يونس دليرو تشهد الساحة الأوروبية، وخاصة في إسبانيا وفرنسا، تحركات جديدة لليمين المتطرف تهدف إلى تصعيد المواجهة مع الجاليات المسلمة، وخاصة ذات الأصول المغربية. بعد سنوات من الخطاب التحريضي الذي استهدف الهجرة والإسلام، يبدو أن هذه التيارات تبحث الآن عن مدخل جديد للدخول في صراع مباشر، مستغلة الأحياء ذات الكثافة السكانية المغربية كأرضية خصبة للاستفزاز والتصعيد. ## **من استغلال الأزمة الاقتصادية إلى المواجهة المباشرة** لطالما استغل اليمين المتطرف الأزمات الاقتصادية والاجتماعية لإلقاء اللوم على المهاجرين، لكن الجديد في الأمر هو السعي نحو خلق احتكاكات مباشرة داخل الأحياء التي تسكنها الجاليات المسلمة بكثافة. التصعيد لم يعد يقتصر فقط على الحملات الإعلامية وخطابات الكراهية، بل أصبح يأخذ أشكالاً أكثر عدوانية، مثل تنظيم مسيرات استفزازية، أو محاولة فرض "دوريات مدنية" بحجة استعادة الأمن، أو حتى استهداف الفضاءات الثقافية والدينية. ما رأيناه اليوم في **طيراسا** ليس إلا أول شرارة من هذا الصراع. الأحداث التي جرت هناك، سواء كانت مقصودة أو مفتعلة، تعكس بوضوح نوايا اليمين المتطرف في اختبار ردة فعل الجالية، ومعرفة مدى جاهزيتها للتعامل مع هذا النوع من الاستفزازات. مثل هذه الحوادث قد تتكرر قريباً في مدن أخرى، وقد تكون أكثر حدة إن لم يكن هناك وعي واستعداد لمواجهتها بأساليب حكيمة وفعالة. ## **فراغ في التأطير… وغياب البديل القوي** في ظل هذا التصعيد، يبرز غياب شبه تام للجمعيات والمؤسسات التي من المفترض أن تكون فاعلاً قوياً في الحقل الديني والاجتماعي والثقافي المغربي في أوروبا. رغم وجود بعض المبادرات، إلا أنها غالباً ما تكون مناسباتية أو رمزية، مثل موائد الإفطار الجماعية في رمضان أو تنظيم مهرجانات ثقافية محدودة التأثير. هذه الأنشطة، رغم أهميتها في تعزيز التعايش، تظل غير كافية لمواجهة ماكينة إعلامية يمينية متطرفة تعمل على مدار الساعة، وتستغل كل حادثة صغيرة لتحويلها إلى قضية رأي عام تخدم أجندتها العنصرية. ## **هل نكتفي بالحريرة وموائد الإفطار؟** السؤال المطروح اليوم هو: هل يكفي تقديم صورة إيجابية عن الجالية من خلال المظاهر الاحتفالية كوسيلة وحيدة لمواجهة المد اليميني المتطرف؟ أم أن الحل يكمن في نهج أكثر واقعية يرتكز على تعزيز الوجود الفعلي في المجتمع عبر العمل الجاد، والتعليم، والتأثير في مراكز القرار؟ الرهان الحقيقي ليس فقط في "الاحتفال" بالوجود، بل في ترسيخه بقوة على أرض الواقع، من خلال: – **تأطير شبابي فعّال** داخل الأحياء المستهدفة، لمنع استغلال الشباب من طرف أي أجندات متطرفة، سواء يمينية أو دينية متشددة. – **تكوين قيادات محلية** قادرة على تمثيل الجالية المغربية والمسلمة في المجالس البلدية والهيئات الرسمية. – **تعزيز حضور النخبة المغربية في الإعلام والمجال الأكاديمي** لمواجهة الصورة النمطية التي يروج لها اليمين المتطرف. – **خلق مشاريع اجتماعية حقيقية** تمس حياة الناس اليومية، وتوفر حلولاً لمشاكلهم بدلاً من ترك الفراغ الذي يستغله اليمين المتطرف لزرع أفكاره. ## **التقليل من "الكرافس" والمزيد من العمل الجاد!** المرحلة المقبلة لن تكون سهلة، والاعتماد فقط على الرمزية الثقافية لن يكون كافياً لإيقاف الموجة المتطرفة المتصاعدة. إذا أرادت الجاليات المغربية في أوروبا أن تحافظ على وجودها وتحمي أبناءها من أن يكونوا ضحايا لهذا الصراع المفتعل، فعليها أن تخرج من منطق الاحتفالية إلى منطق الفعل والتأثير الحقيقي. ما حدث اليوم في **طيراسا** هو مجرد بداية، وهو إنذار واضح بأن القادم قد يكون أكثر خطورة. حان الوقت للتقليل من "الكرافس" والمزيد من العمل الجاد، لأن اليمين المتطرف لا يخاف من مائدة إفطار، لكنه يخشى مجتمعاً واعياً، منظماً، ومؤثراً في مجاله.