات المحسوبة على التيار اليميني المتطرف، الذي يتغذى على فكر الكراهية والانغلاق، ويحاول إقحام البلاد في متاهات فكرية خطيرة. هذه الأبواق لا تستهدف مؤسسات الدولة بشكل مباشر، بل تسعى إلى زعزعة استقرار الوعي المغربي، وبث الشك في الرموز الوطنية، حتى تلك التي تمثل تعددية البلاد، كالمستشارين من خلفيات دينية أو ثقافية مختلفة. إن المساس بأي مستشار للملك، بغض النظر عن دينه أو أصله، هو في جوهره مساس بثوابت الدولة المغربية وشرعيتها التاريخية، كما هو اعتداء على قيم التعايش التي تميز الأمة المغربية، التي ظلت دائمًا موحدة على اختلاف مكوناتها العرقية والدينية والثقافية. الدين لله… والوطن للجميع أما أصحاب الفكر المتطرف، فعليهم أن يستوعبوا أن المغرب للجميع، وأن من يظن أنه قادر على عزل المغرب في كفّة واحدة يرتكب خطأً جسيماً. فالمملكة ليست دولة دينية، بل دولة ذات مرجعية متنوعة، تؤمن بأن الديانات السماوية كلها جزء من نسيجها، ولا علاقة للدين بالسياسة في بنيتها المؤسساتية. وهنا يكمن بيت القصيد: المتطرف حين يخلط الدين بالسياسة، يحاول فرض رؤى أحادية لا علاقة لها بالمجتمع المغربي المنفتح، بل هي رؤى مغروسة في الكراهية والإقصاء. الوعي الفكري هو ضمانة المستقبل ومع كل هذا، تبقى النقطة الجوهرية في المسار المغربي هي الوعي الفكري الذي يجب أن نزرعه في الأجيال القادمة، لأن هذه الأجيال وحدها من ستحافظ على الوطن. فالوطن للجميع، والدين لله، والتربية على الانفتاح والاحترام المتبادل هي صمّام الأمان في وجه كل فكر متطرف، وكل محاولة لزرع الشك في وحدة الأمة المغربية .