قامت جمعية إشعاع للثقافات والفنون بعرض فيلم "جلال الدين" لمخرجه وكاتبه حسن بنجلون يوم الأربعاء 27 نونبر 2024 بقاعة المركز الثقافي ليكسوس باب البحر بمدينة العرائش وكان لي شرف الحضور، وبهذه المناسبة أود أن أدلي ببعض الملاحظات والقراءات على هامش المشاهدة، أولا أقترح أن أعوض عنوان الفيلم بعنوان آخر وهو "دين الحب" باعتباره الموضوع المركزي في الفيلم، ناهيك عن ثنائية الخير /الشر، والفضيلة/الرذيلة، القناعة/الجشع، ويتجسد الحب في الفيلم خاصة عند بطل الفيلم جلال الدين بين كونه دافعا نحو الفضيلة وارتكاب أفعال الخير والقناعة والزهد، كما يمكن أن يكون دافعا نحو الرذيلة والخطيئة في نفس الوقت، وهو ما يتجلى في شخصية هبة زوجة جلال الدين التي أصيبت بمرض لا علاج له، وبما أنها تعيش اللحظات الأخيرة من عمرها في انتظار الموت الذي قد يباغتها في أي لحظة، كانت مصرة على أن ترى زوجها وحبيبها الذي فضلت حبه على عائلتها التي هجرتها إلى الأبد مغادرة بلدها تونس إلى المغرب للعيش مع من أحبت كهبة عوصته كل الحب الذي افتقده في يتمه، ولأنها في حالة مرض وغير قادرة على تلبية رغبات زوجها التي تعتقد أنها كفيلة بإسعاده، كانت كل مرة تطلب منه أن يستمتع بحياته كما كان يفعل قبل أن تصاب بالمرض، هذا الإصرار الذي تكرر مرارا على لسانها، سيكون سببا في ارتكاب جلال الدين الرذيلة بإحدى محلات التدليك "الصونا" التي هي في الأصل مكان للدعارة، وبعد مقاومة متعددة لأهوائه يسقط في الأخير فريسة في شراك الشهوة واللذة. لكن الصدمة الكبرى هي أن المرأة التي ارتكب معها الرذيلة تشاء الصدف أن يغرم بها إبنه الوحيد المغرم بماديات الحياة، ويقرر تقديمها لأبيه كخطيبته وزوجته المستقبلية بعد وفاة أمه، الشيء الذي سيدفع جلال الدين للرحيل عن البيتدون سابق إنذار ودون عودة، لأنه وجد نفسه أمام مفارقة غريبة تتمثل في عدم قدرته على رفض حب إبنه لأنه يتذكر جيدا كيف ضحت هبة زوجته بكل ما تملك لتنتصر لحبهما، وبين المستنقع الذي نبت فيه هذا الحب وطبيعة المحبوبة في الأصل التي ترعرعت في كتف الدعارة، لذلك ارتأى أن الحل الأمثل بالنسبة له هو الرحيل والتوجه لإحدى الزوايا ودخول عالم التصوف، الذي نقله لنا حسن بنجلون على غير عادة التصوف المتعارف عليه، بحيث يقترح علينا نموذجا توليفيا يجمع بين التصوف الإسلامي والشرقي الآسيوي وحتى الغربي من خلال قبوله للمرأة المتصوفة جنبا إلى جنب مع الرجل، وهذا النموذج الذي يقترحه علينا بنجلون لا يشترط وحدة الدين سواء الإسلامي أو غيره بل تصوف تحت شعار "دين الحب" القائم على التعايش والتسامح بين الديانات. وبهذا يكون المخرج قد اعتبر أن اللجوء إلى التصوف يشكل خلاصا للإنسان من ما يعيشها من ضياع وتيه ومعاناة، وهذا يتجسد في التحاق الحفيد بجده جلال الدين في إشارة إلى فكرة العود ودورة الحياة التي تكتمل مع الحفيد الذي تبنى أفكار جده دون أن تكون له أي معرفة مباشرة به، مع أنه قد يرمز إلى الهروب من الواقع والعجز أمام مواجهة مشكلات الحياة المعقدة.كما أن الفيلم يحمل دلالات في العلاقة مع التعامل مع الأخطاء/الخطايا التي إذا لم يواجهها الإنسا لحظة وقوعها بجرأة وشجاعة فإنها ستلاحقه إلى آخر يوم من حياه. الفيلم إذن مناسبة لإعادة التفكير في عديد الأسئلة الفلسفية الوجودية خاصة مفاهيم مثل الخير، الشر، الفضيلة، الرذيلة، الخلاص، الحقيقة.. شفيق العبودي العرائش 28 نونبر 2024